عن الدولار الوهمي.. ووعيد “الحاكم” بالضرب على أيدي المتواطئين!
فهد كنجو
للأمانة المهنية في البداية لا بد من الإشارة إلى أن تصريح حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور حازم قرفول بأن ارتفاع الدولار وهمي هو تصريح عمره أكثر من شهر، وما حدث هو أن وكالة سبوتنك الروسية أشارت إلى هذا التصريح ضمن مقابلة حديثة مع الحاكم تحدث فيها عن نظام الدفع الالكتروني، وعاودت “روسيا اليوم” نشره على موقعها أمس الجمعة، فانتشر على أغلب المواقع الالكترونية المحلية على أنه تصريح جديد.
لكن كون التصريح ليس جديداً وينتسب إلى سلسلة تصريحات الحاكم لوسائل الإعلام بدأها بالتلفزيون الرسمي لتوضيح أسباب التراجع الحاد لسعر صرف الليرة في السوق الموازية، فإن ذلك لا يغير من الأمر بشيء، فـ “دولار السوداء” عاود الصعود إلى ما كان عليه في منتصف الشهر الفائت، ولا نرجح أن الحاكم أو أي مسؤول مالي سيصرح بخلاف ذلك (ارتفاع وهمي).
وهنا لا بد من التوقف عند مصطلح (ارتفاع وهمي) وهو بحسب المركزي والمعنيين في رسم السياسات المالية والاقتصادية يعني أنه غير مبني على أسس اقتصادية، بمعنى أدق أنه لا يوجد عامل اقتصادي يزيد من الطلب على القطع الأجنبي، إنما يقف وراءه المضاربين وهم من توعد الحاكم بإجراءات قانوينة صارمة بحقهم ووصفهم بالمتواطئين.
الجزئية الإيجابية التي لا يجب أن ينكرها أحد على سياسة المركزي الحالية هي أنه امتنع عن ملاحقة “دولار السوداء” من خلال التدخل وبيع القطع لشركات الصرافة لتحقيق توازن “قسري” في سعر الصرف، سيستفيد منه قلة من المتاجرين في سوق العملات، وهو ما كان أشار إليه الحاكم في غير مناسبة، والاستعاضة عن ذلك في التركيز على تمويل بعض المستوردات بالسعر الرسمي الحالي والذي اتسعت الفجوة بينه وبين السوق الموازية إلى نحو 160 ليرة، ما يجب أن يحتم تحقيق نوع من التوازن في أسعار سلع المستهلك أقلها الأساسية، وهو ما لم يتحقق للأسف، فأغلب السلع المستوردة أو التي يدخل في إنتاجها مكونات مستوردة “ممولة” أو غير ممولة سجلت ارتفاعاً بنسب مختلفة، الأمر الذي لا يمكن تحميل وزره للمركزي، فليس دوره التدخل المباشر في سوق السلع، إنما هي عملية متكاملة تطلع بها العديد من الجهات المعنية.
وبالنظر إلى الإجراءات المرافقة لسياسة المركزي الحالية ونقصد (عدم التدخل في سوق القطع) والتركيز على سوق السلع، نجد أن هناك محاولتين من الحكومة الأولى كانت من خلال الرجوع إلى العمل بتعهد إعادة قطع التصدير ليديره المركزي، والثانية من خلال إلزام المستوردين تسليم نسبة 15 % من مستورداتهم الممولة بالسعر الرسمي للمؤسسات الحكومية وعلى رأسها “السورية للتجارة”، طبعاً المحاولتين تواجهان ممانعة من التجار لأسباب يعتبرونها موضوعية، فبينما صدر قرار إلزام المستوردين بالنسبة المذكورة، لا زالت مسألة إعادة قطع التصدير بين أخذ ورد.
بطبيعة الحال الحكم على نجاح أو فشل تلك الاجراءات لعدم انجرار سوق السلع وراء “دولار السوداء” لا زال مبكراً لكن حتى الان ثمة مؤشرات غير مبشرة، أولها أن هناك ارتفاع في أسعار معظم السلع لا يمكن إنكاره، وثانيها أن التجار بسبب عدم رضاهم عن الإجرائين السابقين قد تكون لهم ردة فعل تزيد من هذا الارتفاع، وثالثها وهو الأهم يتعلق بجهات حكومية (التجارة الداخلية والنفط) لجأت مؤخراً لرفع سعر مادتين رئيسيتين مرتبطين بتسعر العديد من السلع الاستهلاكية وهما “البنزين الحر” خارج مخصصات الدعم من 375 ليرة إلى 425 ليرة لليتر، والثانية “الغاز الصناعي” من 4000 إلى 6000 آلاف للأصطوانة سعة 16 كيلو، وهذا الرتفاع غير وهمي!!.
وعلى سيرة “الوهمي” وقبل الختام ثمة سؤال قد يراود الكثير من المتابعين ويحتاج إلى إجابة هو من أين يبدا السعر الوهمي؟، عندما يكون الفارق نحو 160 ليرة (بين السعر الرسمي وغير الرسمي للدولار) من غير المنطقي أن يكون كل هذا الفارق “وهمي”، لا بد إذا من تحديد الوهمي المتعلق بالمضاربات والحقيقي المتعلق بالطلب الاقتصادي.
#لأنو_صار_وقتا..
الاصلاحية