ليلة رسم “بشار الاسد” على الخريطة خطا وقال: هذا هو الحصن الاخير
لم تنقطع الاتصالات السورية الاميركية طوال الحرب السورية، ولم يكن هنا اي انقطاع بالمقابل للتواصل بين دمشق وموسكو، ولم يكن ذلك بسبب لطف الاميركيين ولا بسبب محبة الروس بل لأن الطرفين الدوليين الاقوى عالميا كانا يلعبان في ساحة خطرة واستراتيجياتهما فيها كانت في السنوات السابقة على حافة الهاوية.
اللاعب الثالث الذي لم يكن طوال الحرب يملك القوة التي يملكها اغلب اللاعبين الدوليين في الساحة بل كان محاصرا ودولته مهددة وعاصمته تحت خطر الاجتياح الارهابي لأحيائها لذا كان الاميركي والروسي يتعاطيان معه على اساس انه الطرف الاضعف.
لكن كيف حول الطرف الاضعف ذاك الوضع لصالحه وفرض على الاقوياء شراكة حقيقية معه في المعركة المشتركة ضد الارهاب؟؟
فبسبب حاجتهم للتنسيق مع الروس أمنيا لتدارك أخطار انفلات وحوش الارهاب من عقالهم الاميركي خصوصا داعش التي تمردت على الاميركيين بعد حصولها على اموال هائلة اثر احتلال الموصل وحصلت ايضا على خزائن الجيش العراقي واموال البنك المركزي ونفط الشمال كاملا فما حاجتها بعد ذلك للأميركيين؟
حينها اضحت داعش وحش السيرك الاميركي الذي انفلت من قفصه وسار في شوارع المصالح الاميركية الاستراتيجية وهددها.
لجأ الاميركي الى الروس لكنهم رفضوا التعاون الكامل وأحالوا الاميركيين الى السلطة السورية التي رفضت التعاطي أمنيا معها وأصرت على ان يمثل المفاوض الاميركي شخص مكلف من الرئيس باراك أوباما وهو ما كان.
لم تقطع الولايات المتحدة الاميركية علاقاته المباشرة بالسلطات السورية الرسمية، حتى بعدما اعلن الرئيس باراك اوباما في آب 2011 بأن” الرئيس السوري لم يعد يمثل الشعب ولم يعد رئيسا شرعيا ونطالبه بالتنحي”
بقيت الاتصالات الامنية بين اجهزة الدولتين ولكن في حدها الادنى المتمثل بزيارات متبادلة بين ضباط ارتباط من مكتب هامشي مسؤول عن العلاقات الخارجية و ” البروتوكول” في اجهزة دمشق وواشنطن.
لكن تبادل الملفات الامنية توقف وكذا التعاون المعلوماتي ضد الخلايا الارهابية المنتشرة في مناطق للطرفين تعاون فيها.
لكن ذلك التعاون المحدود والذي مر أغلبه عبر وسطاء غير رسميين لم يمنع الاميركيين من محاولة تحطيم الدولة السورية وسلطة الاسد، ففي عالم السياسة يتقاتل الاعداء وهم يتفاوضون واليابان تعرضت لقنبلتين نوويتين في حين مفاوضوها يتحاورون مع الاميركيين بشروط الاستسلام.
فما كان هدف الاميركيين في سورية؟؟
الفوضى، وضرب سلطة الدولة نهائية وتحويل الرئيس اما الى مطارد او حاكم لامارة في احد جبال اللاذقية وملاحق من الدواعش الذين كانوا سيحاصرونه.
هذا التصور الاميركي لمصير سورية ” الفوضى” يدخل ضمن أسس استراتيجتهم للشرق الاوسط الجديد الذي كان يفترض ان يولد من رحم الفوضى وقد نجحت اميركا في خلق حلقات كبيرة منه لكنها فشلت في سورية وهي تحاول الان استدراك فشلها بالابقاء على سورية غير مستقرة تماما.
هل مخطط الاميركيين ضد سورية منع تعاونها مع الروس والسوريين أحيانا ضد الارهاب؟؟
بالتأكيد لا…
لقد شارك الاميركيون مباشرة فيما عرف ” بالثورة السورية” وادار مسؤولون في السفارة بينهم السفير روبرت فورد فاعليات التحركات الشعبية بشكل مباشر احيانا. واشرفوا من مقر السفارة في دمشق على تأمين النشطاء بكل ما يلزمهم من مال وتوجيه واجهزة تواصل ونظموا تعاونا بين المكلفين بالنشاط السلمي مع ضباط امنيين اميركيين شاركوا في غرف عمليات انشأت في الاردن ولبنان وكردستان لتسيير عمليه قلب النظام في سورية والحاقه بالاجندة الاميركية مباشرة.
لم يكن لواشنطن شك في قرب سقوط الاسد ” سلميا” ومع ذلك جرى تجهيز كل ما يلزم للانتقال الى صيغة كانت مطروحة في الاصل في عام 2005 بعد الانسحاب السوري من لبنان.
في ذلك التاريخ ظنت واشنطن “ان التداعيات الشعبية في سورية للانسحاب المذل من لبنان ستشعل الارض غضبا على فشل السياسة السورية في لبنان بحيث ادت الى انتفاضة شعبية لبنانية (14 اذار) بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. ما دفع الرئيس بشار الاسد لاتخاذ القرار بالانسحاب الشامل من لبنان دون اي مكاسب سياسية”
وكانت واشنطن قد جهزت بديلا ” علويا” للسيطرة على السلطة في دمشق بعد انتفاضة شعبية واضطرابات مسلحة تحصل بترتيب من استخباراتها ومن استخبارات حلفائها بالتعاون مع احصنة طروادة في السلطة السورية.
وكانت الخطة الاميركية تلحظ دخولا مسلحا من العراق المحتل عبر ثلاثة عشر الف مقاتل من السوريين المرتزقة الذين يضمون فيمن يضمون الى صفوفهم مقاتلين من الاخوان المسلمين في المهجر.
فشلت تلك الخطة عام 2005 وانتهت وجرى ضربها نهائيا حين خرج عبد الحليم خدام من سورية وحين انكشفت كل خيوط الاتصالات الاميركية بـ”البديل” من بين ثلاثة جرى طرح الامر عليهم.
فانتحر احدهم وهو على هاتفه يحادث “سكرتيرا ” لشخصية رفيعة المستوى، بعدما علم بأن كل ما تورط فيه صار مكشوفا للسلطات، و مات الثاني لاحقا بالسرطان في واشنطن، اما الثالث فقد كان هو من ابلغ السلطات بكل التفاصيل.
استمرارية الهدف الاميركي تلحظ استمرار الخطط الاميركية وتطورها وتنوعها.
تحقيق الهدف لا يتوقف عند فشل هنا او هناك، لذا استغل الاميركيين فشل العام 2005 لانجاح ” ثورة العام 2011″.
لهذا ولانه يعرف بحجم الاختراقات الاميركية (والحليفة لها) في صلب النظام وبين القيادات المحلية والدينية في المجتمع السوري، تعهد روبرت فورد بقلب النظام خلال اشهر بعدما نجح في استغلال الحماسة الشبابية للتغير سندا الى تسونامي المشاعر الديمقراطية التي اجتاحت العالم العربي غداة سقوط حسني مبارك وزين العابدين بن علي.
وسرعان ما اتكل الاميركيون على كل من قطر والسعودية وتركيا الذين رأوا منذ البداية انه من المستحيل اسقاط الرئيس بشار الاسد الا بتدخل عسكري غربي ،على مذهب ما حصل في ليبيا.
لهذا سبق التسليح الخليجي – التركي تسليح الاميركيين وتدخلهم الامني عسكريا في سورية.
في هذا الوقت، كان الرئيس الأسد يتصرف ببرودة اعصاب لافتة.
فهو ،بحسب اغلب معاونيه، لم يهتز ولم يخشى ولم يخف.
المقربون من الرئيس ارتبكوا ومال اغلبهم الى التشاؤم وفكر بعضهم في “خط ماجلان” يحمي مناطق بعينها ينسحب اليها النظام للدفاع عنها كونها تشكل العمق الديمغرافي الموثوق.
رسم الرئيس على خريطة قدمت اليه خطوطا باللون الاحمر تلتف حول سورية من اقصاها الى اقصاها وقال لمن طرح عليه فكرة ” الحصن الاخير” :
“هذا هو الحصن الاخير وهنا سنقاتل حتى النهاية”.
أنباء أسيا – خضر عواركة