تناقله الملوك عبر مئات السنين.. قميصٌ سحريٌ يخدم الجنّ صاحبه في أحد متاحف القاهرة
تدور قصة «الفيل الأزرق» الرواية والفيلم، حول سرقة القميص السحري من متحف الفن الإسلامي في القاهرة، والذي يصبح هدفاً لبطل القصة، يحيى «كريم عبد العزيز» الطبيب النفسي، العائد بعد 5 سنوات غياب إلى عمله في مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية.
يجد صديقه القديم الطبيب شريف الكردي «خالد الصاوي» نزيلاً بالمستشفى ومتهماً بجريمة قتل، ويطلب الأخير من الأول مساعدته في العثور على القميص السحري أو قميص المأمون كما ورد في الرواية والفيلم، من أجل حل لغز الجريمة.
فكرة الفيلم قديمة، فقد لجأ الإنسان منذ القدم إلى استخدام بعض الأشياء التي تمنحه شعوراً بالطمأنينة والأمان، مثل الخواتم أو العقود أو الأطباق أو القمصان السحرية، والتي ظن الإنسان أنها سوف تحميه من المخاوف التي تواجهه أثناء الخروج للتجارة أو الحرب وغير ذلك من أمور الحياة، وستكون عوناً له لتحقيق الأهداف التي يخطط لها.
القميص السحري في رواية الفيل الأزرق
وانتشرت تلك التمائم والأحجية السحرية في العصور الإسلامية، وفي جميع البلدان الخاضعة لها من الشرق إلى الغرب، لكن مع مرور الزمن وتطور الحياة، أصبحت تلك الأشياء السحرية جزءاً مشوقاً في حكايات الأجداد القديمة.
ولم تعد جزءاً من العصر الحديث في القرن الحادي والعشرين، وظلت كذلك حتى صدرت رواية الفيل الأزرق للكاتب المصري أحمد مراد، عام 2012، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم، عام 2014.
واستطاع مراد، أن يجمع ما بين عالم الطب النفسي وعالم السحر المليء بالغموض والإثارة في الرواية والفيلم، وأثار العديد من التساؤلات، وأيضاً تعرض لهجوم شديد حول كيفية بنائه للقصة، لذا أصدر بياناً، أوضح فيه أن العمل مستوحى من قصة الشيخ صادومة، والذي عمل في مجال السحر وتسخير الجان، ولكنه اصطدم بأحد أمراء المماليك الأمير يوسف الكبير، والذي أمر بقتل الشيخ صادومة وإلقائه في البحر.
ورغم أن القصة السابقة لم يذكر فيها القميص السحري، والذي كان محوراً هاماً لرواية وفيلم الفيل الأزرق، إلا أن الرابط بينه وبين القميص السحري المعلق في قاعة الطب في متحف الفن الإسلامي، أن كل من ارتدى القميص أصابته لعنة، ولم يحمه من الشر.
قميص من الطلاسم السحرية المرسومة والمكتوبة
يشر مدير إدارة التدريب والنشر العلمي بمتحف الفن الإسلامي عبد الحميد عبد السلام، لـ»عربي بوست»: إن رواية الفيل الأزرق دفعت العديد من الناس للسؤال عن القميص المُعلق في المتحف، والبحث عن حقيقته، وذلك لتصميمه العجيب والغريب.
لكن ما لا يعرفه الجميع، أن القمصان التي كانت تصمم قديماً للملوك والسلاطين المسلمين، سواء في الدولة العثمانية أو الصفوية أو المملوكية، كانت تصنع لأهداف ظاهرية وخفية معاً.
القميص السحري مصنوع من الكتان، ومُغطى بالزخارف الهندسية الدقيقة المستطيلة وداخلها مربعات، وبعض الأشكال الدائرية، ويوجد داخل كل منها كتابات عبارة عن آيات قرآنية وأرقام وتعاويذ سحرية مكتوبة بالمدادين الأسود والأحمر.
كما كُتب في أعلاه اسم على مرتين بشكل واضح مما يدل على أنه يعود إلى الدولة الصفوية الشيعية»، متابعاً: «أن تكرار اسم علي، بناءً على حساب الجُمل أوضح تاريخ صناعة القميص هجرياً، حيث يشير (حرف ي=100، وحرف ع=70، وحرف ل=30، والياء الراجعة=1)مما يعني أن القميص تمت صناعته، عام 1100ه».
وهناك روايات تاريخية تؤكد أن أول من استعمل القمصان السحرية من الملوك والسلاطين، هو مؤسس الدولة الطولونية في مصر أحمد بن طولون».
السلطان المنحوس والقميص السحري
القميص المتواجد في المتحف حالياً لا يعود إلى المأمون تلك الشخصية غير الحقيقية، التي ذكرها أحمد مراد في رواية الفيل الأزرق، بل يعود إلى سلطان الدولة الصفوية صفي الثاني بن عباس الثاني المعروف باسم سليمان الأول.
حكم بين عامي (1666-1694م)، ومعروف عنه أنه كان شخصية منحوسة»، كما يؤكد مدير إدارة التدريب في المتحف. سليمان الأول كانت حالته الصحية سيئة، ولم يكن يهتم بأمور الحكم، وازداد الأمر سوءاً في عهد الاضطرابات السياسية والعسكرية، لذا لم ينفعه ارتداء القميص السحري، بل مات مخموراً حسب ما ورد في كتب التاريخ.
وأكد عبد السلام أن القميص السحري المُعلق بالمتحف توجد عليه بقع من الدماء، مما يدل على أن آخر من ارتدى القميص مات مقتولاً، ولم تحمه الكتابات الدعائية والسحرية والطلسمية من القتل.
الملوك والسلاطين المسلمون، سواء الصفويين أو العثمانيين اعتقدوا أن ارتداء القميص سوف يحميهم من السيوف والرماح والسهام، أثناء الحروب، وهذا ما يُخالف العقيدة الإسلامية التي تربوا ونشأوا عليها.
وأوضح عبد السلام أنه رغم أن ارتداء التمائم والأحاجي السحرية مخالف للعقيدة الإسلامية، إلا أنهم لجأوا إليها خوفاً من الموت والأمراض والموت في أوقات الحروب أو الاضطرابات السياسية والعسكرية في الداخل.
القميص السحري من الدولة الصفوية إلى مصر
وعن كيفية وصول القميص السحري من أصفهان عاصمة الدولة الصفوية إلى القاهرة في مصر، قال عبد الحميد عبد السلام، لـ»عربي بوست»: «إن القميص وصل مصر، من خلال الهدايا التي كان يقدمها حكام الدولة الصفوية إلى سلاطين آل عثمان وولاة مصر، بهدف التقارب الثقافي والاقتصادي بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
ويعتقد أن القميص توارثته الأجيال حتى قرر واحد ممَّن امتلك القميص السحري أن يتخلص منه، وهو مصطفى بك شمس الدين، الذي قرر أن يتخلص من القميص بأي ثمن، فاشتراه منه ماكس هرتز كبير مهندسي لجنة حفظ الآثار العربية القديمة، بملغ 5 جنيهات مصرية، وأهداه إلى متحف الفن الإسلامي، قبل أن يرحل عن مصر، عام 1914م».
5 قمصان سحرية بالقاهرة
ولم يبق في العالم سوى 9 قمصان سحرية، يوجد منها قميص واحد في متحف المتروبولتان بأميركا، و3 قمصان في متحف طوب قبو سراي في تركيا، و5 في متحف الفن الإسلامي واحد منهم معروض والباقي في المخازن من أجل الترميم.
أشياء لا تقدر بثمن
وأوضح الباحث الإسلامي والمرشد السياحي نور يحيى في جولة داخل المتحف لـ»عربي بوست» أن المتحف يضم عدداً من القطع النادرة التي لا تقدر بثمن، والتي لا تقل أهمية عن القميص السحري، مثل مفتاح الكعبة المشرفة، المصنوع من النحاس والفضة، ويعود إلى العصر المملوكي، في القرن 8ه/14م، ودليل القبلة المصنوع من الخشب، ويعود للعصر العثماني، في القرن 12ه/18م».
وأضاف أن المتحف يوجد فيه نسخة مصحف تعود للعصر الأموي، وتحديداً في القرن الثاني الهجري، هذا إلى جانب مصحف شريف شكله غير تقليدي، عبارة عن لفافة من القماش كتب عليها القرآن الكريم كاملاً، تعود للعصر العثماني، في القرن 12ه/18م».
عربي بوست