التجربة الألمانية نموذجاً..إعادة الإعمار في سورية فرض عين على المواطن السوري؟
أصبح الاقتصاد الألماني نموذجاً يحتذى به بعد الحرب العالمية الثانية والتي خسرت فيها ألمانيا حوالي 11% من تعدادها السكاني، لكن ألمانيا لم تدفن تحت التراب إثر الحرب بل نهضت من تحت الحطام والأنقاض لتعودا إلى قمة الدول في العالم بأسره بمختلف المجالات.
المعجزة الاقتصادية الألمانية
بدأت ألمانيا شيئاً فشيئاً وببطء باستعادة قوتها، فقد قامت برفع مستوى المعيشة للشعب الألماني وتصدير البضائع المحلية إلى الخارج، والتقليل من مستويات البطالة وزيادة إنتاج الغذاء المحلي، والتقليل من السوق السوداء أيضاً، وأمّا السبب الرئيسي وراء النهضة الألمانيّة بعد الحرب العالمية الثانية فهو الثورة الصناعية التي حصلت في ألمانيا في شتى المجالات وخاصةً في الصناعات الثقيلة؛ إذ تحتلّ ألمانيا بفضل تلك الثورة الريادة في العديد من الصناعات المختلفة على مستوى العام في الوقت الحالي.
إذا حاولنا محاكاة التجربة الألمانية على الاقتصاد السوري الذي عانى أصعب الظروف خلال سبع سنوات من الحرب، يتضح لنا أن مرحلة إعادة الإعمار التي تتحضر لها سوريا كفيلة بتحقيق ازدهار اقتصادي شامل للنهوض بسوريا من جديد، لكن هل باستطاعة الحكومة السورية أن تقوم بذلك بمفردها؟ وهل تكفلت الحكومة الألمانية النهوض بدولتها دون مساعدة من الشعب الألماني آنذاك؟
نقد وشكاوى باستمرار .. لكن؟!
أصبح النقد الحكومي والشكوى لسان حال المواطن السوري صباح مساء، فهو ينتقد أداء الحكومة بكل جرأة وصراحة مسلطاً الضوء على الفساد والبيروقراطية وحالات السرقة والنصب والمحسوبيات والواسطات دون رقيب أو حسيب، والتي زادت الطين بلة وساهمت بتدهور الاقتصاد بالإضافة للحصار الاقتصادي والشلل الذي أصاب عجلة الإنتاج على كافة الأصعدة، وسبب خسائر اقتصادية تجاوزت 1170 مليار دولار.
إعادة الإعمار هي مرحلة ستستغرق عشرات السنوات وستكلف أكثر من 200 مليار دولار، لكنها محطة هامة للحكومة من أجل جذب استثمار أجنبي وإعادة النشاط السياحي في البلاد، كما أن إعادة الإعمار ستكون القوة المنشطة الأهم للاقتصاد السوري، لكن هل سيكون باستطاعة المواطن السوري مساعدة حكومته في عملية التنمية الاقتصادية والمشاركة بمرحلة إعادة الإعمار؟؟
التنمية الاقتصادية الشاملة هي الحل
تقتضي التنمية الاقتصادية لنجاحها متطلبات عديدة، تتمثل هذه المتطلبات في التغيرات المتعددة للمجالات السياسية، الاجتماعية والثقافية في المجتمع، حيث تتطلب في بدء الأمر تغييراً في سلوك الأفراد ونظرتهم للنشاط الاقتصادي والعمل كقيمة اجتماعية، وهذا يقتضي تغييراً جذرياً في الجو الفكري العام وادخال أفكار جديدة وقيم جديدة، بالإضافة لإجراء تغيير جوهري في بعض التنظيمات والمؤسسات الاقتصادية السائدة أو خلق مؤسسات وتنظيمات جديدة، كما تتطلب عملية التنمية الاقتصادية رفع معدل الاستثمار الذي يكون بإنشاء مؤسسات مالية ومصرفية قادرة على تعبئة المدخرات الكامنة في المجتمع والتي تمثل في نفس الوقت قنوات لتوجيه هذه الموارد الاستثمارية، ولأن التنمية الاقتصادية في بلدان العالم الثالث تتطلب قيام الحكومة بدور فعال وقيادي في عملية النمو الاقتصادي، يكون ذلك بتمتع الجهاز الحكومي على درجة عالية من الكفاءة، الأمر الذي يقتضي توسيعه وإعادة تنظيم الإدارات المالية مع تغيير التشريعات المالية السائدة بما يتلاءم وحاجات التنمية.
وتشجع الحكومة السورية الأفراد على الاستثمار سواء في مشروعات كبيرة أو متوسطة أو متناهية الصغر، فلكل شخص دوره في المجتمع، وتقدم الدولة تسهيلات للصناعيين والتجار وأصحاب المهن الحرة بحيث تشجعهم على الاستثمار، كما تقدم البنوك العامة والخاصة قروضاً ميسرة مختلفة تلائم كافة شرائح المجتمع السوري، مما يحث المستثمرين السوريين على استثمار أموالهم داخل سوريا، وبالتالي دعم الاقتصاد الوطني بمشاريع تنموية مختلفة ستساهم بالنهوض الاقتصادي مهما صغر حجمها.
التنمية الاقتصادية بعيون الحكومة: فرض عين على الجميع!
في تصريح سابق، كان عضو لجنة الإصلاح الاقتصادي السابق عابد فضلية قد أكد أن المرحلة الحالية تتطلب علاجاً لمشكلاتنا الآنية والمتوسطة المدى، معتبراً أن هوية الاقتصاد للمرحلة القادمة يجب أن تكون اقتصاداً زراعياً صناعياً تحويلياً سياحياً، كون أي عملية إنتاج تركز على أربعة عناصر تتمثل بالعمل والأرض والموارد الطبيعية ورأس المال والتنظيم.
وأشار فضلية إلى أن النهج الاقتصادي عبارة عن مجموعة الأساليب والاستراتيجيات لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، وعليه لابد أن يكون متوازناً أي لمصلحة السوق بأدوات اجتماعية، واليوم لا مجال للاختلاف حول هذا النهج وبكل الأحوال لابد أن يكون للدولة دور أكبر لا سيما في ظل الأزمة ومرحلة إعادة الإعمار، مع الأخذ بعين الاعتبار دور المجتمع الأهلي والقطاع الخاص الوطني بطريقة التشاركية متجسدة من خلال جملة الأنظمة والتشريعات والقوانين للتنمية لمصلحة المجتمع ككل وليكن فرض عين على الجميع.
والخلاصة أن تحقيق أي نهضة جديدة لا بُد فيها من إعادة إحياء القطاعات الاقتصادية كافة وتفعيل دور العمالة الداخلية فيها، ودعم المستثمرين وإعانة صغار وكبار التجار وأصحاب المصانع، كما من الضروري إعادة تنشيط التصدير الخارجي من جديد، مما يساهم في إدخال احتياطي من العملات الأجنبية إلى جانب النهوض بالاقتصاد الداخلي، أي أن تحقيق التنمية الاقتصادية يتطلب تكاتفاً وتعاوناً بحيث يقف المواطن صفاً إلى صف مع الحكومة لتفعيل منظومة الإصلاح الاقتصادي.
B2B-SY | فاطمة عمراني