الجمعة , نوفمبر 22 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

روسيا وأوكرنيا على خطّ النار.. ماذا بعد؟

روسيا وأوكرنيا على خطّ النار.. ماذا بعد؟

فاطمة موسى

بوادر أزمة جديدة تفجّرت بين روسيا وأوكرانيا بعد احتجاز البحرية الروسية ثلاث سفن عسكرية أوكرانية، فيما تتصاعد المخاوف من احتمالات نشوب حرب في المنطقة، التي توجد على صفيح ساخن منذ أن قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم.

روسيا تقول إنّ الزوارق الأوكرانية دخلت المياه الإقليمية الروسيّة بصورة غير مشروعة قاصدة مضيق كيرتش، ونفذّت مناورات خطرة واستفزازية قرب جسر القرم، ما دفع البحرية الروسية لإطلاق النار واحتجاز السفن الأوكرانية، متهمة أوكرانيا بالسعي “لخلق حالة صراع”. أمّا أوكرانيا فتعتبر بأنّ روسيا تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار واتفاقًا كان قد تمّ بين كييف وموسكو حول استخدام بحر آزوف ومضيق كيرتش. الخرق الأوكراني وردّة الفعل الروسية يضعانا أمام تساؤلات عن جذور هذه الأزمة، وأهمية أوكرانيا على الخارطة الأوراسيّة وثمّ الغوص في السيناريوهات المحتملة للنزاع.

جذور الأزمة الروسية الأوكرانية

دخلت أوكرانيا خلال فترة لم تتجاوز عقدا من الزمن 2004-2014 في ثلاث أزمات جيوسياسية وجيواستراتيجية نتجت عن صراع المواجهة والنفوذ بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وروسيا من جهة أخرى. كان أوّلها في العام 2004 أثناء ما أطلق عليه بالثورة البرتقالية، ثم في العام 2010 أثناء انقسام قطبَي الثورة البرتقالية فيكتور يوشينكو ويوليا تيموشينكو، ثمّ في العام 2013 على خلفية تعليقها توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وما تلاه من تدخلات من قبل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في الشأن الداخلي الأوكراني للتأثير على مستقبل الخارطة السياسية الأوكرانية تجاه مصالحهما الجيوسياسية في منطقة اوراسيا.

لكنّ السبب الرئيسي في الحالة الأوكرانية هو تعليقها توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في 12-11-2013 ما ادخلها في تظاهرات واحتجاجات من الأطراف المؤيّدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أدّت إلى الإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور تيموشنكو، وأتت بالرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو الموالي للغرب في أيار من العام 2014.

وبتوقيع اتفاقية بروكسل، تبدّدت في المقابل آمال بوتين بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الاقتصادي والجمركي الذي أقامه مع دول أخرى من الاتحاد السوفياتي السابق مع بيلاروسيا وكزاخستان بينما يسعى إلى إعادة نفوذ موسكو في المنطقة، ما أثار ردود فعل روسية، بدأت بتصريح الرئيس فلاديمير بوتين الذي اعتبر أن التوقيع على الاتفاق ووصول الرئيس الموالي للغرب وأمريكا انقلاب، قائلا “أن ما حدث هو انقلاب غير دستوري في كييف ومحاولات فرض خيار مصطنع على الشعب الأوكراني بين أوروبا وروسيا، وسيدفع بالمجتمع نحو الانقسام ومواجهة داخلية مؤلمة”، تلاه عودة أوكرانيا إلى خلاط الأزمات السياسية والمواجهات الأمنية والاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أعادت إلى الواجهة الصراع الغربي – الروسي إلى العلن.

الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية لأوكرانيا

تتّضح أهمية أوكرانيا في كلام منظّر السياسة الخارجية الأميركية “بريجينسكي” في كتابه رقعة الشطرنج “أن روسيا، بدون أوكرانيا لا تشكل إمبراطورية أوراسية. وروسيا، بدون أوكرانيا، لا تستطيع أن تتابع السعي إلى أن تكون ذات وضع أو هيبة إمبراطورية”.

بالنسبة لروسيا: تعدّ أوكرانيا المنفذ لروسيا على البحر الأسود، كما أنّها تأوي أكبر تجمع روسي في العالم خارج روسيا، وتعد امتدادًا طبيعيًا للصناعة والزراعة الروسية، كما أنها تعد نقطة عبور لما يقرب من 80% من الغاز الطبيعي الروسي الذي يتم شحنه من روسيا إلى أوروبا، وهي همزة الوصل لمعظم البنية التحتية للصناعات الروسية سواء عبر خطوط الأنابيب أو الطرق أو السكك الحديدية التي تسير بين روسيا والغرب. تعد أوكرانيا جوهرة التاج لروسيا والتي تمكنها من استعادة نفوذها وسيطرة أسطولها على المنطقة، ومنع تلك الدولة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى حلف الناتو والسقوط في الفلك الغربي.

بالنسبة لأوروبا: تعدّ أوكرانيا بمثابة الجدار الفاصل بين روسيا وأوروبا الشرقية، يَعبر من أراضيها إلى أوروبا 80% من الغاز الطبيعي الروسي الذي يشكل ربع الاستهلاك الأوروبي، ولذلك فهي تحوز على أهمية بالغة بالنسبة لأوروبا. وبعد أن أصبحت بولندا عضواً في الاتحاد الأوروبي 2004 ثم انضمت رومانيا وبلغاريا للاتحاد 2007م، أصبحت أوكرانيا جارة لدول الاتحاد الأوروبي، وذات أهمية كبرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهي من جانب تعتبر جسرًا بين أوروبا وروسيا، ومن الجانب الآخر تعتبر منطقة عازلة فيما بينهما.

بالنسبة للولايات المتحدة: تمتاز أوكرانيا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية بأهمية حيوية وجيوسياسية وجيواستراتيجية خاصة تبدأ بمحاصرة منطقة النفوذ الروسي. وكذلك فإن موانئ أوكرانيا مهمة للحلف الأطلسي وبوارجه عند دخولها البحر الأسود. كما أن النفوذ الأمريكي في أوكرانيا يعني نزيفًا مستمرًّا لخاصرة روسيا ووسيلة ضغط عليها لعدم عرقلة مشاريع أمريكا في المنطقة وبخاصة الشرق الأوسط) ومنطقة اوراسيا ذات الأهمية التاريخية والجيوسياسية على رقعة الشطرنج الدولية.

ويعترف بريجنسكي أن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، قد تأخر في إدراك الأهمية الجيوبوليتيكة لأوكرانيا كدولة منفصلة، وبقي ذلك حتى منتصف التسعينيات حيث أصبحت أميركا وألمانيا من الداعمين الأقوياء لهوية كييف المنفصلة. فبدون أوكرانيا، لا يمكن لروسيا إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية او أمجاد الاتحاد السوفيتي كما أن الطوق الاوراسي لم يكن خيارًا قابلا للحياة.

أهداف الاستفزازات الأوكرانية الأخيرة ضدّ روسيا

تعيش أوكرانيا في وضع مماثل للحكم العرفي منذ ما يقرب من 5 سنوات. لكن العديد من السياسيين الأوكرانيين يأملون الآن أن يقوم بترو بوروشنكو بفرض الأحكام العرفية. وهنا تلتقي مصالح كل من الرئيس والبرلمان، في إمكانية تعطيل الحملة الرئاسية والبرلمانية على حد سواء. حيث ينبغي إعادة الانتخاب في العام المقبل. وهناك فرصة ضئيلة لإعادة انتخاب أغلبية أعضاء البرلمان والرئيس الحالي.

من المفترض أن تبدأ الحملة الرئاسية في ديسمبر القادم، ومع تطبيق القانون العرفي، لا يمكن لها أن تبدأ. وتتصاعد المشاعر المناهضة للحكومة داخل أوكرانيا. ومن أجل خفض هذه الحرارة الهائلة، اختير القانون العرفي كآلية أكثر ملاءمة في هذه الحالة. لأنه يحظر قيام أي أعمال جماعية أو اعتصامات أو احتجاجات أو مسيرات.

وفي هذه الحالة، يمكن أن يظهر بوروشنكو كأنه الشخص الوحيد في أوكرانيا الذي يمكنه حماية البلاد من العدوان الوهمي. وبالتأكيد يمكنه أن يعرقل الحملة الانتخابية والمشاركين فيها. وبعد اتخاذ هذه الاجراءات سيتم الإعلان عن أولئك الذين لا يؤيدون تطبيق قانون الأحكام العرفية في أوكرانيا بأنهم أعداء للشعب. وقد لا يسمح لمرشحي الرئاسة الذين يؤيدون السلام مع روسيا بالترشح حتى لا يتمكنوا من الحصول على أي أصوات حقيقية. وهكذا يقضي بوروشنكو على المنافسين. وأي تأخير في الانتخابات هو بمثابة مكسب لبوروشنكو وحاشيته. وإذا تأخرت الحالة مع الأحكام العرفية، فمن المحتمل أن يؤجل البرلمان الانتخابات لمدة سنة أو لفترة أطول.

ما وراء ردةّ الفعل الروسيّة القاسية

التصرف الروسي جاء عنيفًا ومقصودًا وكان بمثابة رسالة واضحة للجانب الأوكراني بأنّها تريد تطبيق قواعد جديدة في هذه المنطقة “ومضيق كيرتش هو الطريق البحري الوحيد بين البحر الأسود وبحر آزوف، ويعتبر محورًا استراتيجيًا ذا أهمية قصوى لكل ٍ من روسيا وأوكرانيا. وافتتحت موسكو في أيار الماضي جسرًا عبر المضيق، يربط شبه جزيرة القرم بروسيا. ويعد مضيق كيرتش نقطة الدخول الوحيدة إلى بحر آزوف.

وعلى إثر التصعيد بين الجانبين الروسي والأوكراني، دعا الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي كلاًّ من روسيا وأوكرانيا إلى نزع فتيل التوتر، وطالب موسكو بأن تضمن مجدّدًا حرية العبور في مضيق كيرتش. واعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن إعاقة روسيا الملاحة في بحر آزوف “غير مقبولة”.

السيناريوهات المحتملة للنزاع

إنّ الأزمة بين روسيا وأوكرانيا قد تتطور إلى معركة صغيرة جدًّا ومحدودة، فالجانب الروسي أخذ ما أراده حتى الآن من احجتاز السفن ومنعها من التحرّك بالطريقة التي تريدها أوكرانيا عبر مضيق كيرتش، فارضًا إرادته، ولهذا السبب ليس متوقعًا أن تكون هناك حربٌ شاملة.

احتمالات التصعيد موجودة، لكن المؤكّد هو أن روسيا لن تكون البادئة، كما لم تكن هي أوّل من بدأ بهذا التصعيد، وأن المؤشّر الإيجابي يتمثل في أن روسيا لا ترغب في هذا التصعيد، ويبدو أن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا تريدان ذلك أيضًا.

أمّا الجانب الأوروبي فيجد نفسه في مأزق، فإذا لم يردّ على التهديدات الروسية الحالية فإنه بشكلٍ أو بآخر يقبل بأن يصبح بحر آزوف بحيرة روسيّة ما يشكل تهديدًا اقتصاديًّا وسياسيًّا لأوكرانيا، متوقّعاً أن تذهب أوروبا إلى مزيد من العقوبات على روسيا في الفترة المقبلة لأنها إن لم تفعل فستبدو وكأنها تركت أوكرانيا وحدها أمام روسيا دون حماية أو دعم.
العهد