ليست ثرية كما قد تتصورون.. كيف أصبحت البحرين على أعتاب الإفلاس؟
أحمد صالح
دائما ما يتبادر إلى الأذهان عند ذكر مملكة البحرين الواقعة في الخليج العربي على الجهة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، أنها إحدى دول مجلس التعاون الخليجي العائم على بحر من الذهب الأسود، أي أنها تصنف بالضرورة ضمن أثرياء المنطقة وتعيش ظروفًا اقتصادية لا بأس بها، على الأقل قبل هبوط النفط في منتصف 2014.
ولكن في الواقع ليست هذه الحقيقة فالبحرين حاليًا باتت عائمة على مستنقع من المشاكل الاقتصادية التي تجعل من السهل أن نستخدم كلمة الإفلاس في وصف مستقبل قد يحدث للبلاد حال استمرت هذه المشاكل، التي قد تجعل البلاد عاجزة عن سداد ديونها الخارجية.
ما يعمق من فكرة أن وضع اقتصاد البحرين جيد هو قيمة العملة البحرينية المرتفعة كثيرًا مقارنة بقيم العملات العربية والعالمية، إذ تصل قيمة الدينار البحريني إلى 2.64 دولار أمريكي، على سبيل المثال عندما يجد المصري أن قيمة الدينار تصل إلى أكثر من 47 جنيهًا مصريًا، سيجعله هذا بالتأكيد يستبعد فكرة أن المنامة تعاني أي أزمات اقتصادية.
ولكن مع مطلع هذا الأسبوع وعندما يقرأ الجميع خبر أن الدينار البحريني هبط إلى أدنى مستوياته في 17 عامًا أمام الدولار الأمريكي، لا شك أن هذه الفكرة ستتغير، أو على الأقل سنجد البعض يبحث عن الأسباب التي دفعت باقتصاد البحرين إلى هذا المأزق، وهو بالتحديد ما سنحاول الإجابة عليه خلال هذا التقرير.
ماذا حدث للدينار البحريني؟
قبل الحديث عن الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور، سنأخذ نبذة سريعة عن الوضع الحالي الذي تواجهه البلاد، إذ ذكر مصرفيون لوكالة «رويترز»، الثلاثاء الماضي، أن مبيعات صناديق التحوط للسندات البحرينية بسبب المخاوف من الدين العام المتنامي للمملكة، قاد عملة البلاد لمستويات تاريخية منخفضة، إذ تراجع الدينار إلى 0.38261 للدولار في السوق الفورية.
هبوط أسعار السندات الدولية البحرينية لم يكن الأول خلال الأيام الماضي بل إن الأسابيع الأخيرة شهدت ارتفاعًا كبيرًا بتكلفة ديون البحرين، إذ تجاوزت ذروة 2016 عندما كان سعر النفط نحو 30 دولارًا، في 18 من الشهر الجاري، وسط تزايد المخاطر من التخلف عن سداد ديون سيادية، ومنذ منتصف مايو (أيار) ارتفعت تكلفة التأمين على ديون البحرين 82 نقطة أساس، وهي تعد قفزة غير مسبوقة في فترة قصيرة.
هذه المخاوف كانت لها تأثير مباشر على سوق الصرف الأجنبي في البلاد وهو ما دفع البنك المركزي، للخروج سريعًا للتأكيد على إنه ملتزم بربط الدينار بالدولار ولا نية لديه لتغيير قيمة الدينار، الذي يربطه البنك حاليًا عند 0.376 للدولار، ويبيع الدولار عند الحاجة لإبقاء عملته قريبه من ذلك المستوى.
نحن كبش فداء المنطقة
كان هذا تعقيب أحد المصرفيين على الوضع الحالي الذي تمر به بلاده، في إشارة إلى فقر البحرين إلى الموارد النفطية والمالية الوفيرة مقارنة بجيرانها، إذ إن البلاد هي أضعف حلقة بين الدول الخليجية المُصدرة للنفط، سواء على صعيد المالية العامة أو الموارد، التي باتت مهددة بعد اتفاق منتجي النفط العالميين هذا الشهر على زيادة الإنتاج، وهو ما قد يدفع أسعار النفط مما سيؤدي إلى عزوف المستثمرين العالميين عن البحرين باعتبارها الدولة الخليجية الأضعف، والتي من الصعب أن تتحمل هذه الآثار السلبية.
وبالرغم من أن مصرف البحرين المركزي يحاول تهدئة الأسواق إلا أنه -وبحسب محللين- لا يمكنه فعل شيء لتحقيق الاستقرار في السوق، إذ إن الأمر برمته حاليًا بات معلقًا بدعم الجيران، ولعل الدعم الخليجي للبحرين قد بات الآن هو الحل الوحيد الذي يمنع حدوث اضطرابات أسوأ بسوق الصرف وأسواق المال بالبلاد، وبالفعل لم تتأخر السعودية والكويت والإمارات كثيرًا، إذ أعلنوا مؤخرًا في بيان مشترك أن الدول الثلاث ستعلن قريبًا عن برنامج متكامل لدعم الإصلاحات الاقتصادية في البحرين واستقرارها المالي، دون الكشف عن أرقام محددة أو عن طبيعة هذه الإصلاحات.
وبالرغم من التدخل الخليجي من الدول الثلاث إلا أنه يعتبر متأخرًا بشكل كبير، إذ تحاول المملكة الحصول على هذا الدعم منذ أكثر من عام، ولكن السؤال الآن: هل ستنتهي الأزمة بحصول المنامة على دعم الجيران؟، وإجابة هذا السؤال يتوقف على الأسباب الحقيقة التي وضعت البلاد في هذه الأزمة ففي حال علاج هذه المشاكل أو الأسباب من الممكن أن يتحسن الوضع، ولكن في حال استمرارها، فلن يكون هذا هو الدعم الأخير الذي ستحتاجه البحرين.
أسباب وضعت اقتصاد البحرين في مأزق
بالرغم من أن حجم الاقتصاد البحريني صغير نسبيًا وعدد سكانها محدود، لا تمتلك البلاد موارد كافية أو من الممكن القول إن البلاد لا تستخدم مواردها بالشكل الصحيح سواء في الوقت الحالي أو قبل هبوط النفط خلال منتصف 2014.
1- عدم استغلال الإيرادات النفطية بالشكل الأمثل وقت وفرتها
من المعلوم أن معظم دول الخليج لم تستعد بشكل حقيقي لعصر ما بعد النفط عندما كانت أسعار الخام في ذروتها، ولكن مع انهيار الأسعار في السنوات الأخيرة أصبحت دول المنطقة لا تملك خيارات أخرى، وقد كانت البحرين أولى الضحايا بسبب عدم امتلاك البلاد لموارد نفطية وفيرة مقارنة بباقي دول مجلس التعاون، لكن لم تلجأ البحرين لتنويع مصادرها بالشكل الصحيح بل اعتمدت فقط على الإنفاق الاستهلاكي دون الاهتمام الواضح بالاستثمار.
وفي مارس (آذار) 2017، قال وزير النفط البحريني، الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، أن إيرادات بلاده من النفط فقدت نحو 50% خلال عامين فقط، إذ تراجعت من مليار و609 ملايين دولار في العام 2014، إلى 810 ملايين فقط في العام 2016، بفارق بلغ 799 مليون دولار بين العامين المذكورين، لكن بالرغم من ذلك يظل النفط هو الرافد الرئيسي للاقتصاد إذ تنتج البلاد 200 ألف برميل يوميًا.
ولم تستفد البحرين كذلك من مركزها المالي الذي كان واعدًا قبل نحو 10 أعوام من الآن، إذ كانت تعد المركز المالي الأسرع نموًا في الشرق الأوسط خلال الثلاثين عامًا الماضية وذلك بحسب مؤشر المراكز المالية العالمية في لندن في العام 2008، ولا يمكن إنكار أن البحرين من أوائل الخليجيين الذين اتجهوا لتنويع مصادر الدخل لتفادي تأثير أسعار النفط على الموازنة، وبالفعل نجحت في تعزيز القطاع المالي وصادرات الألومنيوم، إلا أنها لم تنجح في ضم المزيد من القطاعات مثل القطاع العقاري والسياحي، وهذا الأمر من أهم المحاور التي ستحدد هل ستتوقف البحرين عن طلب الدعم مستقبلا أم لا.
2- شبح الديون.. الحل الأسهل دائمًا
بات الاقتراض الحل الأسهل دائمًا الذي تلجأ إليه الدول لعلاج مشاكلها الاقتصادية، وهو بالفعل نفس الحل الذي انتهجته البحرين، فقد شهدت الديون قفزات متتالية في البحرين، فخلال 10 سنوات نما الدين العام لمملكة البحرين بنسبة 1381%، إذ قفز من نحو 1.6 مليار دولار إلى نحو 23.7 مليار دولار في الأشهر الأولى من 2017، وذلك وفقًا للبيانات الصادرة عن مصرف البحرين المركزي.
وفي أبريل (نيسان) الماضي أظهرت بيانات «المركزي» ارتفاع حجم الدين العام إلى مستويات قياسية بلغت 10.68 مليار دينار حتى فبراير (شباط) 2018 وهو ما يشكل قرابة 87.5% من حجم الناتج المحلي، وذلك بعد أن ارتفع حجم الدين العام بنحو 21 % في 2017، في حين تنوي الحكومة إضافة مزيد من الديون لتمويل عجز الموازنة العامة الذي تفاقم بسبب تدهور أسعار النفط منذ العام 2014.
ولا تضم بيانات «المركزي» الصكوك الدولية التي أصدرتها المنامة في مارس الماضي بنحو مليار دولار، في حين تنوي المملكة الذهاب مرة أخرى للسوق الدولية هذا العام للاقتراض لكن يزال تصنيف البحرين الائتماني غير الاستثماري حاليًا، أكبر الأزمات أمام حصول البلاد على معدلات فائدة مناسبة، وترى وكالة «موديز» أن التصنيف الائتماني للبحرين البالغ B1 سيلقى دعمًا مع تعهد دول السعودية والإمارات والكويت بمساعدتها.
جدير بالذكر أن البحرين تحتاج إلى أسعار نفط فوق 100 دولار للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، بحسب «صندوق النقد الدولي»، بينما أسعار النفط لا تزال بعيدة كثيرًا عن هذا المستوى، فيما يتوقع الصندوق أن تنضم المملكة إلى لبنان وليبيا والسودان العام باعتبارها الدول الوحيدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات الديون التي تتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي ظل المعطيات الحالية لا شك أن النصف الثاني من 2018 سيكون صعبًا على البحرين، مع قرار «أوبك» بزيادة الإنتاج، في حين أن صافي الأصول الأجنبية لمصرف البحرين المركزي تهاوت، في مارس الماضي، حيث فقد نسبة 49.2% على أساس سنوي، مقارنة بنفس الشهر من 2017.
3- الإنفاق السلبي.. شراء طائرات بالمليارات والاقتصاد يعاني
لم تمنع معاناة الاقتصاد البحرين الحكومة من إنفاق المليارات على أشياء تشكل عبئًا كبيرًا على البلاد في الوقت الحالي، فقبل أيام قليلة قالت وزارة الدفاع الأمريكية إن مجموعة «لوكهيد مارتن» الأمريكية الدفاعية واثنتين من الشركات التابعة لها فازت بعقد قيمته نحو 1.12 مليار دولار لإنتاج مقاتلات «إف-16 بلوك 70» لمصلحة البحرين، لتكون بذلك واحدة من أوائل الدول الخليجية التي تملك هذا الجيل من المقاتلات.
قيمة هذه الصفقة تجاوزت إجمالي إيرادات البلاد من النفط العام الماضي بأكمله، وذلك في ظل الحاجة الماسة للاقتصاد لهذه الملايين لإنعاش اقتصادها المتأزم،وقدكان من الممكن أن تعالج الصفقة نسبة لا بأس بها من عجز الموازنة المقدر بنحو 3.5 مليار دولار في ميزانية الدولة للعام 2018.
وبحسب الكاتب البحريني حسين يوسف، فإن الإنفاق العسكري في البحرين زاد بنسبة 300% خلال العقد الأخير، وقد أنفقت البحرين 23 مليار دولار على التسلح ما يعادل ثلثي الدين العام، وأضاف يوسف خلال برنامج «للقصة بقية» الذي بثته قناة الجزيرة، أن مصروفات العائلة الحاكمة ترتفع مع ارتفاع النفط، أي أن المواطن لا يستفيد بصعود النفط بحسب رأيه، مبينًا أن مخصصات الديوان الملكي تبلغ الآن 500 مليون دولار في حين بلغت مخصصات ديوان رئيس الوزراء 300 مليون دولار، وهذه الأرقام تعد كبيرة جدًا في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
4- الفساد.. البحرين الأسوأ بين دول الخليج
واصلت البحرين تدهور ترتيبها في مؤشر مدركات الفساد، إذ تراجعت بشدة في 2017 لتكون في المرتبة الأسوأ بين دول الخليج، وفي المرتبة 103 على مستوى العالم من بين 180 دولة، إذ شهدت المنامة أكبر انخفاض في المؤشر منذ العام الماضي، وسط غياب استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد ووكالة مستقلة للفساد، وهو ما أدى إلى انزلاق البلد بسرعة على المؤشر.
ومن الصعب الحديث عن تغير اقتصادي حقيقي وسط هذه المؤشرات المرتفعة من الفساد، إذ تعاني المملكة من تضخم الفساد الإداري والمالي، وهو ما يعلق نجاح الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي وكذلك دول الخليج الداعمة للبحرين.
ساسة