أبو بكر البغدادي.. يوميات الأكشن والإثارة التي تضاهي أفلام «جيمس بوند»
ميرفت عوف
أمضى المواطن العراقي عواد علي البدري حياته نشطًا في مدينة سامراء (شمال بغداد) يعلم أبناءها القرآن الكريم ويفرح بما يزرعه في نفوس متعلميه في المسجد. وحين يعود إلى منزله، ويتأمل وجوه أبنائه كان يرى وريثًا وامتدادًا أسريًا لمهنته في ابنه إبراهيم المولود في العام 1971، فإبراهيم أخذ يقضي جل وقته في إتقان التلاوة والترتيل، بل عجل في سن المراهقة كي يصبح مدرسًا لأطفال الحي، يعلمهم تلاوة القرآن الكريم، ويشد خطاه نحو تعليم شرعي متخصص مدعوم بتميزه المسبق في تلاوة القرآن الكريم بصوت عذب متقن.
كيف أصبح إبراهيم أميرًا لـ«داعش»؟
هكذا بدأت طفولة الابن إبراهيم أو كما يعرف الآن بـ«أبو بكر البغدادي»، زعيم «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، أنهي البغدادي مشواره التعليمي في الثانوية العامة عام 1991، ثم سارع نحو التعليم الجامعي باختيار الدراسة في كلية الشريعة بجامعة بغداد التي تخرج فيها بدرجة البكالوريوس عام 1996.
ودون فاصل زمني عن الدراسة التحق البغدادي بجامعة صدام للدراسات الإسلامية التي كانت آنذاك حديثة الإنشاء، فحصل على درجة الماجستير الخاصة بشرح نصٍ من العصور الوسطى حول تلاوة القرآن الكريم وكانت مهمته التوفيق بين إصدارات مختلفة من المخطوطة، واستكمل البغدادي الخطا مباشرة بعد حصوله على الماجستير في العام 1999، فالتحق ببرنامج الدكتوراه في الدراسات القرآنية في نفس الجامعة، ويقال أن رحلة الدكتوراه كانت متزامنة مع انضمامه إلى جماعة الإخوان المسلمين في العراق.
القليل من المعلومات الأخرى عرفت حول الحياة الشخصية للبغدادي الذي كثيرًا ما وصف بـ«الغامض الانطوائي»، فـعُرف أنه بين عامي 2000 و2004 كان متزوجًا من امرأتين، ولديه ستة أبناء، عاشت أسرته في بيت صغير قريب من مسجد «الحاج زيدان» في حي طوبجي الفقير في بغداد، وهو المكان الذي واصل فيه ما كان يقوم به في حيه بالسامراء، يُدرّس تلاوة القرآن الكريم للأطفال، ويؤذن للصلاة.
وقد قضى سنواته تلك لا يعبث بالأزقة الضيقة الممتلئة بالقمامة والأثاث المهجور بحي طوبجي، بل يشارك كأي مصل في الأنشطة التي يقوم بها الدعاة في المسجد، يسافر مع معارفه من بغداد إلى الأنبار، أو يذهب إلى السباحة، أو يصوب كرة القدم بمهارة في مرمى الهدف، حتى وصف من قبل رجل من فريق المسجد بأنه «كان ميسي فريقنا».
توقف البغدادي عن ركل كرة القدم، حين غزا الأمريكيون بلاده في العام 2003، فأسقطوا صدام حسين، فهذا العام الذي يؤرخ فيها لانطلاق البغدادي نحو المساهمة في تأسيس «جيش أهل السُنة والجماعة» التي قاتلت الأمريكيين في شمال ووسط العراق، ذاك النشاط الذي تسبب في اعتقاله من الفلوجة في فبراير (شباط) 2004 في معسكر بوكا الأمريكي، الذي قضى فيه وقته كما خارجه هادئًا حريصًا على إمامة المصلين وإلقاء خطب يوم الجمعة و إعطاء دروس دينية للسجناء الآخرين.
قضى البغدادي أربع سنوات في معسكر بوكا، وفيما يبقى أمر اعتباره «جهاديًا مسلحًا» إبان حكم صدام محفوفًا بالشك، يكاد يجمع كل من تتبع سيرته أن بوكا هي أصل ولادة التطرف لدى البغدادي.
وفي التفاصيل، أن شهرين فقط فصلا البغدادي في الاعتقال عن تاريخ إنشاء فرع «تنظيم القاعدة في العراق»، لكنه التقى خلال اعتقاله في بوكا بجهاديين من دائرة قائد القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وهي اللقاءات التي انجذب فيها إلى هذا التنظيم الناشئ، فتعجل بعد خروجه للتواصل مع معارفه في القاعدة حتى وصل للمتحدث باسم الجماعة في العراق.
كان هذا الخيط الذي أوصله إلى دمشق بوصفه مسؤولًا تحت راية القاعدة، فقبيل اندلاع الحرب السورية (2011) بعام واحد، لبّى البغدادي أوامر زعيم القاعدة أيمن الظواهري بقيادة مجموعة عراقية محدودة من المقاتلين، والانتقال بها إلى سوريا لبناء منظمة، وبالفعل أنشأ البغدادي في سوريا ما يشبه قواعد عمليات آمنة، ومضت المجموعة في تأسيس نفسها وجمع الأموال وتجنيد المقاتلين. حتى إذا مر عامان على اندلاع الأحداث وفي (عام 2013) كانت هذه المجموعة قادرة على إطلاق اسم «دولة العراق الإسلامية وسوريا» على نفسها.
وحين شعر البغدادي أن حكمه في شرق سوريا آمن، وضع نصب عينيه العودة للعراق والسيطرة على أراضيها غربًا، ليصدم العالم في يونيو (حزيران) 2014 بتلك المجموعة تجتاح العراق وتستولي بين ليلة وضحاها على أجزاء كبيرة من المناطق النائية في العراق، وعلى كبرى المدن كالموصل وتكريت، والعديد المعابر الحدودية الاستراتيجية مع سوريا، ويولد بذلك منافس قوي لتنظيم القاعدة.
فالبغدادي الذي تعهد بنفسه بالانتقام لمقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في مايو (أيار) 2011 خرج عن طوع القاعدة، ومضى «الفيلسوف الجهادي» نحو تعزيز مؤهلاته لقيادة العالم الجهادي الأوسع، يلتف حوله مجموعة تضم الآلاف من المقاتلين الجهاديين الأجانب الذين تدفقوا تحت رايته.
وكالات