لعنة الثروة
محمد محمود مرتضى
في العام 2000 وصفت احدى الصحف البريطانية العريقة (الايكونوميست) القارة الافريقية بأنها “قارة ميؤوس منها”، ولم يكد يمضي احد عشر عاما حتى وصفت نفس الصحيفة القارة بانها “قارة ناهضة”، فيما وصفتها شركة ماكينزي للاستشارات بأنها أرض الاسود المتحركة.
لا يصعب فهم هذا التحول من القارة الافريقية اذا ما عرفنا أن العقل الغربي تحركه المصالح الاقتصادية بالدرجة الاولى.
وفي سياق المصالح وتغيير المواقف من القارة السمراء، فان الارقام توضح الاهداف، حيث تشير التقديرات إلى أن حقول النفط والغاز البحرية في الصومال على سبيل المثال، ولا سيما بونتلاند، وصوماليلاند، يمكن أن تحتوي على نحو 110 مليارات برميل ما يجعل المنطقة خامس أكبر منتج عالمي.
لقد جعلت الصورة التي يروج لها الاعلام الغربي عن الصومال من جهة، وفتح الابواب للجماعات المتطرفة من جهة أخرى، جعلت الصومال مرادفة، في المخيال الغربي، لأعمال القرصنة، والإرهاب، وانهيار الدولة، واستمرار الأزمات والتشرد والهجرة القسرية.
صحيح أن المشهد الصومالي ليس بخير، الا أن مشاكله ليست محلية الصنع حصراً، وان تمت بأدوات محلية، وأن عدم الاستقرار ليس متجذرا في التاريخ الصومالي، اذ تمتعت جمهورية صوماليلاند، التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991م، بفترات طويلة من الاستقرار النسبي. هذا اضافة الى أن هذا الاقليم يتداول السلطة بشكل حقيقي من خلال انتخابات تنافسية؛ وبخلاف العديد من الدول الإفريقية الأخرى، يتم احترام النتائج، حتى عندما تفوز المعارضة. وفي وقت تعقد فيه مؤتمرات مصالحة صومالية خارج الصومال برعاية أجنبية، ينخرط شعب صوماليلاند في مشاورات اوصلت إلى اتفاقات سلام بين العشائر، ووضع فيها أسس عمليات التقاضي بشأن الأراضي.
ومهما يكن من امر، فمن الواضح ان الصومال وُضعت على سكة التفجير المؤسس لعمليات احتكار اقتصادي، وقد ساعدت الاكتشافات النفطية على تغيير الصورة النمطية عن الصومال والتي حاولت واشنطن، وبالتعاون مع الدعاية الهوليوودية، ترويجها، حتى بالنسية لواشنطن نفسها، ومن هنا فلا عجب اننا سمعنا في الثاني من شهر كانون الاول من العام المنصرم ( 2018)، اعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن إعادة تشغيل بعثتها الدبلوماسية الدائمة في الصومال، أي بعد نحو ثلاثة عقود من إغلاقها أي بعد بداية الحرب الأهلية الصومالية في العام 1991م.
وهذا الإعلان أعقبه بيان من السفير الاميركي الجديد، دونالد ياما موتو، بأن الولايات المتحدة سوف تستثمر 900 مليون دولار خلال السنوات القادمة من أجل “خلق غد أفضل للشعب الصومالي”، وما أدراك ما الغد الافضل بالمقاييس الامريكية!. ويبدو أن هذا الغد الافضل يتضمن تقسيم الصومال، من هنا نجد دعوات أمريكية تطالب واشنطن بالاعتراف بحكومة صوماليلاند.
على أن هذا الانفجار الكبير الذي تشهده الصومال، والذي من المتوقع ان يتصاعد في العام المقبل موعد انسحاب القوات الافريقية، يجعله عرضة لما يسمى بلعنة الموارد. والواقع انه من المفترض عند تفجر وضع في أي بلد في العالم، ويكون التفجير مدعوم من جهات عدة، ان نستنتج ان هذا البلد يحتوي على ثروات غير مكتشفة.
وعلى سبيل المثال، وطبقًا لتقرير مجلة “نيوأفريكان”، فإن الإيرادات المتوقعة من النفط الصومالي قد توفر فرصا حقيقية للتنمية شرط ان يتم استغلالها وفق رؤية واضحة وسليمة.
وعلى أي حال، فمن المفترض بالحالات الطبيعية ان تمثل الثروات في اي بلد نعمة عليه، الا أن التجارب في مناطق عديدة اسست لنظرية مغايرة مفادها ان الثروات قد تكون نقمة أيضا، لا سيما اذا ما فشل الشعب في التعاطي مع التحديات، ووقع في فخ التدمير الممنهج لبلده، وتحول الى أداة، مباشرة او غير مباشرة. وبالمحصلة، فكما إن هناك لعنة الجغرافيا، فكذلك هناك لعنة الثروة.
العهد