روسيا وإسرائيل وحدود «الرقص على الحبال»في سوريا
علي حيدر
لم يصدر عن القمة الأمنية الأخيرة في القدس، التي ضمّت مستشاري الأمن القومي الإسرائيلي والروسي والأميركي، أي بيان رسمي يُجمل ما انتهت إليه، ليقتصر الأمر على تصريح لرئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، قال فيه إن «هناك اتفاقاً إسرائيلياً ــــ أميركياً ــــ روسياً على أنه يجب إخراج إيران من سوريا، لكننا نختلف على كيفية تنفيذ ذلك». فيما ذكرت تقارير لمعلّقين إسرائيليين أساسيين أن القمة خرجت بتفاهمات تصبّ في مصلحة الهدف الذي تحدث عنه نتنياهو. فهل ثمة تفاهمات فعلاً؟ وما حقيقتها؟ وما الذي قصده رئيس الوزراء الإسرائيلي بحديثه عن الخلاف على التنفيذ؟
ينبغي ابتداءً التذكير بأنّ روسيا ليست جزءاً من محور المقاومة، وهذه الحقيقة قائمة قبل تدخلها العسكري في سوريا وبعده، بل إن موسكو حريصة على أفضل العلاقات الثنائية مع تل أبيب. مع ذلك، ثمة هامش من تعارض المصالح ناتج من موقع كل منهما في خريطة الصراع الإقليمي والدولي، لا يتعارض في الوقت نفسه مع دوافع كل منهما لتعزيز العلاقة بينهما على أساس المصالح المشتركة. في ما يتعلق بالقمة الأمنية الأخيرة تحديداً، أجمعت التقارير الإسرائيلية على عدم التوصل إلى قرارات عملية، لكن ما بدا واضحاً أن نتنياهو حقق ــ بمجرد انعقاد القمة ــ إنجازاً سياسياً، باعثاً بأكثر من رسالة إلى الداخل والخارج. على المستوى الداخلي، يهمّ نتنياهو، في ظلّ التنافس الانتخابي، أن يقدم صورة عن مكانة إسرائيل لدى الدول العظمى في ظلّ قيادته. وإزاء الخارج، يحرص أيضاً على تظهير هذه المكانة، ويراها أحد عوامل جذب الدول لنسج علاقات علنية وسرية مع تل أبيب.
لكن إلى جانب تلك الأهداف الجانبية، يحتلّ هدف إخراج إيران من سوريا مكاناً متقدماً في سلّم اهتمامات المؤسستين السياسية والأمنية في تل أبيب، علماً أن إسرائيل تريد تحقق هذا الهدف وفق مفهومها هي، لا وفق تفسيرات لا ترى في بعضها أكثر من خدعة تنطوي على تداعيات خطيرة على أمنها القومي. ماذا يفيد إسرائيل، مثلاً، خروج أعضاء الحرس الثوري، الذين هم بالمناسبة محدودون جداً، وخروج حلفائهم أيضاً (بناءً على فرضية انتزاع روسيا، في المقابل، ضمانات بعدم استهداف سوريا والتدخل في شؤونها الداخلية)، لكن مع بقاء الدعم الإيراني للدولة السورية في إعادة بناء قدراتها الصاروخية والعسكرية وتطويرها؟ وما الذي سيكون عليه موقف تل أبيب لو اقترن الخروج الإيراني بثبات سوريا كدولة، وكركيزة أساسية في محور المقاومة؟
المؤكد أن إسرائيل لن توافق على ذلك؛ لأن مشكلتها في الواقع تكمن في تموضع سوريا كقوة أمامية في المواجهة، سواء كان عناصر الحرس الثوري وحلفائه على أراضيها أو لا. بتعبير آخر، تخشى إسرائيل أن يكون بناء إيران لقدرات صاروخية في سوريا، مندرجاً في سياق تعزيز قدرات الجيش السوري في مواجهة التهديدات الخارجية. وهذا تحديداً ما حذّر منه الجيش الإسرائيلي، لجهة ما يمكن أن يترتب عنه من معادلات جديدة في الصراع مع إسرائيل، وذلك في استراتيجيته المحدثة لعام 2018، التي أكدت أن سوريا، على الرغم من ضعفها الجوهري، لا تزال تشكل التهديد الأساسي لدولة إسرائيل الآخذ في التزايد. توصيف تنبع أهميته من أنه أتى تعديلاً للنص السابق الوارد في استراتيجية الجيش لعام 2015، عندما كان الرهان على سقوط النظام السوري لا يزال قائماً. في حينه، وصفت الاستراتيجية سوريا بأنها «دولة فاشلة في حالة تفكّك»، لكن هذا التوصيف عاد واختفى بعد الانتصارات التي حققها محور المقاومة في سوريا، لتحلّ محلّه الإشارة إلى حجم التهديد الذي تشكله الأخيرة.
مع ذلك، يتركز الخطاب السياسي الإسرائيلي، حالياً، على إيران تحديداً، وتصويرها وحلفاءَها على أنهم سبب الاعتداءات المتواصلة على سوريا، وفي هذا محاولة لإبقاء دائرة الضوء حول طهران، والتعمية على هدف الحيلولة دون تطوير قدرات الجيش السوري، علماً بأن إسرائيل ترى في سوريا القوية والقادرة على الدفاع عن نفسها مصدر تهديد رئيساً، ولذا فهي ترفض كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تقوية سوريا، سواء من خلال وجود الحرس الثوري وحلفائه أو من دونهم.
حتى روسيا نفسها، هل توافق على فرض قيود إسرائيلية دائمة على الجيش السوري؟ وهل ترى مصلحتها في بقاء سوريا في موقع يسمح لإسرائيل بامتلاك زمام المبادرة في فرض معادلات تتصل بالداخل السوري وعلاقات دمشق الإقليمية؟ هل يمكنها أن تتجاهل الصلة الوثيقة بين الموقف الإسرائيلي من سوريا ومعادلة الصراع على مستوى المنطقة، وهي التي تدرك أن نفوذها تعزّز على هامش الصراع بين محور المقاومة والهيمنة الأميركية والكيان الإسرائيلي، وأن أي تراجع لهذا المحور سينعكس بالضرورة على مصالح روسيا الاستراتيجية في المنطقة؟ يبدو، إلى الآن، أن روسيا تريد إدارة الصراع بأقلّ قدر من الاحتكاكات التي يمكن أن تمسّ مصالحها، وبما يحافظ على تموضعها كقوة مؤثرة في المنطقة. كذلك، أتت القمة الأمنية في ذروة الصراع الأميركي ــــ الإيراني، الذي ستحدد مآلاته مستقبل الوضع في المنطقة كلها، بما فيها سوريا. وعليه، إنّ أي قرارات أو تفاهمات مفترضة ستبقى مرهونة بمجمل المسار الإقليمي، علماً أنه لا يمكن روسيا فصلُ الصراع على تموضع سوريا، عن الصراع مع إيران وتموضعها في سياق الصراع الدولي، وهي التي تدرك أن خيارات الجمهورية الإسلامية الاستراتيجية غيّرت معادلات القوة الدولية في غير مصلحة الولايات المتحدة، ووفّرت الأرضية لروسيا لاستعادة جزء من دورها في المنطقة. رغم كل ما تقدم، يأتي نتنياهو كي يقنع الرأي العام بأنه في طريقه إلى إعادة رسم اصطفافات موسكو وفق ما ترغب فيه إسرائيل!
الأخبار