الثلاثاء , نوفمبر 26 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

روبرت فيسك: جبال لبنان تمحى من الخريطة.. تعرف على القصة كاملة

روبرت فيسك: جبال لبنان تمحى من الخريطة.. تعرف على القصة كاملة
قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقال له بصحيفة «الإندبندت»، أنه نادرًا ما يفقد الصحفيون كلماتهم، لوصف حالة دمار كهذه، دمار متعمد للجبال، وقلع آلاف من شجر الصنوبر، وتخريب المناظر الطبيعية من قبل ثلاثة آلاف من مقالع الحجارة مزقت أرض لبنان، والتلاعب بأرض تاريخية وأثرية، لو كانت هذه الأحداث في أوروبا وأمريكا، لقامت الدنيا ولم تقعد، تكسير الجبال هو تشويه لأرض لبنان، والتلاعب بطبيعتها، وتلويث لبحيراتها.
يتحدث فيسك عن المأساة القائمة في لبنان، حيث ملايين الأطنان من رمال وصخور الجبال، يتم إزالتها بواسطة الحفارات والجرافات؛ لتوفير الإسمنت لمشاريع البناء الكبيرة، ومشاريع الوادي في بيروت، والفنادق الساحلية المطلة على البحر المتوسط. ويذكر فيسك أن هذا العمل مليء بالجشع، ويزيد من الفقر، ولا يُلام عليه إلا الحكومة الطائفية، وأنه حتى اليوم، ما زال الصراع على مجلس الوزراء من قبل الأحزاب الطائفية قائمًا، وما كان ليهتموا لوطنهم الذي يُمَزق بيئيًا، وكل ما عليهم تمرير قانون واحد لإيقاف هذا العمل «الأناركي».
«لكم لبنانكم ومعضلاته.. لكم لبنانكم بكل ما فيه من الأغراض والمنازع.. لبنانكم عقدة سياسية تحاول حلها الأيام…»، يستحضر الكاتب مقولات الشاعر الوطني جبران خليل، ويصف خليل لبنان الساسة والمفسدين، وعن لبنانه ولبنان الشرفاء يكتب خليل: «أما لبناني فجبل رهيب وديع جالس بين البحر والسهول جلوس شاعر بين الأبدية والأبدية.. لكم لبنانكم وأبناء لبنانكم فاقتنعوا به وبهم إن استطعتم الاقتناع بالفقاقيع الفارغة…»، يبدو أن لبنان خليل، وجمال البحر والسهول، تختفي شيئًا فشيئًا.
تبدأ رحلة فيسك من ميروبا، والتي تقع على مرتفع بالقرب من بلدة بكفيا، ويصور إلياس سعادة واقفًا على بقية الطين والصخور والطرق المكسرة (طُرق الحكومة)، حيث تنتهي الطرق بشلالات من الحجارة ارتفاعها 500 قدم، منحوتة ومشوهة، بواسطة رافعات عملاقة وقطّاعات الحجر التي حفرت بمخالبها الجبال، فأخفت التلال، والوديان والمجاري المائية. ذكر سعادة للكاتب بتهكم :«لا يوجد بناء في بيروت الجديدة لا يحتوي على حجار ميروبا، يلقبون بلدتنا هُنا بصاحبة «الرمال الذهبية»، فهي تملك أفضل الرمال، التي يمكنك شراؤها لبناء المجمعات السكنية، وتعتبر الأكثر غلاءً، ولكنَّ اقتلاع أكثر من 120 ألف شجرة صنوبر للآن هو أمرٌ جنوني. كان هناك 30 من العيون المائية، واليوم نملك فقط اثنين من العيون الملوثة».
ذكر سعادة وقفاته الطويلة لتأمل منظر الجبال، ويذكر أن اليوم الجبال غير موجودة، ومنظر القمر يحومه الضباب والرياح الرطبة، دليلًا على واقع الدمار الذي حدث. يفسر سعادة للكاتب عن سبب حدوث كل هذا قائلًا: «لم يتعلم المسؤولون حبّ الوطن، فهم لا يرون غير المال، ومع استلامهم خمسة آلاف دولار يوميًا، وغناهم الفاحش، فلا يكترثون لأمر الطبيعة، ولا لأمر الحيوانات، وبسببهم سيتحول وطننا إلى صحراء قاحلة»، التمس الكاتب في كلام سعادة شعر جبران، فروح الشاعر حاضرة، لمئات الأميال من الشمال، حاضرة في الكهوف، متمسكة ومتعلقة بحجر الجبال، تحافظ على قيم الوطن هي وأشباهها.
هكذا ساهم ابن سلمان في توحيد لبنان دون أن يقصد
يتحدث فيسك عن حكاية إلياس سعادة وأصدقائه التسعة في قريبة جبال كسروان، أنها مليئة بالشجاعة والنضال السياسي، وأنّ كفاحهم عند القصر الرئاسي، والقضاء اللبناني الذي نتج عنه إيقاف 500 شاحنة تحاول تكسير الجبال. ولكن، عندما يخبرنا الكاتب عن كفاحه، علينا الحذر، فبقية القصة مليئة بالبشاعة والتراجيديا. شاهد فيسك عمليات تدمير الجبال أمام عينه، في بلدة صغيرة تسمى ترشيش، وكما أُخبر من أحدهم أن الحكومة لا تعترض، بما أن الرمال والصخور تؤخذ لمشاريعها. لحقَّ الكاتب أحد الحفارات المحملة بالرمل، حتى وجدها تصب الرمال عند أحد شركات البناء الخاصة، والتي تبيع الرمال لشركات البناء الأخرى في بيروت.
يستطرد فيسك حديثه عن 10 أعضاء من مجموعة «حافظوا على ميروبا» واكتشافهم 16 شركة تحفر 20% من مساحات قُراهم، قالوا: «هم لا يقومون بشراء الأراضي، وإنما استئجارها من الحكومة، وحتى وإن لم يكن من الحفر قانونيًا، فلديهم تصاريح لتنضيف الأراضي بعد الانتهاء، ويتلقون المعونة من الورزاء السابقين، ورجال الحكومة، ومن وزارة الداخلية ووزارة الصناعة، حتى المسؤولين المحليين». فمن قبل، حاول آباؤنا وأجدادنا وقف هذا العمل، ولكن لم تكن أدواتهم الدفاعية عن حقوقهم متطورة، كوسائل التواصل الاجتماعي اليوم، لقد قمنا برفع قضية في المحكمة لوقف مجيء الشاحنات إلى المحاجر، ولكن بعد خمس أيام عادت الشاحنات بحراسة ومساعدة الشرطة المحلية، ثم حصلنا على دعم كلودين عون -ابنة الرئيس ميشيل عون- فأخبرت والدها، ورتبت لنا لقاءات مع بعض الوزراء. المشكلة متجذرة منذ 30 سنة، ومع الأيام فهي تكبر، لأن كل وزير يمسح قوانين الوزير السابق».
بدأ إلياس سعادة وأصدقاؤه بالدفاع عن حقوق أرضهم، وأوقف قاضي مقاطعة كسروان تكسير جبال ميروبا بأمر من المحكمة، حيث تم إصدار قرار إيقاف العمل في 1 مارس (آذار) من هذا العام، وإيقاف عمل الحفّارات، ولكن شاحنات الطين وبعض المركبات بدأت بالتحرك خلال الأيام الماضية. كان يتلقّى سعادة في منتصف الليل مكالمات تهدده بالقتل، فشعر بالخوف بسبب غضبهم الشديد. الشعر الجمالي شكّل سمعة لبنان في العقود الماضية، واليوم سمعتها تأتي من المحاجر. هكذا تتقدم لبنان إلى الأمام!
صدر أمر من المحكمة، طُلب من بعض شركات التكسير، إعادة زراعة الأشجار، فقاموا بزراعة 12 شجرة بشكل عشوائي ومن غير رعاية.
تعتبر الكنيسة المسيحية المارونية، من الأكثر تملكًا للأراضي في لبنان، على الرغم من استلاب الدولة مئات الأميال من الأراضي، مما أثر على المسلمين والمسيحيين بشكل متساو. قضى الكاتب ساعات من التجول حول القرى المسيحية، وراقب بيوتهم المبنية بالحجارة العثمانية، والمحاطة بالورود والبوغانفيليا، وتثبيتهم لأضرحة مريم العذراء على أرصفة الطريق، ولكن عنده وصوله إلى القمة، رأى منظرًا محبطًا، منظر ترشيش.
يصف الكاتب المشهد وهو فوق وادي البقاع، حيث تشاهد منظر تمزيق وتكسير الجبال، ومنظر الشاحنات تنقل الرمل والصخور، فذهب الكاتب للقاء مدير الموقع شاربيل حايك، فرحّب به باستلطاف، وكان مضيافًا، وعرض له خريطة على هاتفه، عن كيفية ملء الحفريات الفارغة بمزارع العنب، لتصنيع النبيذ المشهور «أديار». ولكن على ما يبدو أن من المستبعد زرع أشجار العنب. عبّر حايك للكاتب عن استيائه العام، وعن مشكلة عمليات الحفر، وأراه أحد البيوت الحجرية لأحد الرهبان، وأصر على أن الرمال والحجار يتم استخلاصهم من الجبال لتستخدم في مشاريع المطار في بيروت والمشاريع الحكومية.
يكمل الكاتب مقاله، ويقول إنه عند مغادرته ترشيش، وصلت مزيد من الشاحنات المغطاة، لتحميل التراب، ثم تنسحب من المحجر للانطلاق غربًا. ولمدة 3 ساعات، بين الوديان وفوق التلال، لحق فيسك شاحنة مرسيدس. وكان يظن أنها منطلقة إلى المطار أو إلى أحد المشاريع الحكومية، وعندما وصل إلى المكان شعر بالاندهاش. ذكر أن الشاحنة كان يقودها لاجئ سوري، وأنه أنهى رحلته عند ساحل البحر الأبيض المتوسط، لم تنعطف الشاحنة شمالًا تجاه بيروت ولكن انطلقت شمالًا، وقبل مدينة جونية عند التلال المنخفضة، وصل الكاتب إلى بوابات حديدية لشركة بناء خاصة، عمرها 55 سنة. وتوجه إلى البوابات ورأى السائق يركن الشاحنة، وأطنان من الرمال والصخور والأوساخ، المأخذوة من ترشيش، تخرج من الشاحنة.
يذكر الكاتب عن مقابلته مع مدير الشركة، رامز استيفان، وأنه استقبله بلطف وحسن ضيافة كشاربيل حايك. اتهم ستيفان الحكومة عن بعض القوانين الغامضة التي أدت إلى خسارته. وكان حزينًا لما يحدث في الجبال وذكر: «أنا لا أشتري الرمال، أنا أبيعها.. وأنا أحب الطبيعة لأنني أعيش وسطها» وكان هذا صحيحًا. استضاف استيفان الكاتب في بيته الفاخر على الجبل؛ لتناول القهوة، ودخل على محمية طبيعية عليها لافتة تقول للزاور: «لا تقتطعوا الأشجار أو الشجيرات». ولكنه كان يملؤه الحزن فقال ستيفان: «ولكن كيف يمكنني المساعدة في وقف هذه الأمور؟.. الناس تريد العمل، وكل لديه عمله المنهمك به» والإسمنت يستخدم لبناء المنازل. وأضاف: «الرمال التي أبيعها ساعدت في بناء المنازل التي تراها، وبناء هذه الطرق»، ويذكر الكاتب مستغربًا: بالطبع فهي أقامت المشاريع الحكومية.
«ستراتفور»: طالبت بإقالة نادر الحريري.. السعودية تتحكم في التطهير السياسي في لبنان
تباعًا، زار الكاتب دير أنطونيوس في بيت الشباب، وللأسف فالكاهن الذي كان ينبغي أن أتحدث معه عن ترشيش كان مسافرًا، ولكن كان من الممكن زيارة فريدريك كاككيا (44 عامًا) من مارسيليا وزوجته اللبنانية، عرضوا علي الطعام اللذيذ ونبيذ آديار. كان لا يملك أي سلطة على أعمال التكسير، وسأله الكاتب إن كانت الحفريات الضخمة في ترشيش، ستتحول إلى مزارع للعنب. فقال ووجهه مليء بالحسرة: «لا أعتقد». وعاد الكاتب لمقابلة الكاهن المسؤول عن منطقة ترشيش في بيت الشباب.
زار فيسك، الأب الدكتور بديع الحاج من جامعة الروح القدس، عالم الموسيقى، وذكر أنه كان ذكيًا ووجهه مبتسم. اتفق الحاج مع الكاتب على أن تهديم الجبال عمل كارثي. ولكن الأب بديع قال إنه ليس المسؤول عن منطقة ترشيش، ويجب على الكاتب التحدث مع الأب مارون في ديار في بلدة أنطلياس الساحلية.
انطلق الكاتب إلى أنطلياس وكان يعيش هناك الأب مارون أودي، واتضح أنه بينما كان الأب مارون يدير البلدات تحت مرتفعات ترشيش، يوجد راهب يملك نفس الاسم يدير مناطق فوق الجبال، اسمه مارون شيديك. الأب مارون مهتم في مزرعة الأبقار في الديار، ويصنع العرق من شجرة الأفوكادو والتفاح، وذكر:«في رأيي، بعد 10 أو 15 سنة لن يكون هناك أي جبال ارتفاعها 1800 متر فوق مستوى سطح البحر، صحيح أنني راهب، ولكنّي لا أملك صلاحية لإيقاف كل شيء، ماذا يمكنني أن أفعل؟ أقصى ما أستطيع فعله هو كتابة رسالة توصية». وأيّد الأب مارون فقال: «إنه في الغالب، لن يتم زراعة العنب بدل الحفريات العميقة».
كان يملك فيسك شكوكًا حول كلامه وكلام أصدقائه، وقال الأب مارون: «نعم، تساءلت متى سينتهي هذا الحفر، ولكن من الواضح أنه توجد عصابة وراء هذا العمل، عليك أن تسأل عن من تكون هذه العصابة» وأصبح الأب مارون شديد الغموض، وقال: «بعض المحامين يأتوني إلى الأسقف للعمل على هذا الملف، ولا يعرف أحد ماذا سيحدث لاحقًا، لن تستطيع العمل في هذا الملف لأنه كبير جدًا».
يكمل الكاتب مقالة متحسرًا على دور الإعلام في تغطية القضية، فيذكر أنه لا يتم تغطية قضية تدمير الجبال اللبنانية كما يجب من قبل الصحافة المحلية، ولم يتم تغطيتها أبدًا من الصحافة الخارجية، المقال الأخير عن قضايا البيئة في لبنان بالصحافة الدولية ذكرت كقصة السنة الماضية في صحيفة أمريكية، وتحدثت عن براز الكلاب في بيروت. ولكن ورقة بيروت الفرنسية الصغيرة (L’Orient Le Jour) نشرت ملحقًا كاملًا في مارس، عرضت فيه تحاليل وصورًا تفصيلية عن الخراب الذي يحصل في لبنان. المراسة سوزان بقليني كتبت عن الحكومة، وكيف تمنع وتحجب الأعين عن مالكي المحاجر، وهم وزراء سابقين يتلاعبون بالقانون، وذكرت عن قانون عام 2007 عن المحاجر، الذي يتم تمريره من مجلس الوزراء، وعدم عرضه على البرلمان، وكيف أنه من غير المفهوم تأخير التشريعات المتعلقة بهذه القضية إلى عام 2012، ويتم تضليل هذه القضية عند سقوط مجلس الوزراء لعام 2013، وتقول: «تم ممارسة الضغوطات، لإبقاء تشريعات المحاجر تحت إشراف الحكومة».
الجميع بلا استثناء، المكسّرون، الكُهان، أصحاب القرية يتشاركون قضية إدانة الحكومة، والوحيد الذي يستطيع إيقاف التخريب في البلد هو رئيس الوزراء سعد الحريري، ابن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي تم اغتياله عام 2005. أخبرني عضو البرلمان السابق لحزب سعد، مصطفى علوش: «عندما حاول رفيق الحريري (السني) فرض قانون لتراخيص المحاجر، ادعى المسيحيون أن رفيق يحاول كسر سلطة المسيحيين في البلد».
يختتم فيسك، بوضع المسؤولية على رئيس الوزراء سعد الحريري، لأنه يستطيع فرض القوانين؛ لوقف دمار وطنه، ويذكر أنه سيصبح أحد أعظم رؤساء الوزراء في تاريخ لبنان، ويستهجن الكاتب بقوله: «وقت تحرك رئيس الوزراء، يبدو أنه سيكون الوقت قد مضى».
، لو كانت هذه الأحداث في أوروبا وأمريكا، لقامت الدنيا ولم تقعد، تكسير الجبال هو تشويه لأرض لبنان، والتلاعب بطبيعتها، وتلويث لبحيراتها.
يتحدث فيسك عن المأساة القائمة في لبنان، حيث ملايين الأطنان من رمال وصخور الجبال، يتم إزالتها بواسطة الحفارات والجرافات؛ لتوفير الإسمنت لمشاريع البناء الكبيرة، ومشاريع الوادي في بيروت، والفنادق الساحلية المطلة على البحر المتوسط. ويذكر فيسك أن هذا العمل مليء بالجشع، ويزيد من الفقر، ولا يُلام عليه إلا الحكومة الطائفية، وأنه حتى اليوم، ما زال الصراع على مجلس الوزراء من قبل الأحزاب الطائفية قائمًا، وما كان ليهتموا لوطنهم الذي يُمَزق بيئيًا، وكل ما عليهم تمرير قانون واحد لإيقاف هذا العمل «الأناركي».
«لكم لبنانكم ومعضلاته.. لكم لبنانكم بكل ما فيه من الأغراض والمنازع.. لبنانكم عقدة سياسية تحاول حلها الأيام…»، يستحضر الكاتب مقولات الشاعر الوطني جبران خليل، ويصف خليل لبنان الساسة والمفسدين، وعن لبنانه ولبنان الشرفاء يكتب خليل: «أما لبناني فجبل رهيب وديع جالس بين البحر والسهول جلوس شاعر بين الأبدية والأبدية.. لكم لبنانكم وأبناء لبنانكم فاقتنعوا به وبهم إن استطعتم الاقتناع بالفقاقيع الفارغة…»، يبدو أن لبنان خليل، وجمال البحر والسهول، تختفي شيئًا فشيئًا.
تبدأ رحلة فيسك من ميروبا، والتي تقع على مرتفع بالقرب من بلدة بكفيا، ويصور إلياس سعادة واقفًا على بقية الطين والصخور والطرق المكسرة (طُرق الحكومة)، حيث تنتهي الطرق بشلالات من الحجارة ارتفاعها 500 قدم، منحوتة ومشوهة، بواسطة رافعات عملاقة وقطّاعات الحجر التي حفرت بمخالبها الجبال، فأخفت التلال، والوديان والمجاري المائية. ذكر سعادة للكاتب بتهكم :«لا يوجد بناء في بيروت الجديدة لا يحتوي على حجار ميروبا، يلقبون بلدتنا هُنا بصاحبة «الرمال الذهبية»، فهي تملك أفضل الرمال، التي يمكنك شراؤها لبناء المجمعات السكنية، وتعتبر الأكثر غلاءً، ولكنَّ اقتلاع أكثر من 120 ألف شجرة صنوبر للآن هو أمرٌ جنوني. كان هناك 30 من العيون المائية، واليوم نملك فقط اثنين من العيون الملوثة».
ذكر سعادة وقفاته الطويلة لتأمل منظر الجبال، ويذكر أن اليوم الجبال غير موجودة، ومنظر القمر يحومه الضباب والرياح الرطبة، دليلًا على واقع الدمار الذي حدث. يفسر سعادة للكاتب عن سبب حدوث كل هذا قائلًا: «لم يتعلم المسؤولون حبّ الوطن، فهم لا يرون غير المال، ومع استلامهم خمسة آلاف دولار يوميًا، وغناهم الفاحش، فلا يكترثون لأمر الطبيعة، ولا لأمر الحيوانات، وبسببهم سيتحول وطننا إلى صحراء قاحلة»، التمس الكاتب في كلام سعادة شعر جبران، فروح الشاعر حاضرة، لمئات الأميال من الشمال، حاضرة في الكهوف، متمسكة ومتعلقة بحجر الجبال، تحافظ على قيم الوطن هي وأشباهها.
هكذا ساهم ابن سلمان في توحيد لبنان دون أن يقصد
يتحدث فيسك عن حكاية إلياس سعادة وأصدقائه التسعة في قريبة جبال كسروان، أنها مليئة بالشجاعة والنضال السياسي، وأنّ كفاحهم عند القصر الرئاسي، والقضاء اللبناني الذي نتج عنه إيقاف 500 شاحنة تحاول تكسير الجبال. ولكن، عندما يخبرنا الكاتب عن كفاحه، علينا الحذر، فبقية القصة مليئة بالبشاعة والتراجيديا. شاهد فيسك عمليات تدمير الجبال أمام عينه، في بلدة صغيرة تسمى ترشيش، وكما أُخبر من أحدهم أن الحكومة لا تعترض، بما أن الرمال والصخور تؤخذ لمشاريعها. لحقَّ الكاتب أحد الحفارات المحملة بالرمل، حتى وجدها تصب الرمال عند أحد شركات البناء الخاصة، والتي تبيع الرمال لشركات البناء الأخرى في بيروت.
يستطرد فيسك حديثه عن 10 أعضاء من مجموعة «حافظوا على ميروبا» واكتشافهم 16 شركة تحفر 20% من مساحات قُراهم، قالوا: «هم لا يقومون بشراء الأراضي، وإنما استئجارها من الحكومة، وحتى وإن لم يكن من الحفر قانونيًا، فلديهم تصاريح لتنضيف الأراضي بعد الانتهاء، ويتلقون المعونة من الورزاء السابقين، ورجال الحكومة، ومن وزارة الداخلية ووزارة الصناعة، حتى المسؤولين المحليين». فمن قبل، حاول آباؤنا وأجدادنا وقف هذا العمل، ولكن لم تكن أدواتهم الدفاعية عن حقوقهم متطورة، كوسائل التواصل الاجتماعي اليوم، لقد قمنا برفع قضية في المحكمة لوقف مجيء الشاحنات إلى المحاجر، ولكن بعد خمس أيام عادت الشاحنات بحراسة ومساعدة الشرطة المحلية، ثم حصلنا على دعم كلودين عون -ابنة الرئيس ميشيل عون- فأخبرت والدها، ورتبت لنا لقاءات مع بعض الوزراء. المشكلة متجذرة منذ 30 سنة، ومع الأيام فهي تكبر، لأن كل وزير يمسح قوانين الوزير السابق».
بدأ إلياس سعادة وأصدقاؤه بالدفاع عن حقوق أرضهم، وأوقف قاضي مقاطعة كسروان تكسير جبال ميروبا بأمر من المحكمة، حيث تم إصدار قرار إيقاف العمل في 1 مارس (آذار) من هذا العام، وإيقاف عمل الحفّارات، ولكن شاحنات الطين وبعض المركبات بدأت بالتحرك خلال الأيام الماضية. كان يتلقّى سعادة في منتصف الليل مكالمات تهدده بالقتل، فشعر بالخوف بسبب غضبهم الشديد. الشعر الجمالي شكّل سمعة لبنان في العقود الماضية، واليوم سمعتها تأتي من المحاجر. هكذا تتقدم لبنان إلى الأمام!
صدر أمر من المحكمة، طُلب من بعض شركات التكسير، إعادة زراعة الأشجار، فقاموا بزراعة 12 شجرة بشكل عشوائي ومن غير رعاية.
تعتبر الكنيسة المسيحية المارونية، من الأكثر تملكًا للأراضي في لبنان، على الرغم من استلاب الدولة مئات الأميال من الأراضي، مما أثر على المسلمين والمسيحيين بشكل متساو. قضى الكاتب ساعات من التجول حول القرى المسيحية، وراقب بيوتهم المبنية بالحجارة العثمانية، والمحاطة بالورود والبوغانفيليا، وتثبيتهم لأضرحة مريم العذراء على أرصفة الطريق، ولكن عنده وصوله إلى القمة، رأى منظرًا محبطًا، منظر ترشيش.
يصف الكاتب المشهد وهو فوق وادي البقاع، حيث تشاهد منظر تمزيق وتكسير الجبال، ومنظر الشاحنات تنقل الرمل والصخور، فذهب الكاتب للقاء مدير الموقع شاربيل حايك، فرحّب به باستلطاف، وكان مضيافًا، وعرض له خريطة على هاتفه، عن كيفية ملء الحفريات الفارغة بمزارع العنب، لتصنيع النبيذ المشهور «أديار». ولكن على ما يبدو أن من المستبعد زرع أشجار العنب. عبّر حايك للكاتب عن استيائه العام، وعن مشكلة عمليات الحفر، وأراه أحد البيوت الحجرية لأحد الرهبان، وأصر على أن الرمال والحجار يتم استخلاصهم من الجبال لتستخدم في مشاريع المطار في بيروت والمشاريع الحكومية.
يكمل الكاتب مقاله، ويقول إنه عند مغادرته ترشيش، وصلت مزيد من الشاحنات المغطاة، لتحميل التراب، ثم تنسحب من المحجر للانطلاق غربًا. ولمدة 3 ساعات، بين الوديان وفوق التلال، لحق فيسك شاحنة مرسيدس. وكان يظن أنها منطلقة إلى المطار أو إلى أحد المشاريع الحكومية، وعندما وصل إلى المكان شعر بالاندهاش. ذكر أن الشاحنة كان يقودها لاجئ سوري، وأنه أنهى رحلته عند ساحل البحر الأبيض المتوسط، لم تنعطف الشاحنة شمالًا تجاه بيروت ولكن انطلقت شمالًا، وقبل مدينة جونية عند التلال المنخفضة، وصل الكاتب إلى بوابات حديدية لشركة بناء خاصة، عمرها 55 سنة. وتوجه إلى البوابات ورأى السائق يركن الشاحنة، وأطنان من الرمال والصخور والأوساخ، المأخذوة من ترشيش، تخرج من الشاحنة.
يذكر الكاتب عن مقابلته مع مدير الشركة، رامز استيفان، وأنه استقبله بلطف وحسن ضيافة كشاربيل حايك. اتهم ستيفان الحكومة عن بعض القوانين الغامضة التي أدت إلى خسارته. وكان حزينًا لما يحدث في الجبال وذكر: «أنا لا أشتري الرمال، أنا أبيعها.. وأنا أحب الطبيعة لأنني أعيش وسطها» وكان هذا صحيحًا. استضاف استيفان الكاتب في بيته الفاخر على الجبل؛ لتناول القهوة، ودخل على محمية طبيعية عليها لافتة تقول للزاور: «لا تقتطعوا الأشجار أو الشجيرات». ولكنه كان يملؤه الحزن فقال ستيفان: «ولكن كيف يمكنني المساعدة في وقف هذه الأمور؟.. الناس تريد العمل، وكل لديه عمله المنهمك به» والإسمنت يستخدم لبناء المنازل. وأضاف: «الرمال التي أبيعها ساعدت في بناء المنازل التي تراها، وبناء هذه الطرق»، ويذكر الكاتب مستغربًا: بالطبع فهي أقامت المشاريع الحكومية.
«ستراتفور»: طالبت بإقالة نادر الحريري.. السعودية تتحكم في التطهير السياسي في لبنان
تباعًا، زار الكاتب دير أنطونيوس في بيت الشباب، وللأسف فالكاهن الذي كان ينبغي أن أتحدث معه عن ترشيش كان مسافرًا، ولكن كان من الممكن زيارة فريدريك كاككيا (44 عامًا) من مارسيليا وزوجته اللبنانية، عرضوا علي الطعام اللذيذ ونبيذ آديار. كان لا يملك أي سلطة على أعمال التكسير، وسأله الكاتب إن كانت الحفريات الضخمة في ترشيش، ستتحول إلى مزارع للعنب. فقال ووجهه مليء بالحسرة: «لا أعتقد». وعاد الكاتب لمقابلة الكاهن المسؤول عن منطقة ترشيش في بيت الشباب.
زار فيسك، الأب الدكتور بديع الحاج من جامعة الروح القدس، عالم الموسيقى، وذكر أنه كان ذكيًا ووجهه مبتسم. اتفق الحاج مع الكاتب على أن تهديم الجبال عمل كارثي. ولكن الأب بديع قال إنه ليس المسؤول عن منطقة ترشيش، ويجب على الكاتب التحدث مع الأب مارون في ديار في بلدة أنطلياس الساحلية.
انطلق الكاتب إلى أنطلياس وكان يعيش هناك الأب مارون أودي، واتضح أنه بينما كان الأب مارون يدير البلدات تحت مرتفعات ترشيش، يوجد راهب يملك نفس الاسم يدير مناطق فوق الجبال، اسمه مارون شيديك. الأب مارون مهتم في مزرعة الأبقار في الديار، ويصنع العرق من شجرة الأفوكادو والتفاح، وذكر:«في رأيي، بعد 10 أو 15 سنة لن يكون هناك أي جبال ارتفاعها 1800 متر فوق مستوى سطح البحر، صحيح أنني راهب، ولكنّي لا أملك صلاحية لإيقاف كل شيء، ماذا يمكنني أن أفعل؟ أقصى ما أستطيع فعله هو كتابة رسالة توصية». وأيّد الأب مارون فقال: «إنه في الغالب، لن يتم زراعة العنب بدل الحفريات العميقة».
كان يملك فيسك شكوكًا حول كلامه وكلام أصدقائه، وقال الأب مارون: «نعم، تساءلت متى سينتهي هذا الحفر، ولكن من الواضح أنه توجد عصابة وراء هذا العمل، عليك أن تسأل عن من تكون هذه العصابة» وأصبح الأب مارون شديد الغموض، وقال: «بعض المحامين يأتوني إلى الأسقف للعمل على هذا الملف، ولا يعرف أحد ماذا سيحدث لاحقًا، لن تستطيع العمل في هذا الملف لأنه كبير جدًا».
يكمل الكاتب مقالة متحسرًا على دور الإعلام في تغطية القضية، فيذكر أنه لا يتم تغطية قضية تدمير الجبال اللبنانية كما يجب من قبل الصحافة المحلية، ولم يتم تغطيتها أبدًا من الصحافة الخارجية، المقال الأخير عن قضايا البيئة في لبنان بالصحافة الدولية ذكرت كقصة السنة الماضية في صحيفة أمريكية، وتحدثت عن براز الكلاب في بيروت. ولكن ورقة بيروت الفرنسية الصغيرة (L’Orient Le Jour) نشرت ملحقًا كاملًا في مارس، عرضت فيه تحاليل وصورًا تفصيلية عن الخراب الذي يحصل في لبنان. المراسة سوزان بقليني كتبت عن الحكومة، وكيف تمنع وتحجب الأعين عن مالكي المحاجر، وهم وزراء سابقين يتلاعبون بالقانون، وذكرت عن قانون عام 2007 عن المحاجر، الذي يتم تمريره من مجلس الوزراء، وعدم عرضه على البرلمان، وكيف أنه من غير المفهوم تأخير التشريعات المتعلقة بهذه القضية إلى عام 2012، ويتم تضليل هذه القضية عند سقوط مجلس الوزراء لعام 2013، وتقول: «تم ممارسة الضغوطات، لإبقاء تشريعات المحاجر تحت إشراف الحكومة».
الجميع بلا استثناء، المكسّرون، الكُهان، أصحاب القرية يتشاركون قضية إدانة الحكومة، والوحيد الذي يستطيع إيقاف التخريب في البلد هو رئيس الوزراء سعد الحريري، ابن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي تم اغتياله عام 2005. أخبرني عضو البرلمان السابق لحزب سعد، مصطفى علوش: «عندما حاول رفيق الحريري (السني) فرض قانون لتراخيص المحاجر، ادعى المسيحيون أن رفيق يحاول كسر سلطة المسيحيين في البلد».
يختتم فيسك، بوضع المسؤولية على رئيس الوزراء سعد الحريري، لأنه يستطيع فرض القوانين؛ لوقف دمار وطنه، ويذكر أنه سيصبح أحد أعظم رؤساء الوزراء في تاريخ لبنان، ويستهجن الكاتب بقوله: «وقت تحرك رئيس الوزراء، يبدو أنه سيكون الوقت قد مضى».