إيران في مواجهة ترامب.. منازلة القوة
علي إبراهيم مطر
يظن الرئيس الاميركي دونالد ترامب أن إيران دولة ضعيفة، فإذا حاصرها ستصبح طوع أمره. لكن قصر نظر ترامب سببه جهله بتاريخ إيران الإسلامية. تاريخ رسم ملامحه الإمام الخميني منذ ما يقارب 40 عاما خلت، سمته الأبرز رفض الإملاءات الأميركية أو أي مسار للعلاقات يكون طريقه الخضوع للشيطان الأكبر.
لم يقرأ ترامب تاريخ الشعب الإيراني جيداً، لا بل أنه لم يطلع على طبيعة النظام الإسلامي الذي ينطلق من مقاربة خاصة في المواجهة على عكس الدول التي رضخت لواشنطن غربيةً كانت أو عربية. 40 سنة من العزة لم يقرأها ترامب جيداً للتعامل مع الجمهورية الإسلامية، ظنا منه أن إيران هي كتلك التابعة لادارته.
بعض التأمل، يجعل المرء يؤكد أن ترامب لم يدرك أن إيران الإسلامية مع الإمام الخميني ومن ثم الإمام الخامنئي، ليست إيران محمد رضا بهلوي، الذي اتسمت في عهده العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية بالكثير من الحميمية، فتحولت إيران ـ أميركا إلى شرطي الشرق الأوسط، فارتمى الشاه في أحضان أمريكا، وانتهج سياسات الحفاظ على مصالحها لسنوات طوال، وقدم لها ما لم تقدمه أي دولة، فمنحها امتيازات اقتصادية كبرى، وأدخل مستشارين عسكريين أمريكيين لمراقبة الأوضاع في إيران، لدرجة أن واشنطن تتحكم في تعيين نواب البرلمان وتحديد أدوارهم، وفرضت قانون الحصانة القضائية للأجانب. وسمح بهلوي أيضًا للولايات المتحدة بأن تقيم قواعد لها في شمال إيران، وشكل بهلوي الذراع الداعم للكيان الصهيوني في المنطقة، لكن بعد الثورة الإسلامية الإيرانية التي أطاحت بالشاه ودخلت إلى وكر الجاسوسية الأميركية، وأغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران، بدأت نقطة التحول في العلاقات بين الطرفين، فإيران لم تعد الذراع الأميركية في الشرق الأوسط، واستعاد الشعب الإيراني بقيادة الإمام روح الله الخميني الذي وصف أميركا بالشيطان الأكبر عزته وكرامته.
حاولت واشنطن ملياً تطويع إيران من خلال دعم صدام حسين في حرب الثماني سنوات لكنها فشلت، وأخذت الجمهورية الإسلامية تتنامى ويقوى عودها، كما حاولت الإدارات المتعاقبة تطويع إيران من خلال فرض عقوبات عليها ومن ثم محاصرتها مجدداً عبر دخول العراق وفشلت.
لم يتنبه ترامب لأن أسلافه من جيمي كارتر إلى رونالد ريغان وصولاً إلى جورج بوش الابن لم يستطيعوا لي ذراع طهران، حتى جورج بوش أكثر الرؤساء الأميركيين شناً للحروب في عصر ما بعد الاتحاد السوفياتي، لم يقدر على مواجهة الجمهورية الإسلامية إلا من خلال إدراجها في لائحة “محور الشر” أو من خلال فرض عقوبات عليها.
ولم يعر ترامب أهميةً لصوت شعبه الذي لا يريد الدخول في مواجهات مع طهران، وكان دائماً يعبر عن ضرورة إعادة النظر في مجمل السياسة الأمريكية تجاهها، بل دمر ترامب كل المساعي التي قام بها سلفه باراك أوباما، ليعيد العلاقات مجدداً إلى دائرة المواجهة التي لن تثمر إلا فشلاً في إدارته.
40 عاماً إذاً، وطهران على موقفها الذي يرى في الإدارة الأميركية أصلاً للاستكبار العالمي، مواقف عدة، من رفض الخضوع لاميركا، إلى رفض العلاقات مع الصهاينة، تشكل فيها الجمهورية الإسلامية رأس الحربة في مواجهة هذا الاستكبار دون أن تخنع له في هذه المواجهة..على خلفية القضايا المحقة لشعوب الامتين العربية والاسلامية.
في كل مرة يحاول فيها ترامب أن يقول إنه مستعد للتفاوض لكي ينزل من على شجرة التهديدات، إلا أنه يرفق دعوته للتفاوض بفرض العقوبات التي أصبحت سارية المفعول، ظناً منه أنه يفاوض من منزلة أقوى فيما تكون طهران في موقف الضعيف، تسعى للتفاوض لتتخلص من العقوبات، وهذا ما يبرهن على أنه لم يقرأ عقل الشعب الإيراني الصلب جيداً، هذا الشعب المستعد لتحمل كل النتائج في معركة الصمود والكرامة في وجه العقل الأميركي المتعجرف.
واليوم، تملك إيران الكثير من الخيارات في هذه المواجهة من خلال توثيق العلاقة مع الصين وروسيا اللتين أعلنتا أنهما ستقفان بوجه الضغوط الأميركية، فضلاً عن بناء علاقات أوثق مع دول الاتحاد الأوروبي والدول الأسيوية، ضد الحملة الأميركية الاحادية الجانب، ما يجعل دونالد ترامب وحيداً في هذه المنازلة، التي ستؤكد فيها إيران أحقية خياراتها في وجه الغطرسة الأميركية لتسقط صورة أميركا القوية.
العهد