تعزيزات روسيّة ضخمة إلى سورية،أهي ساعة الحريق الكبير؟
سمير الفزاع
هل وقعت روسيا في فخّ سباق تسلح من بوابة الحرب على سوريّة كما وقعت فيه إبان الحقبة السوفيتية، وما هي الخطوة الروسية القادمة؟ ما الذي ينتظر سورية مع هذه الحرب النفسية والدبلوماسية والسياسية والحشود الأمريكية والغربية والصهيونية، وهل هي الحرب التي لاحت نذرها في العام 2013؟! رسائل الأسد من الغوطة، المعنى والدلالات؟!. هذه الأسئلة وغيرها ما سأحاول الإجابة عنها.
* موسكو، وحرب الضرورة:
تخوض روسيا في سورية حرب أكثر من ضرورية؛ بل هي حرب البقاء أو التقزّم وصولاً للإنهيار. أعلن لافروف وبوتين غير مرة وإن بعبارات مختلفة بعض الشيء؛”بأن شكل عالم الغد يتوقف على الشكل الذي تنتهي عليه الأزمة السورية”. إنها الحرب التي تسمح للمنتصر وحلفائه بإعادة صياغة شكل المنطقة، وتحديد موقعه في تركيبة الإدارة الدولية للعالم، وحجم إسهامه في ترسيخ المنظومة الثقافية والقيميّة والحضارية السائدة فيه… عندما وقعت موسكو في جملة أخطاء وأفخاخ منها سباق التسلح، تداعى الإتحاد السوفيتي، وكل المنظومة الشرقية من خلفه، وتفردت واشنطن بقيادة العالم منذ ذلك الحين… فهل وقعت موسكو مجدداً في مصيدة سباق التسلح الإستنزافيّة؟!. أعتقد بأن روسيا لن تقع في هذه المصيدة بالذات لأسباب منها:
1-روسيا تقوم اليوم ببيع ما قيمته 15 مليار دولار من السلاح سنوياً، وهذا لم يكن متوفرا للاتحاد السوفيتي.
2-لم يكن سباق التسلح وحده سبب انهيار الاتحاد السوفيتي وإنما أفغانستان كذلك… والإعلان عن تشكل نظام دولي جديد يشير الى أن المأزق الذي كان يرسم لروسيا في سورية لتكون أفغانستان الجديدة لم ينجح، وإنما أصبحت سورية بوابة الناظم الدولي الجديد الذي انتصرت فيه موسكو وحلفائها.
3-عندما أعلن ريغان دخول سباق التسلح لاستنزاف الاتحاد السوفيتي ترافق ذلك مع خفض هائل لأسعار النفط بفعل الدور الهدام لمنظمة (أوبك)، وخصوصا محميات جزيرة العرب وعلى رأسها السعودية… بينما اليوم تنتج السعودية النفط بأقصى طاقتها، وما زال السوق عطشا بفعل النمو السكاني وتوسع القاعدة الإنتاجية العالمية… واعتماد واشنطن على النفط للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة… أولاً، وتسيّد روسيا لأهم مصادر الطاقة في عالم الغد، الغاز، وعدم قدرة أي دولة على منافستها في المدى القريب، ما يعني دخل ثابت ومستقر وغير قابل للاهتزاز الى حد كبير ضمن المدى المنظور،ثانياً.
4-واحدة من مآزق الاتحاد السوفيتي العبء الاقتصادي والعسكري والسياسي الباهظ، والمتمثل بالكتلة الشرقية في طول العالم وعرضه… حيث انفق الاتحاد السوفيتي الكثير من موارده لتنمية وضمان ودّ تلك الدول… بينما تدير موسكو اليوم، علاقات أكثر نفعية ورشداً ولكن مع تحالفات أكثر عمقا وقوة… لنتذكر مصر مثلاً وما قدمته موسكو-السوفيتية لها، ثم وبلا مقدمات “تطرد” إبان حكم السادات أكثر من 35 ألف خبير سوفيتي ليسقط التحالف مع موسكو بضربة واحدة قاضية، وتتحول القاهرة الى الحلف النقيض بالكامل.
5-احد أهم أسباب التحشيد ضد موسكو إبان انتشارها في أفغانستان الحرب ضد الإلحاد والشيوعية، وجعل الحرب ضده مقدسة انتصارا لله والدين… في حالة موسكو اليوم، وعندما أعلن ذات يوم كيري بان العالم والدول السنية لن تسمح لموسكو بقتل أهل السنة والمسلمين في سورية… صدر مثل هذا التصريح التحريضي والدعائي لمرة واحدة فقط من مسؤول أمريكي ثم خبت الفكرة تماماً، كانت الكارثة ستحل لو تكرر مثل هذا التصريح: روسيا مسيحية مثلها مثل أمريكا، وشنّ الحرب ضدها اليوم باستغلال هذه الهوية سيجعل من أمريكا عدو يحمل ذات المواصفات؛ بل إن الإشارات الدينية الصادرة عن واشنطن والمُغلفة لاحتلالاتها واعتداءاتها وتحديدا في منطقتنا، صليبية ولاهوتية مسيحية متصهينة… مَن منا ينسى “وشوشات الرب” لبوش الصغير…؟!.
* العودة إلى خطة “ديمبسي” الصاروخيّة:
كما أوردت مراراً، روسيا ترى أن نتائج الحرب على سورية ستحدد إلى أبعد مدى؛ مستقبلها وموقعها ومكانتها… واشنطن تدرك الأمر بذات الطريقة، خصوصاً بعد أن قدّم أركان القيادة الصهيونية: رئيس الوزراء، وزير الحرب، مدير جهاز الموساد وغيرهم، إلى جانب بعض “القادة العرب” صورة قاتمة لمستقبل المنطقة إذا ما انسحبت واشنطن منها على نحو سريع وكلي، ودون إيجاد ترتيب “مستقر” لخرائطها والعلاقات بين مكوناتها، وبينها وبين القوى الدولية.
بدأت واشنطن بحشد قواتها تحت مسميات مختلفة: دعم الإدارة الذاتية للأكراد، خبراء ومدربين في العراق، خبراء ومدربين من النيتو في العراق، تعزيزات في الأردن وقاعدة التنف… وأمّا أهمها فقد كانت القطع البحرية التي تنتشر سرّاً وعلانية في مسرح العمليات: البحران المتوسط، والأحمر، الخليج العربي… وصولاً إلى شواطئ فلسطين، حيث تمّ تمديد وتوسعة القطاعات المشاركة في المناورات الكبرى التي بدأت الأحد 4/3/2018، في أنحاء مختلفة من فلسطين بين جيش العدو والجيش الأمريكي، والمسماة “جونيبر كوبرا” لتحسين جاهزيّة التصدي لتهديدات صاروخية من خلال استخدام منظومات مثل:حيتس،القبة الحديدية،مقلاع داود،باتريوت… إلى نهاية الشهر الحالي بدلاً من منتصفه.
بعد أن وصلت أدوات الغزو الإرهابي إلى حالة الإنهيار الشامل، وخسارتها “مكتسبات” سنوات من الحرب تحت ضربات الجيش العربي السوري وحلفائه، وتجميعها في جيوب طرفية مثل إدلب ودرعا والحدود مع تركيا والجولان المحتل… أخذ التدخل الأمريكي طابعاً جديداً: التعويض عن هزيمة الأدوات بالحضور الأمريكي المباشر والمتنامي لتحقيق ذات الأهداف أو معظمها… وكانت الغوطة هي أكثر النقاط الساخنة جذباً للمشروع الأمريكي لأسباب بتنا نعرفها جميعاً.
هنا، قامت سورية وحلفائها بحشد قوات ضخمة لتطويق المشروع الأمريكي قبل الشروع فيه، فكانت معركة الغوطة الضربة الإستراتيجية القاتلة، خصوصاً وأن الجيش العربي السوري ممثلاً بالدفاعات الجوية، أربك هذا المشروع بعنف عندما أسقط طائرة أف-16 وأصاب أخرى أف-15 صهيونيتين، فدفع بحسمه معركة جوية حرباً كان أعدائنا يُحضرون لها. مجدداً، واشنطن وغلمانها أمام الحائط المسدود… وبدأ الحديث عن ضربة صاروخية تطال أكثر من 650 هدفاً كان قد وضعها رئيس أركان الجيوش الأمريكية السابق “ديمبسي” إبان رئاسة أوباما، وبذريعة “مسرحية” السلاح الكيميائي في الغوطة عام 2013… لتطال:محطات رادار،منصات دفاع جوي،مراكز القيادة والسيطرة،مطارات عسكرية،مخازن ذخيرة… .
* ختاماً؛ الأسد وبوتين، سنضربكم في العمق:
لم يصدر عن موسكو تحذير بهذه الحدة والعمق والإتساع منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، فقد مدّ الرئيس فلادمير بوتين “المظلة النووية” الروسيّة المكونة من أسلحة غاية في القوة والحداثة، لتشمل حلفاء روسيا، وليس حال التعرض لضربة نووية فقط؛ بل وعند تعرض روسيا أو حلفائها لخطر هجوم بالصواريخ البالستية… . لم يكن هذا التهديد وليد موقف تعبوي، فما رددّته مختلف مستويات القيادة الروسية: وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس الأركان… من العواقب الوخيمة جدا في حال إستهداف الأراضي السورية كما قال لافروف، إلى ضرب مصادر النيران من بوارج وطائرات وقواعد… وليس إسقاطها فقط، كما أكد وزير الدفاع ورئيس الأركان… يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك قرار حاسم بضرب واشنطن في العمق، وعدم الإكتفاء بالدفاع وصد النيران. على الضفة الأخرى، كان الأسد يجوب الغوطة متفقداً ميادين المعارك مع أدوات الغزو الإرهابية، موجهاً كلامه مباشرة كالرمح إلى قلبها:” الحقيقة، لا هي معركة جسرين، ولا معركة دوما، ولا هي معركة النشابية التي خضتموها بكل بطولة، ولا هي معركة الغوطة، ولا هي معركة دمشق… لكن المعركة أكبر من سورية، انتم تخوضون معركة العالم… في الصراع العالمي، كل رصاصة كنتم تطلقونها لتضربوا إرهابي وتقضوا على إرهابي، كنتم تغيرون الميزان في العالم… كل سائق دبابة يتقدم متراً الى الأمام كان يغير الخريطة السياسية للعالم…”. بكلمات أخرى، كان يقول لأهل الغوطة الذين إلتقاهم:نحن لا نحاربكم؛ بل نحارب الذي حاربنا بكم، ونحن لا نوسع حدود سيطرة الدول؛ بل ندفع بخطوط النار التي رسمها عدونا حول دمشق وسورية… نحن لا نقتل الإرهابيين؛ بل نفتك بأحلام من خلفهم، ولا نعدل ميزان القوى لصاحنا؛ بل نصنع موازين القوى لعالم الغد.
لم تكن هذه التصريحات كلام بلا “بارود”، حيث بدأت منذ بعض الوقت كما تشير بعض الدلائل إلى بدء تدفق حشد روسي غير مسبوق الى سورية، يفوق ذلك الذي نفذ في 30/9/2015: تشكيل بحري يتكون من أكثر من عشرين قطعة بحريّة، يضم ست غواصات ثلاثة منها نووية، وعدد كبير من الطائرات الحربية الحديثة المقاتلة والقاذفة، وبعض هذه الأسراب تضم الطائرة التي زارت سورية قبل أيام سو-57، إلى جانب عدد غير محدد من منظومات الدفاع الجوي المختلفة أس-400 و أس-300 و بانتسير وبوك-أم… ومنظومات غاية في التطور للحرب الإلكترونية. في 30/9/2015، بدأ التدخل الروسي في سورية لإعادة التوازن في الميدان السوري، ولمنع تمدد أدوات الغزو الإرهابي أكثر؛ بل ولسحق هذه الأدوات تمهيداً لكسر إرادة مشغليها، وإجبارهم على العودة إلى طاولة المفاوضات… بينما اليوم، تسعى سورية وحلفائها، وخصوصاً روسيا، من الجهوزية الكبرى، وهذا الحشد الإستثنائي إلى تحقيق هدف أساسي وحاكم: سحق ما تبقى من أدوات غزو إرهابي على كل الأرض السورية، وحشر واشنطن في جيوب جغرافية يسهل تهديدها ومقاومتها تمهيداً لطردها، ومنعها من التفكير في الخيار العسكري برفع كلفته إلى أقصى الحدود، بنشر مجموعة من الأسلحة والقوات المتفوقة كماً ونوعاً… إنّه زمن هزيمة واشنطن، وطردها من سوريّة والمنطقة، وصوغ نظام دولي جديد، يعيد الحقوق، ويكسر أيد العدو وعملائه… ولا شيء أقل من ذلك.