قمة الأسد بوتين: توافق دولي على الحل أم ماذا؟
فراس عزيز ديب
مع نهاية العام 2005، رحَّب رئيس وزراء العدو الأسبق آرييل شارون بضيفه رئيس الوزراء التركي يومها رجب طيب أردوغان قائلاً: أهلاً بك في القدس مدينتنا المقدسة وعاصمة «إسرائيل» الأبدية.
يومها صمت خليفةَ المتأسلمين لأنه كان في بداية سعيه لإقناع الأميركيين بأن الاستثمار في «الإسلام السياسي» الذي يمثله خيرٌ لهم من كل الاستثمارات التي ينفقون عليها الأموال حرباً أو سلماً، سعياً لتصفية القضية الفلسطينية وحمايةَ الكيان الصهيوني، ليخرج هذا المنافق ومع بداية شهر رمضان المبارك 2018 بدراما رمضانية يأخذ فيها دور المفجوع بفلسطين والفلسطينيين.
لم تقتصر تلك الدراما فقط على هذه الحبكة المأساوية في بيان قمة اسطنبول الإسلامية، بل تخللها حبكات فكاهية، كأن يحضر ملكَ شرق نهر الأردن هذه القمة ليندّد بالممارسات الصهيونية في غزة، وتناسى أن سفارة المندَّد بهم في عاصمته تبعد عن قصره بضعة كيلو مترات، أما الحبكة الدرامية الأكثر سخريةً فهي تطوع الإعلام المصري للهجوم على قمة اسطنبول واعتبارها مسرحية أردوغانية، بل بعضهم جهد لكشف تعاطي أردوغان مع الكيان الصهيوني، وكأن من يُحاضر في أردوغان بالطهارة تناسى أن العهر السياسي أوصل رئيساً ليقول: أمن المواطن الإسرائيلي من أمن المواطن المصري! بل تناسى هذا الإعلام أن المدعوين لقمة أبو الغيط العربية قال فيهم الإسرائيلي ما لم يقلهُ عنتر بعبلة.
إن كان العرب انقسموا بين «قمة أبو الغيط» و«قمة أردوغان» بقي من العروبة القسم الثالث الذي كان ولا يزال يسعى لأن ينجو بنفسه، هؤلاء وإن كانوا بقيادةٍ سورية لكن ما يميزهم أنهم مزيجٌ من كل الأوطان ما زالوا يرفعونَ رايةَ القضية رغم كثرة من خانوها، وحدهم فقط ما زالوا مؤمنين بأن تعافي سورية سيكون الطريق الأول نحو القدس، فهل إيمانهم بدأ يتحقق؟
تركت قمة سوتشي بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين انطباعاً بأن التحالف بين الدولتين أقوى من أي وقتٍ مضى، تحديداً أن الزيارة تلت إعلان الرئيس فلاديمير بوتين عن إعادة تموضع القطع البحرية الروسية قبالةَ الشواطئ السورية، وزيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لموسكو التي تبعها استقبال موسكو لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، كل هذه التقاطعات لا يمكن ببساطة إغفالها عندما نريد الإجابة على سؤالين مهمين طرحتهما هذه القمة:
السؤال الأول: ماذا عن مستقبَل «القوات الأجنبية» في سورية؟
فَتَحَ ما بدا على شكل «تناقضاتٍ» في التصريحات الرسمية الروسية، المجال للكثير من التساؤلات عن مفهوم «القوات الأجنبية»، فهل أنها تشمل فقط القوات التي دخلت من دون موافقة الحكومة السورية، أم أنها تشمل الجميع بمن فيهم القوات الحليفة لسورية؟ فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مثلاً تحدث عن وجود القوات الروسية بطلبٍ من الحكومة السورية وأنهم سيواصلون المهمة طالما أن السوريين بحاجة لذلك، هو كلامٌ سليم لكنه بذات الوقت ينطبق على كل من المستشارين الإيرانيين وعناصر «حزب الله» في سورية لأن وجودهم كذلك الأمر كان بموافقة الحكومة السورية، لكن هذه التصريحات تتناقض مع تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف، الذي قال صراحةً أن كلام الرئيس بوتين عن سحب «القوات الأجنبية» من سورية يشمل الجميع بمن فيهم الإيرانيون والأتراك.
لكن بواقعيةٍ تامة لا يبدو كلا التصريحين متناقضين، القضية أبعدَ من مسألة سحب قواتٍ تمهيداً للحل السياسي، فانسحاب القوات بالمطلق لابد وأن يكون سابقاً لأي تسوية سياسية، هذا الأمر لا يتعلق فقط بانسحاب القوات الأجنبية، هذا الأمر يتعلق أساساً بالجيش العربي السوري ذات نفسه، والمتابع لمجريات الحرب السورية والمصالحات التي تمت يلاحظ أن إعلان الحكومة السورية عن تحرير أي منطقة شيء، وإعلان عودة الحياة الطبيعية للمنطقة المحرَّرَة شيء آخر، فالأول مرتبط باستسلام الإرهابيين أو هروبهم تحت ضربات الجيش العربي السوري، والثاني مرتبط بانسحاب قوات الجيش ودخول قوى الأمن الداخلي، فمن الطبيعي جداً أن يكون الحل السياسي في سورية يقتضي بالنهاية انسحاب جميع القوات، بل قد يكون الأمر بالنهاية جزءاً من إطار التسوية الدولية التي لا يبدو الإيراني بعيداً عنها بل في صلبها، أما الحديث عن ضغط إسرائيلي لسحب القوات الإيرانية وقوات حزب اللـه وهو ما طلبه بنيامين نتنياهو في زيارته الأخيرة لموسكو وما تبعه من حديثٍ عن تفجر للخلافات بين الروس والإيرانيين، فكلامٌ لا يستحق الرد عليه، تحديداً أن الخطاب الأخير للأمين العام لحزب اللـه تحدث فيه عن معركة الصواريخ الأخيرة في الجولان السوري المحتل والرسائل التي تلقتها «إسرائيل» حول طبيعة الرد القادم إن أرادت إكمال المواجهة، بالخلاصة:
لا يوجد خلاف روسي إيراني، ولا سعي روسي لإبعاد إيران عن سورية لإرضاء «إسرائيل»، والأهم لا يمكن للروسي ببساطة أن «يمون» بما يتعلق بالثوابت السورية بما فيها الموقف من «إسرائيل»، وهذا يعني أن الحديث عن هذا الانسحاب للقوات الأجنبية لا يعدو كونه ضرورة حتمية لتحقيق أي حل سياسي قادم، وهو ما يفتح أمامنا الباب نحو السؤال الثاني: ما هي طبيعة الحل السياسي القادم؟
في كل السنوات التي خلَت من عمر الحرب على سورية، كانت التصريحات الرسمية السورية بما فيها خطابات الرئيس بشار الأسد تؤكد أن الحل السياسي في النهاية هو الذي سينتصر بالتوازي مع الحرب على الإرهاب، وربما لو كان لدى السوريين معارضة جادة وحقيقية متحررة من كل تبعية لأنجزنا كسوريين مشروع الحل السياسي في أسابيع، بل لطرحوا رؤيتهم قبل انجاز الدستور الحالي عام 2012، وهذه التبعية لمن يقدمونهم كواجهاتٍ معارضة تمثل الشعب السوري لم تعق الحل على المستوى الداخلي فحسب، لكنها كذلك الأمر ركزت على فرضية وضع العصي في العجلات أمام أي تحركٍ خارجي لإنجاح الحل السياسي في سورية، من بينها التفسيرات الانتقائية لبيان جنيف، وصولاً لإقصاء المكونات التي لا يرضى عنها هذا الطرف أو ذاك، حتى جاء اجتماع سوتشي الذي قلنا عنه يومها أنه سيكون الأساس الذي سيُبنى عليه الحل السياسي، لأنه الوحيد الذي استطاع جمعَ هذا العدد الهائل من مكونات الشعب السوري مع الانفتاح على كافة الطروحات بما فيها تشكيل لجنة لتعديل الدستور، وهي اللجنة التي سيتم تفعيلها في الأيام القادمة لطرح كافة النقاط المتعلقة بالتعديلات الدستورية بما يتوافق مع كل الطروحات العقلانية التي قد تفضي لاتفاق السوريين فيما بينهم لانجاز انتخابات تشريعية في أقرب وقت، لكن هل هذا الكلام يبدو إفراطاً بالتفاؤل، وبمعنى آخر: أياً تكن نتائج القمة، ماذا عن وجهة نظر الطرف المعادي لسورية، هل أن الروس يستندون لتوافقٍ دولي أم إن الأمر بالنهاية فرض أمرٍ واقع يستند لتراجع الإرهاب في سورية؟
إن كان الأمر جزءاً من تسوية شاملة عندها قد نخشى أن يضع الأميركي لُغماً يُطيل عمر الحرب؛ هل الحل السياسي سابق لانسحاب القوات الأجنبية أم إن انسحاب القوات الأجنبية سيكون سابقاً لانجاز الحل؟ مفارقةٌ تستند لتصريحات البنتاغون ذات نفسه بأن الأميركيين سينسحبون عند انجاز «الانتقال السياسي»، تحديداً أن الأميركي يتشارك فكرة استثمار إطالة الحرب مع الإسرائيلي الذي كان ولا يزال يرى أنه الخاسر الأكبر من كل ما جرى ويجري على الأرض السورية، حتى أنه فقد الأغلبية النيابية التي كان يستند إليها عند لبنانيي 14 آذار، أما إن كان الأمر في إطار فرضٍ للأمر الواقع بعد الانتصارات التي تحققت على يد قوات الجيش العربي السوري والحلفاء فإن السؤال الأساسي هنا: ماذا عن مصير مناطق شرق الفرات، إن كنا افترضنا أساساً أن المناطق التي تسيطر عليها تركيا ستعود برضى تركي وضغط روسي، أي أن كلا الاحتمالين مفخخين لأبعد الحدود، فماذا ينتظرنا؟
ببساطة ما ينتظرنا هو الاحتمال الثالث، هو مزيج بين سياسة فرض الأمر الواقع، والتسوية الشاملة التي لن تبدأ فقط باختبار حسن نوايا على الأرض السورية، لكنه سيتعداه لما هو أبعدَ من ذلك، فهل ينسحب حزب اللـه مثلاً من سباق المطالبة بالحقائب السيادية في الوزارة اللبنانية القادمة ويعود خصوم سعد الحريري لتسميته؟ ماذا عن الحكومة العراقية القادمة والسؤال الأهم: ماذا لو قبل من يدَّعون تمثيلَ الشعب الفلسطيني توقيعَ صفقة القرن؟
باختصار الجميع تعب من الحرب على سورية، لكن الجميع لا يريد أن يستسلم، لذلك نبدو الآن وفي كل الملفات في مرحلة اختبار نوايا بين كل الأطراف، قد يسجل هذا الفريق نقطة على ذاك الفريق وقد يعادل هذا الفريق النقاط، لكن حكماً فإن النتيجة النهائية لن تكون تعادلاً، بل إن الأشد واقعيةً أن طرفاً ما سيكون ضحية، فمن هو يا ترى؟
المقدمات التي ظهرت جلية خلال الأشهر الأخيرة والانجازات التي حققها الجيش السوري تشير بدون لبس إلى الجهة التي ستنصر في النهاية.
الوطن