الميدان السوري بين نصرِ الغوطة وخسارةِ عفرين
عمر معربوني
أقّل من شهرٍ هي المدّة التي استغرقتها العمليات في الغوطة الشرقية حتى الآن وهي عمليات أسفرت عن نتائج هامّة غيّرت خريطة السيطرة بشكلٍ كبيرٍ لمصلحةِ الجيش السوري، الذي يُتابع عملياته بعد أن فصل منطقة سيطرة الجماعات الإرهابية إلى ثلاثة جيوب منعزلة في عملية تقطيع أوصال كانت متوقّعة بالنظر إلى خطِ الاندفاعِ الرئيسي للجيش السوري على محورِ النشابية من الاتجاه الغربي، بموازةِ خطّ اندفاع من الشمال الغربي على محور الشفونية – الريحان ومن الجنوب الغربي على محور تل فرزات – حوش الصالحية.
كَسْر خطوط الدفاع الأولى التي أقامتها الجماعات الإرهابية على ثلاثة أنساق تضمّن سواتر مُلغّمة وخنادق وموانع مائية كانت على رأس مهمات قوات الاقتحام ، حيث تم استخدام راجمات جولان -400 برؤوسٍ مُتفجّرةٍ تصل حتى 700 كلغ لتخريب بنية الأنفاق وإعاقة استخدامها ، ما حرمَ الجماعات الإرهابية من قُدرةِ المناورةِ تحت الأرض وهو النمط الذي استخدمته هذه الجماعات لفترةٍ طويلة ، كما أن استخدام عربة UR-77 المُضادّة للألغام ساهمَ بفتحِ ممّرات عبور آمنة للدبّابات وعربات المُشاة المُدّرعة التي قامت بإنزال الجنود أحياناً كثيرة خلف نقاط تموضع الجماعات الإرهابية ، ما ساهم بحدوث حال صدمة وارتباك كبيرة وما أدّى إلى دخول الجماعات في حال الانهيار الإدراكي التي تحوّلت سريعاً إلى حال انهيار عسكري .
إنّ حسم الجيش لمعارك حلب والبادية واستعادته السيطرة على عشرات آلاف الكيلومترات المُرّبعة من الجغرافيا ساهم في تشكّل قوّة احتياط استراتيجي كبيرة في القوى البشرية والوسائط القتالية ، تمثّلت في تفوّق الجيش السوري على الجماعات الإرهابية في القوى والوسائط ، وهو ما ساعد الجيش في فتحِ معركةٍ شاملةٍ ألزمت الجماعات على تشتيت قوّتها والقتال على كافة المحاور ، في مسرح عمليات كان عامل المناورة فيه لمصلحة الجيش السوري ، في حين أن هامش المناورة كان يضيق يوماً بعد يوم على الجماعات الإرهابية بسبب تقلّص مساحات السيطرة .
عاملٌ إضافي آخر ساهمَ في إضعافِ قدرات الجماعات الإرهابية هو وضوح مهمة الجيش الرئيسة بشطرِ مسرح العمليات إلى قسمين شمالي وجنوبي ، وهو ما أجبر الجماعات الإرهابية على نشرِ قوات إضافية على جانبيّ خط اندفاع الجيش بشكلٍ فوضوي ومن دون تجهيزات هندسية قوية ، حيث تم سريعاً تحطيم قوات المناورة للجماعات التي انكفأت من نقاط تموضعها في الشفونية وعب دوما ومسرابا ومديرا، لتتحقّق مع تحرير مديرا عملية شطر الغوطة وتحقيق الربط مع قوات الجيش في إدارة المركبات .
العمليات اللاحِقة تركّزت على اندفاعِ الجيش من قطاع المحمّدية غرباً بعد تحرير بيت نايم ، ومن ثم التقدّم نحو مزارع الأفتريس ومن حتيتة الجرش –المليحة من الجنوب نحو جسرين حيث تم تثبيت ممّر خروج للمدنيين .
التظاهُرات المُستمرّة التي بدأ بها الأهالي في حمورية وسقبا أدّت إلى انسحاب المُسلّحين ودخول الجيش إليهما واستكمال عملية التقدّم نحو بيت سوا شمالاً .
بعد تثبيت الجيش قوّاته في البلدات المذكورة دخل بنفسِ الطريقةِ إلى كفربطنا ليتشكّل مسرح عمليات من ثلاثة جيوب :
– الجيب الأول هو جيش دوما بعد اقتراب الجيش منها إلى مشارفها من كل الجهات ، حيث انحصر تواجد ” جيش الإسلام ” في مساحة 17 كلم مربّع وحيث العدد الأكبر من السكان ، عِلماً أن هذا الجيب يشهد هدنة برعاية روسية وتتّجه فيه الأمور إلى مفاوضات قد تكون شاقّة وطويلة بالنظر إلى عددِ السكان الكبير، ووجود آلاف المخطوفين الذين خطفهم ” جيش الإسلام ” من منطقة عدرا العمالية ومحيطها منذ سنوات ، مع الإشارةِ إلى قوّةِ ” جيش الإسلام ” وتأثيره بات معدوماً حيث فَقَدَ كل عوامل وهوامش المناورة ، ولم يتبقَ له سوى عامِل المدنيين كوسيلة ضغط لا يمكنه استخدامها طويلاً ، حيث يمكن أن نشهد تحرّكات مُضادّة من السكان على غِرار ما حصل في العديد من البلدات بالنظر إلى النموذج الإيجابي الذي قدّمته الدولة السورية في التعامل مع المدنيين الخارجين من سيطرة الجماعات الإرهابية ، والبدء بإعادة أهالي حمورية وسقبا وبيت سوا وكفربطنا الذين خرجوا منها .
– الجيب الثاني وهو جيب حرستا المُحاصَر والمعزول والذي تستعدّ فيه الجماعات لتنفيذ تسوية يخرج بموجبها المُسلّحون وعائلاتهم نحو إدلب وبقاء الراغبين بعد تسوية أوضاعهم بموجب شروط الدولة السورية .
– جيب عربين – جوبر وهو جيب ستتقلّص فيه مساحة سيطرة الإرهابيين بشكلٍ كبيرٍ بعد بدء عملية تقدّم للجيش السوري نحو وادي عين ترما ، ما يعني أن تطويق جوبر سيتم من العقدة الجنوبية من نقطة التقاء عين ترما بالمأمونية ، ومن العقدة الشمالية من نقطة التقاء زملكا بجوبر واندفاع القوات من العقدتين على امتداد المتحلق الجنوبي ، مع الإشارة إلى أن مناطق عربين وزملكا وحزّة ستكون خارج سيطرة الجماعات الإرهابية في أية لحظة ما يعني حَسْم المعركة في جوبر خلال مدة قصيرة .
مقابل نصر الغوطة شَهِدَ الميدان السوري خسارةَ منطقة عفرين بأكملها بفارِق أن منطقة عفرين التي ينوي الجانب التركي استخدامها كورقةِ ضغطٍ في المفاوضات القادمة لن تكون بمستوى ناتج تحرير الغوطة كمنطقة ضاغِطة على العاصمة دمشق ، سيتيح تحريرها وضعاً مُريحاً للمفاوِض السوري وأيضاً للجيش السوري الذي ستكون معاركه المُحتمَلة في الجنوب السوري وإدلب أكثر سهولة ، بعد إضافة احتياطي استراتيجي للجيش بسبب تحرير الغوطة ، وفي حين أن خسارة عفرين هي خسارة مؤقّتة ، فإن تحرير الغوطة سيشكّل تعقيداً كبيراً لخطة البنتاغون الأخيرة التي كانت تعوِّل الكثير على بقاء الغوطة بيد الجماعات الإرهابية لاستخدامها كرأسِ سهمٍ في خاصِرةِ العاصمة دمشق، وإعادة ربطها بالجنوب السوري عبر بادية شمال شرق السويداء ، وعبر قاعدة التنف بإعادة ربط الغوطة بمنطقة الضمير والقلمون الشرقي ، وهو الأمر الذي بات أضغاث أحلام بموجب المُتغيّرات الميدانية الكبيرة في الغوطة الشرقية .
الميادين