بين مطرقة زيادة الرواتب وسندان الوضع الاقتصادي… رؤية مواطن غير أكاديمي
يبدو أن الهم الذي تشترك فيه الحكومات المتعاقبة في وطننا ومنهم الحكومة الحالية ، هو موضوع زيادة الرواتب للعاملين في الدولة ، فلا يكاد يطبق تشريع لزيادة الأجور والرواتب حتى يتم الحديث مجدداً عن إشاعة وجود زيادة أخرى وتنطلق الإشاعات المتعلقة بها مثل النار بالهشيم .
لكن ما يميز هذا الموضوع بين حكومة وأخرى هو الظرف الزماني والوضع الاقتصادي العام ، هذا التمييز هو ما يميز ردود الأفعال الحكومية ، وتصريحات المسؤولين حولها والتي أصبحت بمثابة المعضلة العصية عن الحل ، وما يقابله من طرف العاملين في الدولة استعصاء في التصديق وقبول تطمينات المسؤولين ، وهنا تتدخل ماكينة الدراسات والمقترحات من قبل المؤسسات والوزارات المعنية وحتى الأكاديميين المعنيين بالشأن الاقتصادي ، ليعيش العامل في دوامة البحث عن الإجابة هل توجد زيادة للرواتب ، كيف وكم ستكون ومتى ستطبق …؟؟؟
الحكومة الحالية منذ بداية عملها حاولت الإجابة عن هذا التساؤل بأكثر من موقع وعلى لسان أكثر من مسؤول ، ومن الطبيعي أمام مجمل التناقضات التي يعيش فيها وطننا الحبيب حالياً أن تنعكس على تصريحات المسؤولين ، والوقوع في أفخاخ الإجابات المتناقضة ، لكن أكثرها ديمومة هو أن زيادة الرواتب محل اهتمام حكومي كبير ومناقشات مستمرة ، لكن على سلم الأولويات تجد الحكومة أن تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي هو خيار أفضل وأهم في الوقت الحالي وسيكون الخيار البديل عن زيادة الأجور والرواتب ، فهل هذه الإجابة كافية ومرضية .
أولاً : زيادة الرواتب تعتبر حاجة ملحة وضرورية للعاملين في الدولة أمام وضع السوق الحالي ومتطلبات الأسرة السورية وهي باعتراف المراكز المتخصصة تتجاوز شهرياً مبلغ المائتي ألف ليرة سورية للأسرة المتوسطة والتي تحتاج أن تؤمن كفافها على أقل تقدير ، بالأمس قبل اليوم وقبل الغد الذي أصبح العامل يخافه كثيراً
ثانياً : كما يقال في المثل المتداول الماء يكذب الغطاس ، هل مقومات تحسين الوضع الاقتصادي متوفرة حالياً ، حتى يتم تبني هذه الآلية في تحسين الدخل ، لاشك أن هناك عوامل عديدة تتحكم في هذا الخيار ، ويبدو أن جميعها لا تجد طريقاً للمعالجة ، لعل أهمها :
1- تحسين سعر صرف الليرة السورية في مقابل الدولار ، فرغم استمرار استقرار أسعار الصرف نسبياً منذ عام تقريباً ولغاية تاريخه ، إلا أن أسعار المواد الرئيسية في الأسواق لم تشهد انخفاض في الأسعار لنفس الأسعار التي كانت عليها في سنوات سابقة عندما كان سعر الصرف مماثل للوقت الحالي قبل أن يرتفع بطريقة غير مبررة نتيجة جلسات تدخل مصرف سورية المركزي ، ( وهي قصة كبيرة ) ورغم الجهود الكبيرة المبذولة لمؤسسات التدخل الإيجابي ، لكن جزء كبير من السلع مازال يسيطر عليه تجار السوق ، وعبر مفهوم التوازن في السوق لن يشعر المواطن بالفرق ، الذي سيكون من مصلحة التاجر فقط ، حتى لو افترضنا جدلاً أن سعر الصرف سيشهد تحسن في الوقت القريب سواء كان طفيفاً أم أكثر من هذا التعبير . فإن الصعود السريع لأسعار السلع عند ارتفاع سعر الصرف لن يقابله انخفاض سريع ومنطق السوق وواقعه والتجارب السابقة يدل على هذا الكلام .
2- سعر المحروقات : بنظرة عامة على أغلب السلع في السوق نجد أن سعرها تضاعف من 7 إلى 12 ضعف عن أسعارها قبل الحرب على وطننا حسب نوع السلعة ومصدرها وضرورة استهلاكها للأسرة السورية ، بينما المحروقات ( مازوت بنزين غاز ) تضاعفت أسعارها بداية من 20 ضعف وأكثر ، هذه السلع تسيطر بشكل كبير على باقي السلع من ناحية الإنتاج والنقل والتسويق ، وبالتالي يصعب معها السيطرة على الأسعار بالبساطة التي يتم التحدث بها إعلامياً لنكن أكثر صدقاً في هذا الإطار .
3- الدعم الزراعي : ربما من سوء حظ الحكومة أن الأحوال الجوية أفسدت مخططات الإنتاج الزراعي الذي كان سيغطي جانباً مهماً من جوانب احتياجات السوق ، رغم أن هذه الحجة ليست جديدة ، فكل سنة لابد أن يتأثر منتج زراعي ما تحت وطأت ظروف الأحوال الجوية ، سواء من المنتجات التي يبدأ الاهتمام بها في الخريف أو الربيع من كل عام ، وبالتالي مازال هناك عجز حقيقي عن دعم المنتج الزراعي وتأمين مستلزماته ودعم العاملين فيه وتعويضهم عن المصاريف التي يتكبدونها والخسارات التي يتحملونها بشكل دائم ، ومازال الفلاح والمنتج الزراعي الحلقة الأضعف في سلم الاهتمام والأولويات رغم أهميته وضرورته لاستهلاك الأسرة السورية ، مثلاً حين وصل سعر كيلو الثوم في العام قبل الماضي إلى 2000 ليرة سورية انخفض في العام الماضي إلى 200 ليرة سورية وتوازن سعره في هذا العام ، وهذا يقاس على عدد من المنتجات يتحمل خسارتها الفلاح وحده بينما لا يتأثر تاجر الجملة أو المفرق بهذه الخسارة .
ذكرنا هذه النقاط الأهم الثلاثة التي تؤكد صعوبة القول بتحسين الوضع المعاشي بدلاً من زيادة الرواتب ، وتضع تصريحات المسؤولين الحكوميين على المحك ، هذا دون التطرق إلى نقاط أخرى لا مجال للإسهاب فيها تتعلق بالصناعة والقطاع الصحي والتعليمي والسكني وغيرها ، مما يعتبر من مقومات الوضع المعاشي التي تتحدث عنه الحكومة ، وهو قيد الدراسة وفي سلم أولويات الحكومة ، دون تحديد أي درجة على هذا السلم .
مقترحات للمعالجة :
في بداية الحديث عن المقترحات سأنطلق من دعابة أطلقها صديق عندما قال لي أننا لو جمعنا المبالغ التي وعدت بها الحكومة من خلال جولاتها المكوكية للمحافظات وبعض المؤسسات والمناطق التي تحتاج لدعم خدمي لتجاوزت هذه المبالغ مبلغ الموزانة لكل القطاعات ، إذاً لم تخرج هذه الوعود عن الوعد الرئيسي في الدراسات التي تجريها الحكومة بشكل دائم في موضوع زيادة الأجور .
لكن النقطة المهمة في هذه الوعود هو المراهنة على الزمن والوقت ، وبالتالي لم لا تكون هذه النقطة أيضاً هي منطلق لمقترحات المعالجة .
المرحلة الأولى لابد من زيادة في الرواتب والأجور بالوقت القريب ولو امتص السوق هذه الزيادة لكن سيكون لها نتائج ايجابية جيدة ، فهي ستكون بمثابة السمكة التي ستسد الرمق ريثما يتم تعلم الصيد ، هذه النتائج تتلخص في إظهار موقف الدولة القوي ، ولاسيما مع عودة مناطق محررة في الوطن ولاسيما أن هذه الزيادة سيعود جزء منها إلى الخزينة نتيجة التشريعات السارية في الضريبة على الدخل ، وستساهم في زيادة حركة السوق ولو بشكل محدود نظراً للأثر النفسي الذي تشكله هذه الزيادة ، أي الاستفادة من العامل النفسي للنقد في زيادة حركة السوق وتداول النقد ، علماً أن أثر العامل النفسي للنقد لا يقل تأثيره عن القيمة الفعلية للنقد ، نشاط السوق من خلال الزيادة سيكون له أثر إيجابي كبير في زيادة الإيرادات الحكومية ، انطلاقاً من أن قوة النقد في تداوله ودورانه مما سيساهم لاحقاً في تعزيز قوة الليرة السورية ، وستساهم في نظرة تحليلية أكثر دقة في وضع السوق واحتياجات المواطنين .
المرحلة الثانية مختصرها الجهد مقابل المال خلال فترات زمنية ، أي الاستفادة من عامل الزمن الداعم لقوة النقد ، المقصود بها إيجاد عوامل زيادة ودعم بطرق غير تقليدية عن الطرق التي كانت سائدة سابقاً ، باختصار من خلال سنوات الحرب على الوطن تواجدت طبقة أثرياء جدد ليست بالقليلة وتتحكم بالسوق وهذا الكلام واقعي تمام ، بالطرف الآخر ازدادت أعداد الطبقة الفقيرة التي انحدرت إليها الطبقة المتوسطة التي لن أقول أنها تلاشت لكنها منذ بداية الحرب لم تجد من يدعمها ويقف إلى جانبها لحماية دخلها في مقابل متطلبات السوق ، هذه الطبقة التي وقفت مع الوطن في عدد من الأزمات التي مر بها الوطن سابقاً ، حيث يشكل العاملون في الدولة العصب الرئيسي لها .
إيجاد تشريعات عمالية تختصر بعبارة الجهد مقابل المال ، مما سيجعل إدارتها أقرب إلى طريقة القطاع الخاص ، تشمل كل قطاعات الإدارية والإنتاجية والاقتصادية ضمن ضوابط محددة وجهات رقابية صارمة للاستفادة من جهود العاملين في البناء وإعادة الإعمار والترميم ، لأنه بدون جهود حقيقية ومخلصة ستبقى شعارات إعادة الإعمار والبناء مجرد شعارات طنانة لا معنى لها بدون عامل الاطمئنان والأمان وكفاية الدخل ، الجهود المخلصة تحتاج لبطن شبعان ، قادر على تعلم الصيد وصيانة الصنارة بدلاً من انتظار من يطعمه السمكة ، المرحلة طويلة لكنها بجهود صادقة ومخلصة نصل إلى نتائج حقيقية ، بدلاً من البقاء في دوامة زيادة الأجور وامتصاص السوق لها وعوامل التضخم ، هذه الدوامة التي عشناها حتى قبل الأزمة التي مر بها وطننا في السنوات الثماني الماضية .
النظر بعين الرعاية والاهتمام لقاعدتي التعليم والقضاء الذي يشكلان ضمانة للاستمرار والديمومة لبناء مجتمع سوري جديد ضمن المقومات الموجودة فيه ، لا شيء مستحيل ، البداية صعبة ، لكن الوصول ممكن .
بغير ذلك وعودة الحديث عن المحروقات ودعم الصادرات والدعم الزراعي وتحسين سعر الصرف ، حلقات مفرغة لن تجد منافذ للحلول الصحيحة .
أنس الفيومي – الخبير السوري
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73