السبت , نوفمبر 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

وديـعـة رابـيـن ..

وديـعـة رابـيـن ..

يبدو أن الوديعة لم تحدث إنطباعاً قوياً لدى الرئيس حافظ الأسـد، فعلى الرغم من أنهُ قدّر أهميتها، لم يرى فيها ابتكاراً كبيراً، و لم يجدها عظيمة كما رآها الأمريكيون. لقد وجد فيها ثغرات كثيرة في كل مقترحاتها، مثل طلب رابين تقسيم سورية إلى أربع مناطق: منطقة منزوعة السلاح و خالية من الجنود، و منطقة ثانية فيها عدد محدود من الجنود ، و ثالثة يكون عدد الجنود محدوداً أيضاً، و تمتد عبر مسافة طويلة في عمق الأرض السورية، و منطقة رابعة عدد الجنود فيها غير محدود.

علق الرئيس الأسـد ساخراً : ” تريدون إعطاءنا الجولان و احتلال سورية بأكملها بدلا من ذلك؟. هذا يعني أن نزع السلاح سيصل حتى حمص”.

و بدا أن الاقتراح ليس سوى هدف واحد: تقليص قوة الجيش السوري. ” أنتم تتكلمون عن السلام بعقلية الحرب. حين نصل إلى السلام – إن كان أصيلا – لن يكون أي من هذه الإجراء ضرورياً “.

إضافة إلى ذلك، لم يكن يحب مصطلح “التطبيع” مفضلا استخدام ” علاقات سلمية طبيعية ” ، و هو مصطلح أصر عليه منذُ انطلاق عملية مدريد للسلام قبل ثلاث سنوات.
اقترح كريستوفر إقامة محطة إنذار مبكر فوق جبل الشيخ، و أن تكون لنا واحدة أيضاً في صفد المحتلة. و لكن الاقتراح لم يعجب الأسـد : ” لا نريد محطة إنذار مبكر في صفد، و لا فوق جبل الشيخ. فكّكوا فقط المحطة الموجودة لديكم حالياً، و لن تكون هناك حاجة إلى أية محطة أخرى! ” .

كان النقطة الرئيسية التي يحاول كريستوفر و روس إبداءها هي أن الرأي العام الإسرائيلي ليس مقتنعاً باستعداد سورية لتحقيق السلام، و أنه يطلب شيئاً في مقابل وديعة رابين. و بدا أن مسؤولي الولايات المتحدة مهتمون بالدعاية – كإجراء مقابلة مع صحيفة إسرائيلية، على سبيل المثال، أو السماح لصحفي إسرائيلي لزيارة سورية – أكثر من اهتمامهم بالجوهر. و كانوا دائماً يتحدثون و كأنه لا أهمية للرأي العام السوري.
و لأن حافظ الأسـد هو حافظ الأسـد، اعتقدوا أن بإمكانه إتخاذ أي قرار يريده، من دون أن يستشير الشعب السوري.

و هذا أصاب عصباً حساساً لدى الرئيس الأسـد، الذي انفعل على نحوٍ واضح، و أجاب بشدة : “المفروض أنكم وسطاء شرفاء، تمثلون الطرفين! ” . كما انزعج الأسـد من الجدول الزمني الذي يعطي خمس سنوات للانسحاب و تفكيك المستوطنات الذي اقترحه رابين، و قال : ” الجولان منطقة صغيرة جداً، و لا يحتاجون إلى سنوات. هذا مؤكد “.

كان الأسـد يعتقد أن الانسحاب يمكن أن يتم خلال ثلاثين يوماً. و قال في أحد الاجتماعات مع وارن كريستوفر : ” حين عملنا على إبرام إتفاقية الهدنة بعد حرب عام 1973، لم يتطلب إتمامها أكثر من خمسة عشر يوماً. ما السبب في أن الانسحاب يتطلب الآن مدة تصل إلى خمس سنوات ؟ ” . بالطبع لم يكن لدى كريستوفر أي جواب عن هذا السؤال، سوى القول إنّ اتفاقية الهدنة كانت محدودة و مؤقتة، في حين سيكون الانسحاب من الجولان نهائياً و كاملا.

طلب الرئيس الأسـد طعاماً خفيفاً و شراب الليمون لضيفه، و نصحهُ أن يفكر في الموضوع ، و أن يقوم بزيارة تدمر ليشاهد الآثار، و أن يلتقيا من جديد في اليوم التالي لمتابعة بحث المسألة.

من كتاب الدكتورة بثينة شعبان /عشرة أعوام مع حافظ الأسـد 1990-2000/ ص 151