نارام سرجون:من يكتب اليوم عن أبناء ال…. ؟؟
نارام سرجون
اظن ان اكثر الاوصاف التي اطلقت في وصف الزعماء العرب شيوعا هو الوصف الي اطلقه مظفر النواب في قصيدته الغاضبة (فلسطين أخت عروبتكم) .. حيث وصف الزعماء العرب بأبناء القحبة .. وكل من قرا القصيدة واستمع اليها كان بالغريزة العربية يحس أنها تعني زعماء النفط والخليج .. لأن الأجيال العربية كلها اكتوت من خيانات زعماء النفط التي بدأت منذ وعد عبد العزيز آل سعود اليهود المساكين بأرض فلسطين وتوالت من بلاد النفط عمليات التآمر على مشروع عبدالناصر والقوميين العرب والعراق ووصل الأمر الى ليبيا واليمن وأخيرا سورية .. في اللاوعي العربي هناك شعور بالخذلان من دول النفط وشيوخ المال الذين كانوا ينفقون المال ويهدرونه في اليخوت والقمار والقصور ويقدمون لفلسطين فتات الفتات ويحضرون المؤتمرات اما ليناموا فيها من سهراتهم الطويلة في مونت كارلو او ليتجسسوا عليها .. وعندما تبحث العيون عمن يقع عليه اللوم في تأخير تحرير فلسطين فانها تتوجه دوما نحو الخليج وحكام الخليج لأنهم عرقلوا كل جهد لبناء قوة عسكرية موازية لإسرائيل .. ولذلك فان وصف أبناء القحبة كان وصفا لاقى انتشارا واسعا وتصفيقا وتأييدا منقطع النظير .. لأنه يعكس النقمة الكبيرة في نفوس الناس وقناعتهم المطلقة ان زعماء الخليج هم أبناء القحبة .. ولكن علينا أن نعترف ان عملية الوعي وصنع الرأي كان يتولاها الشعراء والكتاب والمثقفون في ذلك الزمان .. لأن كل بيانات واذاعات العالم لم تكن قادرة على ان تهزم قصيدة بقوة قصيدة أبناء القحبة التي سددت مباشرة الى المركز الصاعق في العاطفة العربية .. ولم تكن بيانات القصور الملكية والرئاسية وبرامج الترويج والهبات والتبرعات قادرة على ان تطوف على البيوت كما كانت قصائد نزار قباني تطوف وتدق على الأبواب التي تفتج لها كأنها صاحبة البيت .. وكذلك أشعار محمود درويش وصوت مارسيل خليفة (عندما كان ثوريا) .. ولوحات المسرحيات الناقدة لدريد لحام التي كانت تلمع وتومض في الوعي كبريق سيوف عنترة وثغر عبلة ..
اليوم صدمتني مناظر الأطفال المحروقين والممزقين في مجزرة بشعة في صعدة اليمنية وكنت أعرف كما عرف العالم في زمن مظفر النواب ان من فعلها هم أبناء القحبة .. ولكنني وفيما تتوالى بيانات المنظمات والشخصيات السياسية وثرثرات منظمات حقوق الانسان ومكاتب الأمم المتحدة التي تتحدث وكأنها مصابة بالزهايمر ولم تعرف حتى هذه اللحظة من يقتل من في اليمن بعد أربع سنوات قتل فيها أكبر عدد من الأطفال .. وفيما تتوالى بيانات الزهايمر كنت أفتش عن أولئك الكتاب والمثقفين والشعراء والرسامين والقصائد العربية كي تصدر اسما جديدا يليق بأناء القحبة من حكام الخليج الذين يقتلون الأطفال .. لأنهم بالفعل أكبر من أبناء قحبة .. ولكني لم أجد الا الصمت .. وكأن هناك وباء وفيروسا اختار الحرف العربي والقصائد واللغة والابداع فأصيب كل شيء بنقص المناعة والزهايمر فصار الشعراء لايعرفون ماذا يقولون وكأنهم يتعلمون نظم القوافي لأن القوافي مصابة بالرجفان وعدم التوازن ..
توقعت ان تثير تلك المشاهد غضب النخب .. وسخط الأقلام وتحولها الى أصابع ديناميت وان تشب القصائد وتتحول الى شهب وطلقات خطاطة وتنهض الرسوم واللوحات في اليوم التالي في بوستات الفيسبوك التي تخص أولئك الذين نزفوا وذرفوا الدموع على أطفال سورية وكتبوا عن حلب التي تحترق وتسابقوا لمهاجمة الجيش السوري واتهامه دون دليل وكانوا كأنهم في حالة تنافس محموم لاصدار الوصف الأسوأ والرسم الأقبح والبوست الأوقح للدولة السورية وللوطنيين السوريين ورفضوا أي محاولة لشرح الأضاليل والأكاذيب .. وللأسف كانوا جميعا يتنافسون لارضاء .. أبناء القحبة .. وعملوا مثقفين لدى أبناء القحبة ..
في هذه المناسبة يجب ان نستدعيهم واحدا واحدا بالاسم ونسجل حضورهم في نداء التحدي .. ولكنني على ثقة أنني سأناديهم بالأسماء واحدا واحدا ولن اسمع صوتا من أصواتهم .. أين هو شاعر النفط الأسود تميم البرغوثي الذي يتنقل بين عواصم أبناء القحبة لتكرمه الامسيات لأنه يرفض ان تحرر القدس بنادق الجيش الذي يقتل أهل حلب والغوطة ويتنقل بين معسكر تركيا وقطر؟؟ وأين هو البليد حفيد الكواكبي الذي يحاول ان يفرض علينا موهبته في البلاهة؟؟ وأين هو مثقف المثقفين الثوريين الذي كان وزيرا للثقافة في سورية الذي قال في الحرية والكرامة والحياة مالم يقله مالك في الخمر؟؟ وأين هو رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي كان يرمي علينا رسوماته من صحف الخليج وهو يرسمنا نغرق في دم الناس ؟؟.. أين هم الفنانون العرب والسوريون الذين يرقصون ويتمايلون في أمسيات الخليج وهم يسكنون في عواصم أبناء القحبة وكانوا يقذفون علينا التصريحات الوقحة بذريعة أنهم لايقبلون الاستبداد والظلم وانهم عشاق الحياة .. وهاهم اليوم امام فرصة لاتضاهى من الصراحة ليقولوا كلمتهم في الحياة .. مرة في الحياة .. ليقولوا لأبناء القحبة كما قال ويليام والاس في فيلم قلب شجاع لمقاتليه بأن يقولوا لأعدائهم: انكم تقدرون ان تاخذوا حياتنا ولكنكم لاتستطيعون أن تأخذوا حريتنا .. وهؤلاء يحتاجون اليوم أن يأخذوا الحرية لأنفسهم أولا قبل أن يطلبوها لحلب ولفلسطين .. فمن لايقدر ان يحرر نفسه من عبودية المال والنفط لايقدر ان يحرر غيره .. ولكنه من المستحيل أيضا أن يكون شاعرا أو فنانا مبدعا أو صاحب فكر أو ثقافة ..
يحس الناظر وهو يرى هذه الجرائم انه لا يقدر أن يهز شعرة في مفرق هذا العالم الاخرق .. وأنه ضعيف ضعف فراخ الطير المنبثقة من بيوضها الساعة .. لكن يجب عليه أن لايلوذ أحد بالصمت أمام هذه الجرائم .. والا يعقد معه اتفاقا والا يسكت .. وألا ينضم الى حجافل الصامتين الجرارة التي تهرس بلا صوت تحت حوافر النفط السوداء .. وتلك الجحافل التي تنزل الى قبورها بأدب جم كنزول الارانب في جحورها .. فما أشبه الصامتين بأصنام الصوان .. مخلوقات ليس لها ألسنة او ان ألسنتها ترهلت وأصيبت بالبدانة او دخلت في الشيخوخة او ماتت وصارت جثثا في أفواه صارت قبورا لها .. واذا مااستمر الناس في صمتهم فسيمر يوم تطوري تزول فيه وظائف الألسنة عند العرب في الشرق لتبقى منها الجذامير وتتحجر الحناجر كقطع اللؤلؤ .. ولايبقى من لسان العرب الا ذلك القاموس الفارغ .. الغضب يهاجر العيون .. وتنتحر الشجاعة .. والعالم بلغ استكانة لاتطاق .. حتى البهائم تحس بالتفوق علينا .. لأن البهائم عندما تجلد وتضرب تحتج .. بالنهيق . او الخوار أو النباح أو المواء او النعيب .. حتى الثيران المخصية تئن وتتذمر بصوتها المخنوق .. ولكن لايوجد ثور مخصي من ثيران الثقافة العربية الباقين صرخ أو اعترض أو نبس ببنت شفة ..
للأسف يامظفر النواب .. سمعت انك ختمت قصيدتك في عاصمة من عواصم أبناء القحبة .. ولكن اسمح لي لن أنقل ملكية أبناء القحبة من الملوك والأمراء الى اولئك المثقفين والمفكرين والشعراء والفنانين والرسامين الصامتين خوفا من أبناء القحبة الذين بخلوا علينا بالحرف واللوحة والنغمة والقصيدة وخذلونا منذ سبع سنوات .. فيبدو انه مذ مات الكبار في الشعر والفن والأدب جاء زمن الصغار .. زمن أبناء القحبة وزمن قردة الأدب وعهد الدببة في الشعر والفن .. فكما لايحفر قبر حفار القبور الا حفار قبور آخر .. فانه فلا يخاف من أبناء القحبة ولايمتدحهم ولايغض الطرف عن جرائمهم .. الا أبناء قحبة ..