4 أسباب تجعل الذهب أفضل استثمار لك في 2018
بعد مرور الشهر الأول من العام الجاري ازداد المعدن الأصفر بريقًا؛ وذلك بعد أن حقق أكبر زيادة سنوية له منذ 2010 خلال العام الماضي؛ فقد ارتفعت أسعار الذهب في يناير (كانون الثاني) الماضي للشهر الثالث على التوالي، وزادت 3.1% منذ بداية الشهر، وهو أفضل أداء شهري منذ أغسطس (آب) الماضي، وهذا بعد نهاية قوية لعام عام 2017؛ حصد خلالها الذهب مكاسب نسبتها 13%، وهو ما يدل على انتعاشة قوية للذهب، فهل سيستمر هذا الانتعاش خلال 2018؟ وهل يمكن اعتبار الذهب الاستثمار الأفضل خلال الأشهر القادمة؟
يرى محللون بخدمة «جي. إف. إم. إس» التابعة لـ«تومسون رويترز» أن الذهب قد يتجاوز 1500 دولار للأوقية (الأونصة) هذا العام للمرة الأولى منذ انهياره في 2013؛ إذ سيعزز جاذبيته باعتباره ملاذًا آمنًا من المخاطر، سواء الاقتصادية أو السياسية، وقالت، سيدا ليتوش، المحللة لدى الخدمة: «ستشكل الأجواء الجيو-سياسية وأسواق الأسهم، التي تواجه مخاطر متنامية لتصحيح حاد، محركات رئيسة لصعود الذهب».
«ليتوش» ترى أن الأسواق العالمية ستزيد من تقلباتها بسبب الغموض المحيط بسياسات ترامب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتوترات في أوروبا، بالإضافة إلى تسارع الطلب على الذهب من المستثمرين الأفراد من آسيا على وجه الخصوص، فالطلب الهندي على سبيل المثال ارتفع بنحو الثلث العام الماضي إلى 611.2 طن.
هذه المعطيات تشير إلى أن الذهب سيواصل الاتجاه نحو الارتفاع، وخلال السطور القادمة سنناقش الأسباب التي ستعزز صعود الذهب، وتجعله ربما الخيار الاستثمار الأفضل خلال هذا العام.
1- الدولار.. الذهب أكثر المستفيدين من ضعف العملة الأمريكية
يعد سعر صرف الدولار الأمريكي من أهم محددات سعر الذهب العالمي، إذ إن هناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار والذهب، بمعنى أن الزيادة في سعر الذهب غالبًا ما تكون انعكاسًا لانخفاض قيمة الدولار، والعكس، وتنشأ هذه العلاقة في الأساس من أن الذهب أحد أهم أدوات التحوط ضد مخاطر تغيرات معدل الصرف للعملات بشكل عام، حيث يلجأ المستثمرون والمتعاملون في سوق الصرف لشراء الذهب لتغطية المخاطر الناتجة من التذبذب في أسعار العملات.
تحقيق سعر الذهب لأكبر زيادة سنوية له منذ 2010، جاءت بعد تراجع كبير في قيمة الدولار الأمريكي، والذي سجل أكبر هبوط سنوي منذ 2003 خلال العام الماضي، وذلك بفعل الشكوك بشأن استمرارية انتعاش نمو الاقتصاد الأمريكي، إذ أنهى العام على خسارة قدرها 9.5%. العملة الأمريكية انخفضت أمام كلٍّ من اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري، وهذه العملات هي مكونات مؤشر الدولار.
بينما أظهرت بيانات صدرت عن صندوق النقد الدولي أن حصة الدولار الأمريكي في الاحتياطيات العالمية للنقد الأجنبي تراجعت في الربع الثالث من 2017 إلى أدنى مستوى منذ منتصف 2014، وهذا هو ثالث انخفاض فصلي على التوالي لحصة الدولار الأمريكي في الاحتياطيات العالمية، الأمر الذي يشير إلى زيادة في ضعف العملة الأمريكية.
ومع انتهاء 2017 لا تشير التوقعات إلى أن الدولار سيعوض بعض خسائر العام الماضي خلال 2018، وهو ما يصب في مصلحة أسعار الذهب، فبحسب ستيفن إينيس، مدير مراقبة التداول لمنطقة آسيا الباسفيك في شركة «أواندا» لتداول العملات، فإن استمرار موجة بيع الدولار سيشكل دعمًا قويًا للذهب، خلال العام الجاري.
وما يعزز أكثر فكرة عدم ارتفاع الدولار، بالرغم من توقعات رفع أسعار الفائدة، هي رغبة الإدارة الأمريكية في بقاء الدولار في المستويات الحالية، إذ قال وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، مؤخرًا «إن تراجع الدولار أفاد الميزان التجاري» مشيرًا إلى «دعم التداول الحر للعملة في المقام الأول» موضحًا أن ضعف الدولار ليس مبعث قلق بالنسبة له، وهو ما يكشف عن استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية التي تعمل على علاج عجز الميزان التجاري في المقام الأول، وهو ما سيكون في النهاية في مصلحة أسعار الذهب.
وبشكل عام يعتقد كثيرون من المتعاملين في الأسواق أن الدولار لابد أن ينخفض يومًا، بل قد ينهار، لكن متى؟ لا أحد يعرف، إلا أن الجميع يعرف أن الذهب هو أصل التحوط الأساسي ضد تراجع قيمة الدولار، لذلك عندما يعتقد المستثمرون أن قيمة الدولار تميل نحو الانخفاض؛ فالذهب هو الحل دائمًا.
2- الأسهم.. تقلبات شديدة بأسواق المال تعزز مكانة الذهب
بالرغم من أن البعض يرى أنه لا توجد علاقة ثابتة بين الذهب وأسعار الأسهم، إلا أن التقلبات الشديدة في الأسهم وانخفاض عوائد الاستثمار في أغلب القطاعات في ظل هبوط الدولار، تعتبر في نظر العديد من المحللين من أهم دوافع صعود الذهب؛ وذلك لأن الخيارات أمام المستثمرين ربما ستكون محدودة وسط هذه التقلبات، لذا سيكون الذهب الملاذ الآمن للكثير من المستثمرين الذين لا يرغبون في المخاطرة.
في الثاني من فبراير (شباط) الجاري هبطت المؤشرات الثلاثة الرئيسة للأسهم الأمريكية، إذ تكبد المؤشر داو جونز الصناعي أكبر خسارة من حيث النسبة المئوية منذ يونيو (حزيران) 2016، متراجعًا بنحو 2.54%، بينما هبط المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأوسع نطاقًا 2.12%، وتراجع المؤشر ناسداك المجمع 1.96%، وبهذه النتائج يكون الأسبوع الذي انتهى في الثاني من فبراير الجاري، هو أسوأ أسبوع لداو جونز وستاندرد آند بورز منذ يناير (كانون الثاني) 2016، وأسوأ أسبوع لناسداك منذ فبراير (شباط) 2016.
لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للأسهم الأوربية؛ إذ تكبدت أكبر خسائرها الأسبوعية في أكثر من عام، في الأسبوع المنتهي في الثاني من فبراير الجاري، في ظل نضوب شهية المستثمرين للمخاطرة، وسط خسائر طالت جميع القطاعات؛ إذ هبط المؤشر »ستوكس 600» الأوروبي نحو 13% خلال الأسبوع، في أسوأ خسارة أسبوعية له منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
هذه التقلبات القوية في أسواق الأسهم عكس انتعاشها العام الماضي؛ إذ حققت المؤشرات أكبر ارتفاع في تاريخها خلال 2017، وذلك بحوالي 22% في المتوسط، فيما سجلت بورصة «وول ستريت»، أكبر البورصات العالمية، نسبة نمو بلغت 27%، تشير إلى أن العام الجاري لن يكون كسابقه، وهو ما يجعل الذهب هو الخيار الأفضل، وهو ما سيزيد من الطلب عليه.
وفي نفس الصدد يقول الرئيس التنفيذي لمصرف «باركليز بانك» البريطاني، جيس ستالي: «إن الظروف التي تمر بها أسواق المال حاليًا، تذكره بما كانت عليه في العام 2006، قبل وقوع الأزمة المالية»، ويوضح أن القيمة الاسمية للموجودات حاليًا مرتفعة جدًا، وفي حال وقوع أية مخاطر سنشهد موجة بيع كثيفة من المستثمرين لتلافي الخسائر، وهو بالطبع ما يعني هبوط كبير للأسهم، أي أن نسبة المخاطرة في سوق الأسهم كبيرة، وهو ما يعزز مكانة الذهب كملاذ آمن.
3- البنوك المركزية.. وتيرة شراء الذهب تسجل مستويات غير مسبوقة
الذهب هو أهم وأكثر المعادن النفيسة انتشارًا، واقتناء الذهب رغبة دائمة لدى الأفراد والدول – متمثلة في البنوك المركزية – كما أنه الجزء الأهم من الاحتياطات لدى الدول، ونظرًا للقيمة المادية والمعنوية التي يتمتع المعدن الأصفر بها سرعان ما تحتمي البنوك المركزية به في حال وجود مخاطر اقتصادية أو سياسية، وهذا بالتحديد ما تفعله البنوك المركزية حول العالم في الآونة الأخيرة، فلا تزال البنوك المركزية المشتري الصافي الأكبر من الذهب في العالم.
وكان تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، كشف العام الماضي عن ارتفاع الطلب العالمي على الاستثمار في الذهب بنسبة 70% على أساس سنوي خلال 2016، وهو أعلى مستوى له في أربع سنوات، إذ أوضح أن الطلب على الاستثمار في المعدن النفيس قفز إلى 1561.1 طنًا متريًا خلال عام 2016 من 918.7 طنًا متريًا في 2015.
وكانت وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب خلال العام الماضي سريعة جدًا مقارنة بالأعوام الماضية، فعلى سبيل المثال، زادت روسيا خلال 2017 ما بجعبتها من الذهب بنحو 223 طنًا، بزيادة نسبتها 17.7%، ومنذ يونيو (حزيران) 2015، أضافت إلى احتياطاتها الدولية 558 طنًا، وهذا المعدل قياسي، إذ قال البنك المركزي الروسي مؤخرًا: «إن إجمالي ما يملكه من المعدن النفيس وصل إلى 1838.211 طن بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
على الجانب الآخر، كانت تركيا ضمن الدول الأكثر شراءً للذهب خلال العام الماضي، إذ سجّل احتياطي البنك المركزي التركي من الذهب رقمًا قياسيًا وصل إلى ٥٦٤.٨ طن، وارتفعت قيمة الذهب الذي يحتفظ به البنك من ١٤.١ مليار دولار إلى ٢٣.٥ مليار دولار في عام ٢٠١٧، وتوضح هذه المعطيات الاتجاه الكبير نحو شراء الذهب على مستوى البنوك المركزي؛ مما يشير إلى أن اتجاه السعر للارتفاع خلال الأشهر القادمة وسط زيادة الطلب.
4- المخاطر العالمية.. الخوف ينعش حظوظ الذهب
الذهب هو الملاذ الآمن القديم الحديث؛ إذ يحتل المعدن الأصفر مكانة كبيرة في الاقتصاد العالمي؛ فهو المعيار الأمثل لتحديد غنى الأفراد والشعوب، وكان السبب الرئيس في العديد من الحروب، ودائمًا ما يرتبط اللجوء للذهب بالخوف، فمثلًا ارتفع سعر أونصة الذهب نحو 100 دولار منذ تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، نتيجة التخوف من التأثيرات السلبية لهذا الانسحاب.
وفي ظل حصول الأزمات السياسية والاجتماعية مثل الحروب وغيرها، يكون اللجوء فوريًّا للذهب، لذلك دائمًا ما يصعد عند وجود أي توترات سياسة عالمية، ومع تراجع ثقة الشعوب والمستثمرين في استقرار الأوضاع المشتعلة عالميًا، يزداد الخوف ومعه يلجأ الجميع إلى الذهب، ومشكلة هذا الخوف في الوقت الحالي أنه لا يرتكز في منطقة واحدة من العالم، بل إن جميع أنحاء العالم تقريبًا تشهد مجموعة من القلاقل المتفاوتة، فقد نشهد تصويت جديد لخروج دول أخرى من الاتحاد الأوروبي، كما أن السياسية الأمريكية الجديدة ما زالت تثير مخاوف الكثيرين، ناهيك عن الاشتعال المستمر للأوضاع في الشرق الأوسط.
ومؤخرًا، سلط تقرير المخاطر العالمية الضوء على عدد من التهديدات الكبرى في عام 2018، ومن بينها المخاطر البيئية بسبب أحوال الطقس ودرجات الحرارة غير المعتادة والتفاوت الاقتصادي والهجمات الإلكترونية، بالإضافة إلى تزايد المخاوف السياسية التي تجعل العالم أقرب للصراع النووي من أي وقت مضى منذ عقود.
التقرير الذي شارك فيه نحو ألف خبير من حكومات وشركات وأكاديميين ومنظمات غير حكومية، توقع 93% منهم تفاقم المواجهات السياسية أو الاقتصادية بين قوى كبرى في 2018، كما أن نحو 79% يرجح نشوب صراع عسكري بين دولتين.
هذا المناخ الذي يسيطر عليه الخوف هو الأفضل بالنسبة لأسعار الذهب التي دائمًا ما تنتعش في هذه الأجواء التي يسيطر عليها التوتر، لذلك وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، فربما يكون الذهب هو الاستثمار الأفضل خلال 2018، سواء للدول أو المستثمرين أو حتى الأفراد.
ختامًا، لا يجب أن ننسى أن هناك وجهة نظر تشاؤمية تجاه أسعار الذهب في 2018 يتبنها بعض الخبراء، هذه النظرة ترجع إلى عدة عوامل، وهي: (ارتفاع الفائدة الأمريكية، والنمو الاقتصادي، وتحسن الاقتصاد الصيني، و«البيتكوين»)، وفي الواقع يمكن القول إن كل هذه العوامل كانت موجودة في 2017، فالفيدرالي الأمريكي لم يتأخر في رفع الفائدة، والنمو الاقتصادي غير متوقع أن يشهد تحسن كبير هذا العام مقارنة بالعام الماضي، بينما حققت «البيتكوين» والعملات الرقمية مستويات مذهلة وغير مسبوقة في 2017، لكن فقدت معظم أرباحها في الشهر الأول من 2018، على عكس الذهب الذي واصل الصعود بثبات.
ساسة بوست