8 معلومات ربما لا تعرفها عن الموت
عباءةٌ سوداء، منجلٌ، وهيكلٌ عظميٌّ بضحكةٍ خبيثة. لا شك أن مظهر حاصد الأرواح الكئيب هو المظهر الكلاسيكي عن الموت في الحضارة الغربية، لكنه بالتأكيد ليس التخيُّل الوحيد له.
جسّدت المجتمعات القديمة الموت بعددٍ لا يُحصى من الطرق، فكان ثاناتوس، الغلام المجنّح في الأساطير اليونانية، وكان الإلهة هيل الكئيبة المنعزلة في أساطير الإسكندنافيين، بينما اتّخذ في التقاليد الهندوسية شكل «الملك ياما» كثيف الزخارف.
غير أنَّ العلم الحديث خلّص الموت من تجسيداته، ورفع عنه عباءته تلك، ليكشف عن نمطٍ معقّدٍ من العمليات البيولوجية والفسيولوجية التي تُفرِّق بين الأحياء والأموات. لكن بالوصول لتلك الاكتشافات، أصبح الموت أكثر غرابةً بطريقةٍ ما.
في هذا الموضوع من موقع bigthink الأمريكي ستجد بعض الإجابات والمعلومات التي لم تكن تعرفها على الأرجح.
1- أنت تظل واعياً بعد موتك
يتخيل كثيرون منا أنَّ الموت سيكون مثل الغرق في النوم؛ يتثاقل رأسك، وعيناك ترفرفان وتنغلقان بانسيابيةٍ، ثم تزفر زفرةً أخيرةً، وبعدها.. تنطفئ الأضواء. ذلك يبدو لطيفاً بعكس ما يُفترض به. لكنّ المؤسف أنَّ الأمر لن يكون بتلك السرعة.
يجري الدكتور سام بارنيا أبحاثاً عن الموت، وهو مدير قسم بحوث الرعاية الحرجة والإنعاش بمركز لانغون الطبي التابع لجامعة نيويورك، ويعتقد أنَّ وعينا يظل حاضراً أثناء وفاتنا. يعتمد في ذلك على حقيقة أن عملية انطلاق الموجات الدماغية في القشرة الدماغية -وهي المنطقة المسؤولة عن الوعي والتفكير- تستمر لنحو 20 ثانيةً بعد الوفاة السريرية.
أظهرت الدراسات التي أُجريت على فئران المعامل أنَّ أدمغتها كانت تعج بالنشاطات بعد الموت بلحظاتٍ، ما يتسبَّب في حالة اهتياج وتأهب شديد.
لو حدثت تلك الحالة للبشر، فقد تكون دليلاً على أنَّ الدماغ يحافظ على حالةٍ من الوعي الواضح خلال المراحل المبكرة من الموت. قد يفسر ذلك أيضاً كيف يمكن للمرضى الذين يعودون من حافة الموت أن يتذكروا أحداثاً جرت بينما كانوا ميتين فعلياً.
لكن لماذا ندرس الموت، إذا لم يكن هناك سبيلٌ للعودة منه؟
يقول الدكتور سام لموقع LiveScience الأمريكي: «يشبه هذا أن تدرس مجموعة من الباحثين طبيعة تجربة «الحب» مثلاً، إننا نحاول أن نفهم بدقةٍ ملامح التجربة التي يمر بها الإنسان عندما يموت؛ لأننا نفهم أن ذلك سيعكس التجربة العالمية التي سنخوضها جميعاً عندما نموت».
2- الموت ليس نهاية المطاف لجزءٍ منك
هناك حياةٌ بعد الموت. وصحيحٌ أنَّ العلم لم يجد دليلاً على الحياة الآخرة، ولم يستطع تحديد وزن الروح، لكن جيناتنا تستمر بعد رحيلنا.
بحثت دراسةٌ منشورةٌ في دورية Open Biology التابعة للجمعية الملكية في التعبير الجيني للفئران وأسماك الدانيو المخططة الميتة.
لم يكن الباحثون متأكدين مما إذا كان التعبير الجيني يخبو تدريجياً أم ينقطع مرةً واحدةً عند الموت. أما ما وجدوه فقد فاجأهم كلياً. أكثر من ألف جينٍ أصبحت أكثر نشاطاً بعد الموت. وفي بعض الحالات كانت تلك الجينات النشطة تظل كذلك لأربعة أيام.
يقول بيتر نوبل، مُعد الدراسة وأستاذ علم الأحياء الدقيقة بجامعة واشنطن، لمجلة Newsweek الأمريكية: «لم نتوقع ذلك، هل يمكنك أن تتخيل أن تأخذ عينةً بعد 24 ساعةً (من الوفاة) وترى أن النصوص الجينية تتزايد وبغزارةٍ؟ كانت تلك مفاجأةً».
وكانت التعبيرات الجينية التي رُصدت هي تلك التي تخص التوتر ورد الفعل المناعي، لكن الجينات المتطورة قد رُصدت تعبيراتها كذلك.
يقترح نوبل وزملاؤه أنَّ ذلك يُظهر أن الجسد يخوض «توقُّفاً تدريجياً» عن العمل، ما يعني أن الفقاريات تموت تدريجياً، ولا تموت دفعةً واحدة.
3- طاقتك تظل باقية في الكون
في نهاية المطاف حتّى جيناتنا ستتبدد، وكل ما نحن عليه سيصير طيناً. هل تجد أنَّه من المحبط أن يطويك النسيان هكذا؟ لست وحدك في هذا، لكن لعلك تجد عزاءً في حقيقة أنَّ شيئاً منك سيبقى بعد وفاتك. إنَّه طاقتك.
وفقاً لقانون الديناميكا الحرارية الأول، فالطاقة التي تُشغّل الحياة تستمر، ولا تفنى. إنما تتحول. وكما يوضح آرون فريمان في ورقته البحثية بعنوان Eulogy from a Physicist:
«ستود أن يذكِّر الفيزيائي أمك المنتحبة بقانون الديناميكا الحرارية الأول؛ أنَّ الطاقة في الكون لا تفنى ولا تستحدث من العدم».
وستود أيضاً أن تعرف أمك أنَّ طاقتك بأكملها، بكل اهتزازةٍ منها، وكل وحدةٍ حراريةٍ منها، وكل موجةٍ من كل جزيءٍ كان جزءاً من ابنها المحبوب ستظلُّ معها في هذا العالم. سوف تود من الفيزيائي أن يخبر والدك الحزين أنَّك بين كل طاقات الأكوان مَنحت بقدر ما مُنحت.
4- قد تأبّن الحيوانات موتاها كذلك
ما زلنا غير متأكدين من ذلك، لكن شهادات شهود العيان تُرجح أنَّ ذلك يحدث.
رأى باحثون ميدانيون فيلةً تقف إلى جوار الموتى من فصيلتها، حتى لو كان الفقيد من عائلةٍ أخرى. قادت تلك الملاحظة الباحثين لاستنتاج أنَّ الفيلة تمتلك «استجابةً معممةً» للموت.
كما شوهدت الدلافين كذلك تحرس أفراداً متوفين من بنات فصيلتها. وتحافظ قرود الشمبانزي على تقاليد اجتماعية مع الموتى، مثل تنظيف الفراء.
لم تُشاهد أي فصائل أخرى تؤدي طقوساً مشابهةً لطقوس الإنسان، وهو ما تطلب تفكيرياً مجرداً، لكن تلك الوقائع تُشير إلى أنَّ الحيوانات تمتلك فهماً واستجابةً مميزةً للموت.
وكما كتب جيسون غولدمان لدى BBC: «مقابل كل وجهٍ للحياة تنفرد به فصيلتنا، هناك مئات الأوجه التي نتشاركها مع حيواناتٍ أخرى. بقدر ما هو مهمٌ أن نتجنب إسقاط مشاعرنا على الحيوانات، نحتاج أيضاً لأن نتذكر أننا بدورنا حيواناتٌ لا محالة».
5- من أول من دفن الموتى؟
درس عالم الأنثروبولوجيا دونالد براون الحضارات الإنسانية، واكتشف مئات الخصائص التي تتشاركها جميعها. ومن بين تلك الخصائص، كانت لدى كل حضارة منهم طريقتها في تكريم ورثاء موتاها.
لكن من كان الأول من بينهم؟ هل كانوا بشراً أم أسلافاً لهم؟ يصعب إيجاد إجابة هذا السؤال؛ لأنَّها مدفونةٌ عميقاً في ضباب ما قبل التاريخ من ماضينا. غير أنَّ لدينا مرشحاً: إنسان الهومو ناليدي.
اكتُشفت العديد من حفريات ذلك السلف البشري في فجوة كهفٍ بمنظومة كهوف Rising Star، في المنطقة المعروفة بمهد الإنسانية بجنوب إفريقيا. ويتطلب ولوج الكهف تسلقاً رأسياً، وبعض الممرات الضيقة، والكثير من الزحف.
قاد ذلك الباحثين لاستبعاد احتمال أنَّ هذا العدد الكبير من الأفراد انتهى بهم المآل داخل الكهف بالخطأ.
كما استبعدوا كذلك الفخاخ الجيولوجية مثل انهيارات أسقف الكهوف. وبالأخذ في الاعتبار التموضع الذي يبدو متعمداً، استنتج البعض أنَّ الغرفة كانت مقبرةً لإنسان الهومو ناليدي. لكن آخرين غير متأكدين تماماً من الأمر، ولا شك أننا نحتاج إلى مزيدٍ من الأدلة قبل أن نكون قادرين على القطع بإجابة ذلك السؤال.
6- متلازمة الجثث المتحركة
يبدو الحدّ الفاصل بين الحياة والموت جلياً للكثيرين منا. نحن أحياء، وعليه فإننا لسنا ميتين. تلك ملاحظةٌ يأخذها كثيرون كمسلّمةٍ، ويجدر بنا أن نكون ممتنين لأننا تمكنا من فعل ذلك بجهدٍ لا يكاد يُذكر.
غير أنَّ المصابين بمتلازمة كوتار (أو متلازمة الجثث المتحركة) لا يرون الحدّ الفاصل بهذا الوضوح. وصف تلك الحالة النادرة للمرة الأولى الدكتور جوليس كوتار عام 1882، وهي تعني الأشخاص الذين يعتقدون أنَّهم ميتون، أو فقدوا أجزاء من أجسادهم، أو فقدوا أرواحهم. يتجلى ذلك الوهم العدمي في شعورٍ مهيمنٍ باليأس، وتجاهل الصحة، وصعوبةٍ في التعامل مع الواقع الخارجي.
في إحدى الحالات كانت امرأةٌ فلبينيةٌ تبلغ من العمر 53 عاماً مصابةً بمتلازمة كوتار تعتقد أن رائحتها تشبه رائحة السمك النتن، وكانت تأمل أن تؤخذ إلى المشرحة لتكون بين أقرانها.
لحسن الحظ كان نظام أدويةٍ من مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب كفيلاً بتحسين حالتها. وهناك حالاتٌ أخرى مصابةٌ بذلك الاضطراب الذهني المنهك تحسنت بالعلاج المناسب.
7- هل ينمو الشعر والأظافر بعد الموت؟
كلا. تلك مجرد خرافةٍ، لكنها خرافةٌ لها أصلٌ بيولوجيٌ. يرجع توقف الشعر والأظافر عن النمو بعد الوفاة إلى أنَّ الجسد يتوقف عن إنتاج الخلايا الجديدة.
يوفّر سكر الغلوكوز الوقود اللازم لانقسام الخلايا، وتحتاج الخلايا إلى الأكسجين لتحويل الغلوكوز إلى طاقةٍ خلوية. ويضع الموت حداً لقدرة الجسم على استقبال أيٍ منهما.
يضع الموت كذلك حداً لامتصاص الجسد للماء، ما يؤدي للجفاف. وبينما يتحلَّل جلد الجثة، ينسحب من حول الأظافر (ما يجعلها تبدو أطول) وينكمش حول الوجه (مانحاً الذقن ظلاً طويلاً).
وكل من هو سيئ الحظ بما يكفي لجعله ينبش جثةً، يمكن بسهولٍ أن يُسيء فهم تلك الإشارات على أنَّها علامات على النمو.
المثير للاهتمام، أنَّ نمو الشعر والأظافر بعد الموت كان وراء الموروث الشعبي لحكايات مصاصي الدماء وغيرها من مخلوقات الليل. حين كان أسلافنا يستخرجون جثةً حديثة الدفن ويجدون شعراً نامياً وقطرات دماءٍ حول الفم (نتيجةً لتجمعات الدم الطبيعية) كانت عقولهم فوراً تتجه للموتى الأحياء.
لكن الموتى الأحياء ليسوا أمراً يجدر بنا أن نخافه في عالمنا اليوم.
8- لماذا نموت؟
يُعتبر من يعيشون ليبلغوا من العمر 110 أعوام، ويسمّون المعمِّرين، ذريةً نادرةً للغاية. لكن أولئك الذين يعيشون ليبلغوا 120 عاماً أكثر ندرةً. وأطول المعمرين المسجّلين عمراً كان جين كالمينت، المعمرة الفرنسية التي عاشت 122 عاماً.
لكن لماذا نموت من الأساس؟ حين ننحّي الإجابات الروحانية والوجودية جانباً، تكون الإجابة البسيطة هي: أنَّ الطبيعة تكتفي منا بعد حدٍ معين.
يتمثّل النجاح في الحياة، من منظورٍ تطوري، في نقل جينات الفرد إلى ذريته. وبالتالي فإن أغلب الفصائل تموت أفرادها بعد انتهاء أيام التكاثر. تموت أسماك السلمون بعد رحلتها الطويلة إلى منابع الأنهار التي تقطعها لتخصيب بيوضها. بالنسبة لها، رحلة التكاثر بتذكرة ذهابٍ فقط.
لكنّ البشر يختلفون قليلاً. إننا نستثمر بشدةٍ في شبابنا، لذلك نحن بحاجةٍ إلى عمرٍ أطول لمواصلة رعاية أولادنا.
لكنّ حيوات البشر تستمر بعد تزاوجهم لسنواتٍ كثيرة. هذا التمدد في العمر يسمح لنا باستثمار الوقت، والرعاية، والموارد في أحفادنا (الذين يحملون جيناتنا) يُعرف ذلك باسم ظاهرة تأثير الجدة.
لكن إذا كان الأجداد بهذه الأهمية، لماذا يندر أن نتجاوز عمر المائة عام؟
لأنَّ تطوُّرنا لا يمتدُّ لفترة أطول من تلك. لا تتجدد الخلايا العصبية، ويتقلَّص الدماغ، ويضعف القلب، ونموت. ولو أراد التطور لنا أن نظل لفترةٍ أطول، فربما كانت مفاتيح الموت تلك قد خبت واحدةً تلو الأخرى، لكن التطور كما نعرفه يتطلب الموت، لتعزيز الحياة المتكيفة.
وعلى أي حالٍ، ففي ذلك العمر سيكون أبناؤنا على الأرجح قد صاروا أجداداً، وستستمر جيناتنا في تلقي الرعاية اللازمة على يد جيلٍ بديل.
عربي بوست