انكشاف قصّة ابتزاز مزمنة بطلها رجل أعمال و ضحيتها هياكل القطاع العام
- القطاع الخاص ” سرق النفط” لأنه حصل عليه بأسعار رمزية وصدّر منتجاته دون أن يدفع لا رسوم ولا ضرائب ولا يضطلع بعبء اجتماعي ..
- الحصيلة الضريبية السنوية للدولة لا تزيد عن 300 مليار ليرة سورية يدفع القطاع العام 70 % منها.
- هناك رجال أعمال يحقق كل منهم سنوياً أرباح تعادل الحصيلة الضريبية العامة التي تجبيها وزارة المالية.
- راتب موظف المالية 30 – 40 ألف ليرة شهرياً و نفقاته تصل إلى 300 أو 400 ألف ليرة يتولّى تمويلها من يلزم من قطاع الأعمال “المستفيد” من خدمات صاحب الدخل الحدود.
لعلّها الحرب هي التي فعلت فعل التعرية القاسية لوقائع وحقائق قديمة ينطوي عليها الأداء الاقتصادي العام في بلدنا الذي دخل مرحلّة النقاهة الحسّاسة، فثمة هيكل عملاق لا بدّ من تحليل قوامه المعقّد.. بواجهاته وخلفيّاته التي تبدو ملتبسة بعض الشيء ومتداخلة.
وبات علينا الاعتراف بأن القطاع العام كان منذ سنوات وسنوات “دريئة” واضحة تختبئ وراءها منظومة عميقة متكاملة، الأول يتلقّى السهام والثاني يحصد النتائج والعلاوات الدسمة..سهم البطالة يصيب الحكومة، و التشغيل أيضاً كما الفساد و الخلل الإداري و مظاهر الإخفاق الكثيرة والمتنوّعة، كلّها سهام تتلقّفها الدولة ممثّلةً بالحكومة بكل النتائج والآثار السوداء والندبات الناتئة التي تتركها على واجهات الإدارة الرسمية، على شكل إخفاقات وارتكاسات ملأ صداها الأفق…فيما تنتعش بيوتات المال الخاصّ على هذا الإيقاع الصاخب ذاته، و في واقع أوساط الأعمال التقليديّ الحي شواهد تبدو على شكل مفارقات تحكي قصّة إثراء حتى التخمة في زمن خسارات وخيبات القطاع العام؟؟!!
وربما ليست مبالغة أن نؤكّد أن ثروة رجل أعمال ما ازدادت بما يزيد على إجمالي الحصيلة الضريبية لسورية خلال ثماني سنوات الأزمة..و مثل هذه الحقيقة تستحق أن تكون المدخل العريض لبحث أسّ الإشكالية والإجابة على تساؤل ملحّ يستفسر عن أسباب خسارة الدولة وربح قطاع الأعمال الخاص، في الظرف و المناخ والبيئة ذاتها؟؟
لقد استطاع قطاع الأعمال الخاص أن يستثمر الدولة أو الحكومة استثماراً مجزياً، منذ بدايات التسعينيات، أي منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن أو عقدين ونصف، في متوالية “استحلاب” صاعدة حتى الآن، دون أن توقف الحرب على سورية هذا النشاط الفعّال، و استطاع إغراق الحكومة في بحرٍ من الأرقام الوهميّة والمؤشّرات الواهية..
نفخ رجال أعمال “سمان” في الهيكل الحكومي حتى كاد ينفجر..نمو وتنمية و أحاديث عن ناتج و إنتاج إجمالي و قيم مضافة ونهضة صناعية، ومكنة إحصاء نشطة جداً في إنتاج الفبركات والأرقام..لنفاجأ بعد كل تلك “العراضات” بأن شركاتنا الصناعية خاسرة حتى الفشل، والأخرى التجارية مثلها، والحال ذاته في المؤسسات المالية، كلها هياكل متورمة على وهن ومرض، والفساد يعشش في دوائر المالية والجمارك و سلسلة أجهزة الرقابة والضبط..فيما سجلت دفاتر جردات حساب رجال الأعمال أرباحاً غير مسبوقة حتى في جزر الجنان الضريبيّة، وبلدان الاقتصاد الحر التي تفاخر بمعدلات الربحية الوطنيّة التي لا تُضاهى ؟؟!!
بات رجال ” أعمالنا” التقليديين ينظرون إلى كليّات الاقتصاد في الجامعات السورية، وخصوصاً أقسام المحاسبة، كمدارس لإعداد موظفي الاستعلام والجباية الضريبية وما سكي دفاتر الحسابات في المصانع و ردهات “البزنس” التجاري والصناعي، حوّلوا كبار موظفي المالية إلى أجراء لتنظيم ومواءمة الدفاتر المزدوجة.. ومثال “المالية” يمكن سحبه على كل الدوائر ذات الصلة بأعمال رجال الأعمال..فببساطة بات عرفاً تقليدياً أن رجال الأعمال يكملون الراتب الشهري للموظفين في نقاط التماس مع الأوساط الحكومية، بما يلبي حاجات الإنفاق المتزايدة أو حتى نزعات الترف لدى الموظفين الكبار..في زمن بات الراتب الشهري عبارة عن مصروف جيب فردي لشخص اقتصادي في الإنفاق أي غير متطلّب، ولا نتحدث عن حقبة الحرب و ما بعدها، بل قبل الأزمة الراهنة، فالحكاية بدأت في هذا المنحى منذ عقدين و أكثر من الزمن..والمهمة التي حرص على تنفيذها ” لوبي الأعمال التقليدي” لم تكن عشوائيّة بل منظمة تنظيماً دقيقاً، بل بالغ الدقّة.
النتيجة أن مؤسساتنا هزلت بعد العام 2005 ، و ارتهنت لقطاع أعمال قوي عوده على حسابها، بدا حريصاً كل الحرص على بقائها واقفة متماسكة كهياكل واجهة، ينتزع منها القرارات و الاستثناءات، يلعب في ظلّها ويمارس أوسع أنواع النشاط ويحصد أدسم الأرباح..إنها مؤسسات الوهم التي تخفي وراءها ملامح الاقتصاد الحقيقي الفعلي..حتى وصلنا أو سنصل قريباً إلى النقطة الفاصلة وظهور مسارات التحوّل إلى الاقتصاد الحرّ بوضوح، ولا بأس بذلك لكن بكامل “طاقم” المهام أي الواجبات مقابل العلاوات التي أمست حقوقاً مكتسبة.
الآن ربما يكون من الملحّ وضع ” محفل” الأعمال أمام مسؤولياته الحقيقيّة..فـ “الغنم بالغرم” بما أنه حصد ما حصده على مرّ كل السنين الماضية، بات عليه أن يضطلع بمهام جسام ..فليست الحكومة وحدها المعنيّة بالتشغيل ..ولا بالإغاثة، ولا ببناء المساكن، ولا بالضمان والرعاية الاجتماعية..
الحكومة تدعم قطاع الأعمال في تكاليف الإنتاج و مختلف أوجه نشاطه الأخرى..من المحروقات إلى الكهرباء إلى سلسلة طويلة من خدمات البنى التحتية واللوجستيات..وعليه أن يسدد التزاماته وهذا لم يعد خياراً على الإطلاق.
أولاً- على قطاع الأعمال أن يسدد ضرائبه كاملة وفق نظام ضريبي جديد لا بد من إيجاده ربما يقوم على مبدأ الرسوم وليس التكليف الضريبي لتخفيف أثر البصمة السوداء لموظف المالية..تخمينات وتقدير وتنظيم دفاتر التجار والصناعيين..
ثانياً- على رجال البزنس التصالح مع مرفق الجمارك بدلاً من استثماره على المنافذ الحدودية..وثمة صيغة للتصالح يجب بلورتها للوصول إلى عتبات كتيمة لا تسمح بالتهرب و تضمن التعاطي الدافئ مع رجل الأعمال.
ثالثاً- يجب أن يضطلع رجال الأعمال بدور يوازي ما يجنونه من أرباح على مستوى تسجيل العمالة و إيجاد فرص العمل الحقيقية لطالبي العمل..فما زالت الفضائح تتوالى من هنا وهناك بأن بعض الشركات التجارية الكبرى سجّلت موظفين اثنين في التأمينات الاجتماعية ؟؟!!
رابعاً- على قطاع الأعمال المساهمة في حل مشكلة الإسكان – على الأقل تأمين عمالته بمسكن – عبر لحظ بناء مساكن كجزء من التكاليف الاستثمارية للمنشأة أو المصنع..فهذه ليست مهمة حكومية.
خامساً وسادساً وسابعاً و إلى آخر سلسلة طويلة من المهام يجب إعادة النظر فيها ووضع نقاطها على حروفها..
الخبير السوري