خلفيات نشر منظومة الدفاع الجوي الأميركية شرق سوريا
شارل أبي نادر – عميد متقاعد
الا يمكن اعتبار قيام الوحدات العسكرية الاميركية بنشر منظومة “دفاع جوي” متطورة في شرق سوريا، والاعلان عن ذلك في هذا الوقت بالذات أمراً غريباً؟ في الوقت الذي كان من المفترض نشرها منذ بداية الدخول والانتشار العسكري الأميركي، (منذ أكثر من ثلاث سنوات مضت)، هذا ما تفرضه بالمبدأ مناورة نشر الوحدات العسكرية وإجراءات حمايتها بشكل عام، خاصة أن الأخيرة هي وحدات احتلال، تنتشر في ارضٍ معادية، وايضا تتواجد في ميدان صاخب متوتر، تتداخل فيه مجموعات مسلحة مختلفة الاتجاهات والارتباطات، غير منضبطة أو ممسوكة أمنياً، والأهم في ذلك، أن بعضها يملك صواريخ مضادة للطائرات، بمعزل عن مستواها وقدراتها.. فلماذا الآن نشر هذه المنظومة الأميركية الدفاعية المتطورة في شرق سوريا والإعلان عنها؟
عسكرياً وتقنياً، لا يمكن اعتبار نشر منظومة الدفاع الجوي مؤشراً لبقاء طويل للوحدات المُراد حمايتها عبر هذه المنظومات الدفاعية، فالأخيرة مرنة، في الاستعمال و في التحرك و في النقل، ونشرها بسرعة سهل وسحبها بسرعة اسهل، وهذا أساساً من مميزاتها وخاصة الاميركية منها. وعملية سحب الوحدات المحمية تتضمن حتما سحب منظومة حمايتها، ولذلك لا يعني أبدا – كما ذهب الكثير من المحللين العسكريين – أن نشر هذه المنظومات هو اثبات لبقاء الوحدات الاميركية طويلاً في الشرق السوري.
من ناحية أخرى، من المعروف عالمياً أن الأميركيين لديهم نظام عمل متقدم، في اتخاذ كافة إجراءات الحماية لوحداتهم العسكرية بطريقة نموذجية، بمعزل عن مدة انتشار هذه الوحدات، فذلك يتم حسب الأصول، وكأن الوحدات باقية طويلاً، خاصة وأن تكاليف هذه الأعمال الهندسية العسكرية هي حتماً على حساب دولة خليجية نفطية معروفة، وهذا أيضا يدخل من ضمن عقود عمل واستثمارات لشركات تجهيزات عسكرية (خاصة أو رسمية)، وبدل تنفيذ عقودها مؤمن ومدفوع سعودياً، وبكل سرور وفخر وإندفاع .
في الحقيقة، إن سبب نشر هذه المنظومات والاعلان عنها الآن، يتعلق بالاتفاق العسكري الايراني – السوري، والذي ثبّت وشرّع معاهدة دفاع مشترك، قال عنها وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، الذي يزور دمشق “إن بلاده من خلالها ستقدم للنظام السوري كل أشكال الدعم، لإعادة بناء القوات المسلحة والصناعات العسكرية، بما في ذلك الصواريخ، وأن الاتفاقية تسمح بمواصلة التواجد والمشاركة الإيرانية في سوريا”.
من هنا سيكون حتماً من ضمن بنود المعاهدة الدفاعية الايرانية – السورية، مناورة الرد على القواعد ونقاط التواجد الاميركية في سوريا، وذلك عند أي استهداف أو عدوان أميركي – غربي على منشآت سورية، مدنية استراتيجية أو عسكرية، هذا العدوان الذي من المرتقب حدوثه بنسبة مرتفعة، مع بدء الجيش العربي السوري قريباً بعملية تحرير ادلب، فكان الاجراء العسكري الأميركي بنشر منظومات دفاع جوي في مواقع تحمي قواعدهم في الحسكة وعين العرب والشدادي، وربما في أمكنة أخرى لم يُعلن عنها.
اضافة أيضاً الى أن الإعلان عن الاتفاقية العسكرية الايرانية – السورية، تزامن مع التصريحات الأمريكية المتكررة بشأن سعيها لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، الأمر الذي اعتبرته واشنطن بمثابة تحدي وتجاوز لسعيها في ذلك، خاصة وأن الأخيرة تراجعت مؤخراً عن قرارها بالانسحاب من سوريا، بحجة ابقاء قواتها لمواجهة النفوذ والتواجد الايراني هناك، فضلًا عن هدف “محاربة الارهاب” كما تدّعي، عبر متابعة معركتها ضد ما تبقى من عناصر لتنظيم “داعش”.
من أسباب إسراع واشنطن ايضاً بنشر منظومات دفاع جوي متطورة في الشرق السوري بهدف حماية قواعدها العسكرية هناك، التوتر الديبلوماسي المتصاعد بين واشنطن وطهران، الأخير والمتواصل أصلاً، على خلفية رد وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو على تصريحات قائد قوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري الذي كان قد صرّح: “أن إيران تسيطر تماما على الخليج ومضيق هرمز الاستراتيجي، وتواجدها مستمر ليلاً ونهاراً في مياه الخليج لحماية الملاحة البحرية للجمهورية الإسلامية والدول الإسلامية المجاورة، وأنه لا مكان للتواجد العسكري الأجنبي، وخاصة الأمريكي، هناك”، وحيث اعتبر بومبيو أن مضيق هرمز “ممر مائي دولي”، مؤكداً “أن الولايات المتحدة ستستمر في العمل مع شركائها من أجل ضمان حرية الملاحة والتدفق التجاري الحر عبر الممرات المائية الدولية”.
أخيراً، صحيح أن الدعم الايراني لسوريا ليس بجديد، وهو امتد خلال كامل فترة الحرب على الأخيرة، كما أن تأثير ايران العسكري في مواجهة الحرب على سوريا، وبصماتها الواضحة في صمود وانتصار سوريا، عبر مستشاريها أو عبر أحزاب حليفة مدعومة منها، او عبر القدرات العسكرية الايرانية المصدر، كانت من العوامل الاساسية والمهمة التي ساعدت على هذا الانتصار، ولكن، لا شك ان المعاهدة العسكرية الاخيرة، والتي وقعتها ايران وسوريا، ستشكل اعتباراً من الآن، مفصلاً لافتاً ومؤثراً في الصراع الواسع بين محور المقاومة وبين التحالف المعادي له (الاميركي – الاقليمي – الاسرائيلي).
العهد