سورية منتصرة، ومعركة الحسم الإقليمي على الأبواب.
سمير الفزاع
تياران رئيسيان يحكمان التوجه الاستراتيجي الامريكي الحالي: مواجهة روسيا والصين انطلاقاً من نقاط الارتكاز وفضاءات النفوذ والمناطق الساخنة في العالم وصولاً إليهما، أو الذهاب مباشرة الى بيوت الأعداء ودائرة أمنهم الضيقة. بسبب الازمة المالية الأمريكية، وتآكل مفردات قوتها العسكرية: الصواريخ البالستية، الدفاع جوي، والأهم العنصر وتحديداً سلاح المشاة، وهو ما جعل امريكا تعتمد بشكل متزايد على الشركات الامنية التي تقبض قبل وخلال العمل لا بعده، لا كالجيش الأمريكي الذي قد يقبض بعد وقت يطول أو يقصر ولكنه قد لا يقبض الثمن أبداً، كما حصل في العراق وافغانستان. هذا ما يُكرره ترامب دائما، نحتاج المال مباشرة مقابل خدماتنا الامنية والعسكرية، الأمر الذي دفع اليابان –مثلاً- لإبرام اكبر صفقة تسلح في تاريخها الحديث مع واشنطن… كل هذا وغيره يدفع واشنطن للانتقال بما لديها من عناصر قوة ضاربة نحو حدود عقل وعضلات أوراسيا، روسيا والصين. وهذا ما أكده وزير الدفاع الامريكي السابق جيمس ماتيس في “استراتيجية الدفاع الوطنية” التي أعلن عنها قبل عام:(سنواصل حملتنا الحالية على الإرهابيين، لكن المنافسة مع القوى الكبرى وليس الإرهاب هي الآن محور التركيز الأساسي للأمن القومي الأمريكي… إن تشكيل تحالفات دولية أمر حيوي للجيش الأمريكي وهو الأفضل في العالم، بفارق كبير، من ناحية توافر الموارد، مع ضرورة تقاسم الأعباء… وأضاف ماتيس: إن التفوق العسكري الأمريكي تراجع في كل مجالات الحرب بفعل التأثير المشترك لخفض الإنفاق والتمويل قصير الأمد).
منذ أن بدأت واشنطن خطواتها الفعلية لإخضاع روسيا كما اعتقدت انها فعلت مع الاتحاد السوفيتي، باستكمال حشد عسكري نوعي في محيطها، وخصوصاً الدرع الصاروخي الذي سيكتمل مع نهاية العام 2020، لتتحول روسيا الى دولة اقليمية بالفعل بعد “إطفاء” الدرع الصاروخية الامريكية لكافة القدرات الصاروخية الروسية، وبالتالي إخضاع الصين تلقائيّاً، وإعادتها الى مقولة كيسنجر الاستراتيجية “الانفتاح والاحتواء”… لكن موسكو، وقبل الموعد المرتقب بعامين تقريباً، كشفت عن أسلحتها الخارقة والقادرة على تدمير وتجاوز هذا “الحزام الناري”، وقصف أي هدف تشاء على هذه الارض بثلاثيتها النووية برا وبحرا وجواً… صُعقت واشنطن وأُسقط بيدها، وعادت للتحدث على اتفاقية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، ولكن الردّ الروسي الحاضر كان: أن تلك الاتفاقية لا تشمل البحر والسماء كونها لا تشكل قواعد ثابتة، وهكذا فان روسيا لا تخرق الاتفاقية التي مزقتها واشنطن منذ زمن… فبدأ خيار مواجهة موسكو وبكين في عقر دارهما يتغلب على خيار مواجهتهما في بقيت العالم، ولكن دون الإعتراف بهزيمتها في تلك النقاط بشكل واضح، وإن ظهرت بعض الأصوات التي تعترف بوقوع مثل هذه الهزيمة… مثلاً، قال مندوب أمريكا السابق لدى حلف الناتو، إيفو دالدر قبل أيام:(إن الولايات المتحدة، التي ما زالت دولة مؤثرة للغاية، لم تعد أهم لاعب في الساحة الدولية… كل يوم إضافي يمر يجعل أمر استعادة واشنطن وضعها السابق أكثر صعوبة. وأحد أسباب ذلك، أن ثقة الحلفاء في الولايات المتحدة تقوضت بشكل خطير… ونتيجة لقرارات اتخذها الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، يظهر “فراغ السلطة” في العالم، والتي سيتم ملؤها من قبل الدول الأخرى، أولا وقبل كل شيء من قبل الصين).
أمريكا وأوروبا والكيان الصهيوني وحلفاؤهم “العرب”، أرادوا أن تتحول تركيا إلى باكستان “أفغنة سورية” أو أفغنة سورية عبر “تركيا الباكستانية”… ربما هذا المسعى كان سيغدو أكثر وضوحاً لو أسقطوا أردوغان بانقلاب 2016، ولكن المعلومات والتوجيهات الروسية-الإيرانية كان لها دور حاسم في إنقاذ سورية وتركيا من هذا المصير، وهذا “الجميل” أحد أهم ركائز الإنفتاح التركي على الرؤية الروسية-الايرانية للصراع في سورية والمنطقة، وبداية “صدام” تركيا الفعلي مع “حلفاء الأمس” دون تجرؤها على الانتقال الى المعسكر الآخر. وعلى اعتبار بأن الحرب القادمة حرب نماذج حضارية ونفوذ ناعم، تتوزع عناوين صراعها الحالية بين الضربات والرسائل الأمنية –تفجير منبج- والنقلات الجيوسياسية -السيطرة على القرم-. ولكن من المحتمل جداً أن يتخللها حروب ميدانية مباشرة يكون أطرافها من الإقليم بالدرجة الأولى، وقد تمتد إلى خارج الإقليم وفق شروط خاصة جداً. لذلك تحاول تركيا أن تكون حاضرة في هذه الحرب باستماتة خوفاً من تكرار تجربة الحرب العالمية الثانية عندما خسرت أجزاء واسعة من “إمبراطورية الرجل المريض”، ولهذا تمتنع عن التموضع بشكل واضح في الصراع الإقليمي-الدولي، وتناور حدّ الإبتذال بما تمتلكه من أوراق قوة: أدوات إرهابية في سورية، إحتلال عسكري مباشر في سورية والعراق، فتح أبواب تركيا للمستثمرين العرب، وخصوصاً من أبناء الطبقة الوسطى تمهيداً لتتريكهم ليكونوا “رُسل الإمبراطورية”، المتاجرة بفرضية الحدّ من النفوذ الإيراني والتأثير في مجريات القضية الفلسطينية، تركيا عُقدة الطاقة الرئيسية الرابطة بين آسيا وروسيا من جهة وأوروبا من جهة ثانية… وأعتقد بأن واحد من أخطر السيناريوهات التي تعمل عليها تركيا، وربما بالاستعانة بمحافل حكومة الظل العالمية وخصوصا تلك القابعة في لندن، هو إعادة تعويم جماعة الاخوان المسلمين في المنطقة العربية، حيث تأوي تركيا الألآف من فلول وقيادات وكوادر الاخوان المسلمين العرب، لذلك شعرت السعودية بالرعب منذ وصول خاشقجي إلى تركيا فقررت خطفه أو قتله، ولذلك أعربت لندن عن عدم رضاها عن هذا الاغتيال قبل وقوعه بأسابيع كما اكدت صحف بريطانية. يحاول أردوغان أن يجعل من تركيا ألمانيا الأمس ولكن دون تقسيم، حيث يلتقي النفوذ الغربي بالشرقي ولكن دون صدام مباشر بل وفق روزنامة تركيا الاردوغانية… التي تفترض بأنها ستستفيد من خيرات الفريقين دون أن تكون مضطرة لتقاسم “الأعباء” مع أيّ منهما، فقد تندمج –مثلاً- تركيا في صفقة القرن الصهيو-أمريكية من موقع القائد الإقليمي ولكن دون أن تنهي علاقاتها مع إيران وروسيا.
قبل “الربيع العربي” تنبأ “الحكماء المائة” بتقريرهم الختامي 2010، بأن المنطقة العربية مقبلة على اضطرابات اجتماعية-اقتصادية لا يمكن التنبؤ بها؛ لا بلحظة اشتعالها، ولا بآلياتها، ولا بنتائجها… فاقترحوا خطة تتقاسم بها دول “النيتو” المشاطئة والمجاورة للمنطقة أعباء التحرك السريع، وبدعم من بقية أعضاء الحلف، لمنع تدهور الاحداث على غير صالحهم… ولكن ما لم يقولوه، أنهم قرروا تفجير هذه الاضطرابات قبل أوانها بافتعال أحداث في دول مختارة: لكل دولة بواعثها الخاصة للانفجار، وأهدافه، وأدواته، ومدى التغيير، والمسلمات المحظور العبث فيها… فبدلاً من انفجار مفاجيء بكل تفاصيله، سيقومون بتفجير حسب توقيتهم، وبأدواتهم الخاصة، واستناداً الى مخططاتهم وأهداف المشخصة بدقة. في ظل تداعي مقولة “الربيع العربي”، وبقاء عوامل الانفجار الاجتماعي-الاقتصادي-السياسي؛ بل وتزايدها في عدد كبير من الدول الحليفة للغرب، ظهر مسعى بريطاني-امريكي لإعادة “تعويم” الاخوان المسلمين في المنطقة كون هذه الجماعة ستشكل “المهبط” الانسب الذي سترسوا عليه الدول المرشحة للانفجار بدلاً من تموضعها في مصاف الدول “الثورية” أو المناهضة للنفوذ الغربي بالحد الأدنى، خصوصا وأن نموذج الصمود السوري الاسطوري بقيادة الرئيس بشار حافظ الاسد سيكون النموذج الاكثر سطوعاً وجاذبية في المنطقة، والطريق الذي سلكته حركات شعبية-ثورية مثل حزب الله والحشد الشعبي والمقاومة الفلسطينية وانصار الله… سيكون الاكثر إغراءاً ومداعبة لقلوب وعقول أبناء المنطقة لإنهاء أخطر مشكلاتهم دفعة واحدة.
معظم الأنظمة العربية تحاول مجاراة إدارة ترامب في سياساته، خصوصاً لناحية الانسحاب الأمريكي من ساحات الصراع المحكومة بالهزيمة وذات الآثار الاقل سوءاً، الى ميادين صراعات استراتيجية غير ممكن تأجيلها… مثل الانسحاب من سورية باتجاه العراق، وزيادة حضورها العسكري في كردستان العراق والانبار والعيديد… وإقامة تحالف يقوده الكيان الصهيوني وتديره واشنطن بدلاً من التنازل طواعية للمهبط الإخواني بقيادة تركية… على اعتبار أن هذه سياسة ترامب، وقد لا تكون سياسة أمريكا -وخصوصا الدولة العميقة- وربما سيتم الانقلاب على هذه السياسات لحظة رحيل ترامب أو ترحيله… يتضح هذا التوجه من خلال ما نشرته صحيفة ناشونال انترست حول تنسيق امني (مصري،سعودي،إماراتي،إسرائيلي) لمواجهة النفوذ التركي لا الايراني، وسبب هذا التنسيق مزدوج على الاقل :منع انتقال تركيا الى محور موسكو-دمشق-طهران من جهة، وإعادة دمجها في تحالفهم الاقليمي المنوي اقامته، ومن موقع التابع لا القائد.
على الاقل منذ عدوان 10/5/2018، عندما اصيبت اول عربة دفاع جوي من طراز بانتسير بطائرة مسيرة انتحارية صهيونية، بدأ الكيان الصهيوني سياسة استهداف منظومات الدفاع الجوي السوري بمختلف مكوناته الممكن استهدافها، وخصوصا منظومات الدفاع الجوي قصير المدى بانتسير وبوك، وهذا المؤشر له ما بعده، فالأخطر قادم. غاب القادة العرب عن قمة بيروت وحضرت اسرائيل، فاكتمل مشهد الحظر الأمريكي على أنظمة -إعتقدت خاطئة- أن الطريق إلى دمشق بات مفتوحاً بدلالة الانسحاب الأمريكي!. اكملت هذه الغارات الرسالة، الحرب لم تنتهي مع سورية؛ بل ربما هي في تصعيد… لهذا شنوا غارتهم النهارية الاولى على اعتبار ان ساعات المساء ستحجب هؤلاء القادة عن السمع في طقوس الاستجمام والاسترخاء والوناسة واللعب الحرام… واكملوا رسالتهم الى سورية ليلاً: الحرب، مجبرون على خوضها، وترد سورية حرب نريدها وإن كنا لا نستعجل وقوعها.
ولكن يغيب عن “عقل” هؤلاء، وخصوصاً العرب منهم: أن المهبط الإخواني تدمرت مدارجه وانكشفت هويّة من أدار ويُدير برج مراقبته، وأن زمن إنزال النورماندي ولّى إلى غير رجعة، وأن مشروع مارشال تآكلت خزائنه، وأن النيتو “الأصيل” عاجز عن نقل دباباته ومدرعاته من أفغنستان دون مساعدة روسية، وأن قائدة هذا النيتو –أمريكا- لم تتمكن من مواجهة الانتشار الروسي في القطب الشمالي لأن سفنه وبوارجه ستكون بحاجة للكاسحات الروسية لقطرها عندما تعلق بالجليد…فكيف بالنيتو المسخ؟!. ويعرفون جيداً بأن معاركنا الحاسمة القادمة والتي سننتصر فيها حتماً، ليست في إدلب ولا في شمال-شرق سورية ولا في صحراء الرمادي والحدود العراقية-السورية فقط؛ بل حيث مقتلهم ومقلع جذورهم… فكيف لهياكل “دول” يتهددها الإندثار أن تشكل نيتو للسيطرة على المنطقة، ورأس هذا النيتو، الكيان الصهيوني، فقد أحد أذرعه الطويلة قبل عام بصاروخ 200S-، فكيف لو شغلت سورية منظومات S-300VM3، وقررت وحلفائها كسر هذا الرأس في مواجهة أعددنا لها لتكون الفاصلة، وباتت أقرب من أي وقت مضى؟!.
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73