لهذه الأسباب تفاقمت مشكلة البطالة في سورية
سلّط مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» الضوء على اختلالات سوق العمل في سورية، والاقتراحات لمعالجتها، وذلك من خلال نشره دراسة بعنوان «اختلالات سوق العمل في الاقتصاد السوريّ وسياسات تصحيحها 2001-2017»، للباحث الدكتور أيهم أسد.
وبينت الدراسة أن سوق العمل في الاقتصاد السوريّ يعاني من اختلالات تاريخية ومزمنة، ورصدت وحللت أربعة أنواع منها، هي الاختلالات البنيوية (عدم التوافق بين عرض العمل والطلب عليه)، والاختلالات الأجرية (الاختلاف في الأجور بين القطاعات الاقتصادية)، والاختلالات الجندرية (عدم المساواة بين الرجال والنساء في سوق العمل)، والاختلالات القطاعية (اختلاف توزع قوة العمل على قطاعات الاقتصاد).
وكشفت الدراسة عن أن الاختلالات الرئيسة لسوق العمل في سورية، إنما هي اختلالات مزمنة، بمعنى أن الاقتصاد السوري لم يتمكّن منذ عام 2000 وحتى عام 2017 من تصحيح تلك الاختلالات، وقد جاءت الحرب لتعمق من تلك الاختلالات، وتزيد من مسؤولية السياسات الاقتصادية في ضرورة معالجتها أيضاً.
واقترحت الدراسة 12 سياسة، لتصحيح تلك الاختلالات، وتحديداً لضمان تقليصها إلى الحدود، والبداية بضرورة وجود «إستراتيجية وطنية للتشغيل»، يتحدد على أساسها العرض والطلب المتوقعين على العمل مدّة 20 سنة قادمة، والسياسات اللازمة لخلق التوازن بين عرض العمل والطلب عليه.
كما اقترحت تطوير نموذج لـ«برامج العمل العام»، وهي البرامج الحكومية التي تهدف إلى توظيف السكان المحليين في مناطق محددة؛ ذلك للعمل ضمن مشاريع بنى تحتية تخدم بالدرجة الأساسية تلك المناطق، على أن تكون عملية التوظيف مرتبطة بمدة المشروعات المنفذة (وظيفة مفتوحة)، وأن تكون الأجور أعلى من المعدل الوسطي للأجور في القطاع العام، بحيث تكون تلك المشاريع قادرة على امتصاص عمالة محلية كبيرة متعطلة أو داخلة لأول مرة إلى سوق العمل.
تبادل معلومات الفرص
اقترحت الدراسة أيضاً دعم ابتكار وتطوير نظام معلوماتي غير مركزي لـ«تبادل معلومات فرص العمل» بين مراكز التشغيل الأساسية كالمناطق والمدن الصناعية والشركات الخاصة وغرف الصناعة والتجارة والزراعة في المحافظات، تكون مهمة هذه النظام بشكل أساسي التقليل من البطالة التي تنشأ نتيجة انتقال العمال من عمل لآخر، أو نتيجة انتهاء العمل الموسمي لبعضهم، بحيث يقوم ذلك النظام بتحديد التقاطعات بين طلبات العمال الراغبين في العمل والباحثين عنه وفق مهاراتهم (عرض العمل) والذين يتقدمون للحصول على عمل في مراكز التشغيل والشركات، وبين احتياجات طالبي العمال في مراكز العمل الأخرى (الطلب على العمل)، الأمر الذي يعني تحديداً أسبوعيّاً ويمكن أن يكون يوميّاً لتقديرات العرض والطلب على العمل، وتحديد نوعية العمل (عمل دائم، عمل مؤقت لمدة معينة، عمل بدوام جزئي، عمل بأجر يومي، عمل إنتاجي، عمل إداري)، وبالتالي القدرة على امتصاص البطالة وتخفيضها.
ومن المقترحات تركيز الدَّعم على مديرية مرصد سوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبخاصّة في ما تقوم به من ناحية إنشاء وتطوير نظام بيانات سوق العمل وتحقيق ربط آلي بين طالب العمل وصاحب العمل، وبخاصّة أن هذه النظم في طور الإنشاء ومدرجة ضمن خطة مرصد سوق العمل في عام 2019.
إضافة إلى تركيز الجزء الأكبر من الإنفاق الاستثماري المخصص في الموازنة العامة للدولة على أعمال البنى التحتية الأساسية في المدن الصناعية والمناطق الصناعية، أجل ضمان استمرارية عمل متواصلة لتلك المناطق، وضمان استمرار استقطابها ليد عاملة، والتوسع في إقامة وتنظيم المدن الصناعية في المحافظات السورية كافة.
اقرا ايضا: جهوزية تامة للجيش لاستئناف العمليات ضد ‘النصرة’
اقترحت الدراسة تعميق نشر سياسة التلمذة الصناعية التي بدأت وزارة التربية في تطبيقها منذ عام 2000 كأحد الأدوات المباشرة لربط مخرجات التعليم بسوق العمل، ودعم أنشطة المسؤولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص التي يكون لها أنشطة تدريب مؤقت أو تشغيل مؤقت لفئات اجتماعية معينة كإمكانية تدريب خريجين جدد من اختصاصات علمية معينة لمراحل زمنية في قطاعات معينة كالمصارف والتأمين، مثلاً، وبشكل مجاني لإكسابهم خبرة مسبقة للدخول إلى سوق العمل، وذلك بالتوازي مع دعم سياسة التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة بعامّة في المحافظات السورية كافة، ودعمها أكثر في المحافظات التي كانت أكثر تضرراً من غيرها جراء الحرب كحلب وريف دمشق ودير الزور ودرعا، ودعم التي تعمل منها في مجال الصناعة أو التي تستقطب يداً عاملة نسوية أكثر من غيرها.
أجور
اقترحت الدراسة أيضاً، العمل على تشجيع زيادة عدد مؤسسات التمويل الاجتماعي المرخصة على المرسوم التشريعي رقم (15) لعام 2007، إذ لا توجد حتى الآن سوى مؤسستين مرخصتين فقط وفق أحكام ذلك المرسوم، والتي تقدم خدمات التمويل الصغير والمتناهي الصغر.
إضافة لتفعيل دور اللجنة الوطنية للحد الأدنى للأجور المنصوص عليها في قانون العمل رقم (17) لعام 2010، وتطوير آلية لتكون قراراتها نافذة وملزمة للقطاع الخاصّ، من أجل حفظ وصيانة حقوق العمال الأجرية فيه، وضبط وتقليل الاستغلال الأجري فيه، وبخاصّة أن القطاع الخاص يشغل نحو (57 بالمئة) من قوة العمل وفق إحصائيات عام 2017، أي نحو (2.1) مليون مشتغل، بالترافق مع تفعيل دور لجان تحديد أجور العمال الزراعيين المنصوص عليها في قانون العلاقات الزراعية، رقم (56) لعام 2004، بما يكفل حدّاً أدنى من الأجور لهؤلاء العمال ويقلل التفاوت بين أجورهم وأجور العمال في باقي القطاعات، وتحديداً النساء منهم.