انتصار إستراتيجي
عمار عبد الغني
من الغوطة الشرقية، بدأت سورية تخط معالم انتصارها المبين على الإرهاب وداعميه ومموليه وإفشال المخطط الصهيوأميركي في التفتيت والتقسيم، أمر فرضته مقتضيات الميدان عندما استطاع أبطال الجيش العربي السوري تلقين التنظيمات الإرهابية دروساً في الدفاع عن الأرض والعرض وجعل مسلحي تلك التنظيمات الممتهنين للقتل الجوال، تخضع لحكم الأمر الواقع وتخرج من الأرض الطاهرة منكسرة مهزومة، لتعود الغوطة إلى أهلها كما كانت خزان سورية من الخير والعطاء.
لا يهم إن صعد الإرهابيون في باصات خضراء أو بيضاء، فالأهم أن أهلنا في خاصرة دمشق الشرقية قد طووا صفحة سنوات من العذاب والإرهاب والتجويع، واتضح للعالم برمته أن الجيش العربي السوري انتصر بأخلاقه وقدم صورة بهية في العفو من موقع المنتصر عمن تسببوا بكل هذا الحجم من القتل والتدمير وذلك في سبيل الحفاظ على أرواح المدنيين الذين استمعنا إلى شهاداتهم عند خروجهم عبر الممرات الآمنة.
هذا بالمجمل جعل الماكينة الإعلامية المشاركة في إراقة دماء السوريين تلتزم الصمت، فذريعة الكيميائي لا يمكن لأحد أن يصدقها بعد زيارة الرئيس بشار الأسد التاريخية للخطوط الأمامية للقتال ولقائه المواطنين الخارجين وطمأنتهم بأن الدولة السورية مسؤولة عن حمايتهم وتخليصهم من الإرهاب، كما أن الضرب على وتر المعاناة الإنسانية سقط بالضربة القاضية في ضوء تأمين الدولة السورية مستلزمات المواطنين الخارجين من حصار التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة بكل ما يحتاجون إليه من إيواء وإطعام وكساء ودواء، بعبارة أخرى فإن معركة الغوطة خطط لها بعناية فائقة بحيث لم يترك المخطط العسكري أي ذريعة يمكن للغرب وأدواته في سورية أن يستخدموها لإعاقة عمليات الجيش.
لن تكون معركة الغوطة آخر المعارك، لكنها الأهم إستراتيجياً، أمر فرضه الموقع وحجم التجهيز والتحصين والدعم الغربي اللوجستي للأدوات والبروباغندا التي رافقت ذلك على مدار سنوات الحرب، بمعنى أنها معركة حاسمة وستحدد نتائجها بأي اتجاه ستسير الأمور في الميدان وفي السياسة. الوقائع أكدت وربما بينت لأميركا أنها خسرت الحرب ولم تستطع تحقيق أي هدف مما خططت له، فالجيش العربي السوري بات أكثر تمرساً في القتال ومستعد لخوض الحرب حتى النهاية، بل تلقين أميركا ومعها ربيبتها «إسرائيل» دروساً عليها أن تحسب لها حساب عندما تفكر بأي مغامرة قادمة، وأن الشعب السوري هو أكثر تمسكاً بوحدته الوطنية والتفافاً حول جيشه وقيادته السياسية، وما أدلى به الخارجون من براثن الإرهاب من آلام عانوها إن كان من خلال المتاجرة بدمائهم، إلا دلالات عما ستؤول إليه الأمور على كامل التراب السوري الذي يمكن اختصاره بكلمات: شعب ضاربة جذور حضارته في عمق التاريخ ومستعد للبذل والتضحية والعطاء قادر على إلحاق الهزيمة بجيوش الإرهاب وهو من استطاع أن يقدم للعالم نموذجاً في الصمود والإباء في سبيل الحفاظ على وحدة التراب والهوية الوطنية واستقلالية القرار ليتكامل دوره مع دور الجيش العربي السوري الذي قدم خدمة لشعوب العالم عندما منع تمدد التنظيمات الإرهابية إلى خارج الحدود ببسالته في ميادين القتال ودماء شهدائه الطاهرة. نعم الغوطة باتت قاب قوسين أو أدنى من التحرير الكامل من الإرهاب ومع انتهاء المعركة سيعود الأمان والاستقرار لدمشق وأهلها وسيكون ذلك نموذجاً لما سيطبق على كامل الجغرافيا السورية.
الوطن