أردوغان “يغازل” ترامب و”يتوعد” بوتين !
حسني محلي
إن صحّت التوقّعات وأتفق الطرفان الأميركي التركي على تقاسم شرق الفرات بإنعكاسات ذلك على مجمل المشاكل المُعلّقة بين الطرفين فالمنطقة مقبلة على مرحلةٍ جديدةٍ من المعادلات الصعبة والرِهانات المُتناقضة بكل نتائجها المحتملة التي ستنعكس سياسياً وعسكرياً وأستراتيجياً على الجميع من أولئك الذين يفهمون أو لا يدركون . فالسياسة كمباراة لكرة القدم ملعبها في سوريا ولاعبوها 22 ومتفرّجوها من الملايين وحكَمها واحد ولكن من دون صفّارة!
كما كان متوقّعاً فقد اتفقت تركيا مع حليفتها التقليدية أميركا حول النقاط الرئيسية الخاصة بإقامة المنطقة الآمِنة داخل الأراضي السورية شرق الفرات وهو ما أعلن عنه الرئيس أردوغان في المؤتمر الصحفي مع رئيس أوكرانيا “اليهودي” زيلينسكي العدو اللدود لروسيا. ولم يكتف الرئيس أردوغان بهذه الرسالة التي بعثها للرئيس بوتين ليقول له ‘لديّ الكثير من الأوراق مقابل أوراقك في إدلب ‘ فأعلن رفضه المُطلَق لقرار بوتين بضمّ القرم لروسيا مشيراً إلى العلاقة التاريخية بين الأتراك وشعب القرم المسلم الشقيق’.
هذه الرسائل إن تلقّاها الرئيس بوتين قد تعكّر صفو العلاقات ‘المميّزة’ بين روسيا وتركيا والتي كانت قد دخلت في يونيو 2016 مساراً جديداً بعد أن اعتذر الرئيس أردوغان من بوتين عن إسقاط الطائرة الروسية في سوريا في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 . ووقّع الطرفان بعد هذا الاعتذار على صفقة أس -400 وبناء مفاعل نووي جنوب تركيا ومد أنابيب جديدة للغاز ورفع حجم التبادل التجاري إلى 40 مليار دولار وتنفيذ الشركات التركية ما قيمته 30 مليار دولار من المشاريع الإنشائية في روسيا وجاء منها سنوياً 6 ملايين سائح إلى تركيا.
وهو ما تحقّق بعد سنوات من التوتّر في العلاقات الروسية- التركية بسبب دعم الرئيس بوتين للرئيس الأسد وتحالف أردوغان حينها مع الدول الغربية والخليجية من أجل التخلّص منه . وكان هذا الدعم الروسي والفيتو في مجلس الأمن كافياً لإفشال كل المخطّطات التركية وأهمّها أقامة حزام أو منطقة آمِنة سعت أنقرة من أجلها منذ اليوم الأول للأزمة وهو ما دفعها لفتح حدودها لأكبر عدد ممكن من النازحين السوريين ليكونوا مبرّراً لهذه المنطقة التي قدّمها بوتين لأردوغان على صحن من ذهب عندما سمح في أغسطس 2016 للقوات التركية بدخول سوريا من جرابلس إلى الباب ثم أعزاز فعفرين، لتمتد بذلك المنطقة الآمِنة على طول الحدود السورية مع تركيا لمسافة 350 كم. هذا إذا تجاهلنا سيطرة النصرة على إدلب ‘العصب العقائدي’ للرئيس أردوغان الذي رفض كل الاقتراحات الروسية في هذا الموضوع على الرغم من تعهّداته في إتفاق سوجي . وكان هذا الخلاف الروسي – التركي كافياً لأنقرة حتى تعود إلى ‘حبيبها الأول ‘ واشنطن ‘وجكارة’ بالرئيس بوتين الذي سيجد نفسه في وضع حرج جداً في علاقاته مع الرئيس الأسد وحليفه الرئيس روحاني بعد أن راهن على علاقاته مع أردوغان وتوقّع له أن يساعده في حل الأزمة السورية نهائياً.
وبات واضحاً أن الأمور ستزداد تعقيداً باستمرار ‘الغَزَل’ التركي -الأميركي بمضمونه الجديد وتقدّمه في المسار الذي تمّ الاتفاق عليه ليشمل مصالحة تركية مع قوات سوريا الديمقراطية ومن بعدها الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. ويتذكّر الجميع كيف سعت أنقرة منذ بداية الأزمة حتى حزيران 2015 لإقناع زعيمه صالح مسلم بضرورة التمرّد ضد الرئيس الأسد مقابل أن يحصل على ما يريده في سوريا الجديدة. وجاء آنذاك اختيار الكردي عبد الباسط سيدا رئيساً للمجلس الوطني السوري المعارض والكردي غسان هيتو رئيساً لحكومة المنفى فقط لإرضاء صالح مسلم ومعه زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي كانت علاقاته آنذاك جيّدة مع الدولة التركية فغضبت عليه بسبب موقف كرد سوريا . ولم تتقن دمشق آنذاك أسلوب التعامل معهم ما دفعهم للاستنجاد بالأميركيين فأعطوهم ما أرادوه ووعودهم بالمزيد وحصلوا منهم على ما يشاؤون سورياً وعراقياً وإقليمياً والآن تركيا .
بإختصار إن صحّت التوقّعات وأتفق الطرفان الأميركي التركي على تقاسم شرق الفرات بإنعكاسات ذلك على مجمل المشاكل المُعلّقة بين الطرفين فالمنطقة مقبلة على مرحلةٍ جديدةٍ من المعادلات الصعبة والرِهانات المُتناقضة بكل نتائجها المحتملة التي ستنعكس سياسياً وعسكرياً وأستراتيجياً على الجميع من أولئك الذين يفهمون أو لا يدركون. فالسياسة كمباراة لكرة القدم ملعبها في سوريا ولاعبوها 22 ومتفرّجوها من الملايين وحكَمها واحد ولكن من دون صفّارة!
الميادين