صفقات صنعت لترفض: سياسات توسعية شمال سورية وجنوبها
إعداد: علا منصور – نور الشربجي
حملة الجيش السوري لإدلب، التدخل التركي الثالث، المنطقة الآمنة، انتهاء “داعش” وعودته، اللاجئون، واقع الكرد ومستقبلهم وتحالفاتهم.. وغيرها من المفردات، ترسم ملامح الوضع العام للمشهد السوري في شهر أيار/مايو 2019.
يمكن القول إن تركيا هي قاسم مشترك في كلّ ما سبق، إذ يحاول رئيسها اللعب على أوتار متعددة علَّه يحصل شيئاً من “انتصار” يقيه تكاليف سياسية كبيرة في الداخل ستترتب على فشله في سورية، فمعارضته المحلية تزداد عدداً وتنظيماً. هذا الخوف قد يدفعه إلى المزيد من الغوص في مستنقعٍ يصنعه لنفسه.
ليست كثيرة الأوراق بيد تركيا، ولو بدت كذلك، فمخاوفها المُدَّعاة من الكرد، واتهامها المتكرر لهم بالإرهاب، وهم الذين دفعوا ثمن حرب أمريكا المزعومة على “داعش”، كلُّها لم تعد مبررة عند الغرب وباحثيه المتعاطفين بالعموم مع الأكراد. وحتى موضوع اللاجئين، فقد فَقَدَ الاهتمام الذي حازه من قبل، غالباً نتيجة لتعامل تركيا السلبي معه، ووضوح استخدامها أزمة اللاجئين كورقة سياسية واقتصادية.
المنطقة الآمنة ليست حلاً، فتركيا اليوم لا تستطيع إدارة ما احتلته سابقاً من سورية، ولاتزال القلاقل والاضطرابات تنذر بتصعيد قادم.
تظلُّ إدلب، وهنا إذا افترضنا وجود مستوى مقبول من الدهاء السياسي لدى أردوغان، يُفترض أن يدرك أن دمشق، ومعها روسيا، لن تقبل بوجود معقل للإرهابيين في إدلب، خاصة وأن كثيراً منهم مرتبطٌ، حتى لو زعم غير ذلك، بتنظيم القاعدة الذي لا تستطيع حتى الولايات المتحدة إلا التعامل معه ومع أفرعه بحزم، فهو التهديد الأكثر إثارة للرعب لدى الأمريكيين.
إنّ ما سبق لا يمنع تركيا حالياً من التنسيق مع “هيئة تحرير الشام”، رغم إدراكها أنه –وليس الكرد– تنظيم جهادي إرهابي مرتبط بالقاعدة. ويكاد يكون آخر حلفاء تركيا على الأرض، فهي تريد تنظيماً يخلق فارقاً على الأرض، حتى لو كان إرهابياً. كذلك، تريد حليفاً لا يمكن لدمشق أن تتعاون معه، ولا لروسيا أو حتى لأمريكا. تريده لاعباً بإمرتها، وبإمرتها فقط. لكن، إلى متى ستضمن تركيا الحماية “للهيئة” وهل ستؤمن لها الشرعية؟
كلّ الأطراف السورية كرداً كانوا أم عرباً، عليهم أن يدركوا أنهم ليسوا بمأمن من تركيا، فأهدافها التوسعية أوضح من أن يتم التغاضي عنها، والأجدى بمن استطاع استعادة العلاقة مع دمشق أن يفعل، فالتحالفات الخارجية وإن أثمرت على المدى القصير، فإنها ليست ضامناً لأي طرف.
يبدو الأكراد اليوم شبه متروكين في مواجهة تركيا و”داعش” في الوقت عينه، رغم كونهم حليف الولايات المتحدة الأفضل وربما الأوحد في سورية حالياً، وكل تهديد يتعرضون له يدفعهم أكثر نحو دمشق وموسكو، ما يعني تراجعاً حاسماً لنفوذ أمريكا في المنطقة. فإلى أي مستوى وصلت ثقة الكرد بواشنطن والتحالف، وإلى متى سينتظرون ليحسموا أمورهم “بالعودة”، وأي خسائر أخرى سيتكبدون حتى يبلغوا ذلك القرار.
وإذا كان الوضع في الشمال والشرق يتصدر المشهد السوري، فـ “العقوبات الاقتصادية” التي بات تضييقها على السوريين خانقاً، لا تقل أهمية. تمنع هذه “العقوبات” إعادة إعمار البلاد، إذ تخشى معظم الشركات والمستثمرين وحتى الدول الوقوع في فخها، ولا يبدو أن لدى أمريكا النية برفعها في المدى المنظور. في المقلب الآخر، تزداد الأصوات في أوروبا والتي تتهم استراتيجية الاتحاد الأوروبي وعقوباته بأنها “حرب اقتصادية” ضدَّ سورية، مشككين فعاليتها وشرعيتها، ليست هذه الاعتراضات شعبية وحسب، بل تصل إلى بعض الحكومات الأوروبية، لكنها لا تمتلك الفاعلية الكافية، إما لضعف هذه الحكومات أمام الاقتصادات الأوروبية الكبرى، أو للخوف كذلك من العقوبات الأمريكية.
لا يتوقف التضييق الأمريكي على سورية بل ينسحب كذلك إلى فلسطين وشعبها، إذ تكاد منظمة الأونروا تتوقف عن العمل لغياب التمويل. وليس هذا إلا واحداً من وسائل كثيرة تستخدمها الإدارة الأمريكية للضغط على الفلسطينيين، وبنداً مضمراً من بنود ما يسمى “صفقة القرن”، والتي بات واضحاً أنها ليست إلا خطة للإجهاز على كلّ حقوق الفلسطينيين، المتبقية أو المأمولة. إذا خسر الفلسطينيون كل شيء –القدس، وعودة اللاجئين، والخط الأخضر للعام 1967، والأمن المالي والمادي، والاعتراف السياسي بقيادتهم– فسيرفضون بالطبع خطط أمريكا، وستظهر “إسرائيل” بأنها من يضحي من أجل السلام!
عن المواضيع السابقة وغيرها، تقرؤون في هذا العدد من تقرير «سورية في عيون مراكز الدراسات العالمية» الذي يغطي المقالات المتعلقة بالشأن السوري الصادرة عن كبريات مراكز الأبحاث الغربية في أيار/مايو 2019،
مداد – مركز دمشق للابحاث والدراسات