“واشنطن بوست”: فوضى كاملة في شمال سوريا بعد التوغل التركي
تناولت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في تقرير لها مسألة الانسحاب الأميركي من شمال سوريا نتيجة التوغل التركي فيها والاضطرابات في المنطقة والخشية من الاصطدام بميليشيات سورية متشددة. والآتي ترجمة لنص التقرير:
أسفر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، عن سلام غير مستقر بين القوى المتنافسة، وترك المنطقة في اضطرابات يوم الأحد والإدارة الأميركية تسعى جاهدة للرد على الأحداث سريعة الحركة.
ففي الاجتماعات العاجلة والمؤتمرات الهاتفية، درس كبار مسؤولي الأمن القومي روايات متضاربة في كثير من الأحيان لما كان يحدث على أرض الواقع. في المظاهر العلنية، أنكر الوزراء أن الولايات المتحدة “تخلت” عن حلفائها الأكراد السوريين أمام غزو القوات التركية وهددوا بفرض عقوبات صارمة ضد أنقرة.
وقال مسؤول كبير في الإدارة في منتصف النهار، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته حول الوضع المربك في سوريا، إن “هذه فوضى تامة”.
وأضاف المسؤول الأميركي أنه على الرغم من أن “الأتراك أعطوا لنا ضمانات” بأن القوات الأمريكية لن تتضرر، فإن الميليشيات السورية المتحالفة معها تعمل على الطرقات وتهاجم المركبات، تضع القوات الأميركية – وكذلك المدنيين – في خطر حتى أثناء الانسحاب. فالميليشيات، المعروفة باسم “الجيش السوري الحر”، “مجنونة وغير موثوقة”.
وأشار المسؤول نفسه إلى أنه في الوقت نفسه، فإن تنظيم “داعش” ينشط في المنطقة، وهناك تقارير تفيد بأن القوات الروسية والسورية تتحرك كذلك. وقال المسؤول الذي وصف الوضع بأنه “عاصفة تامة”، إن “من الواضح أننا لم نستطع الاستمرار”.
وأضافت الصحيفة أنه وسط تقارير تفيد بأن مقاتلي تنظيم “داعش” يفرون من السجون في المنطقة، أكد مسؤول أميركي أن القوات الأميركية لم تكن قادرة على تنفيذ خطط لنقل عشرات المعتقلين ذوي القيمة العالية إلى أماكن أكثر أماناً، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”. وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن العديد من مراكز الاحتجاز التي يديرها الأكراد أصبحت الآن غير خاضعة للحراسة وأن الجيش الأميركي يعتقد أن مئات المعتقلين قد فروا.
وقد قرر ترامب مساء السبت سحب جميع القوات الأميركية البالغ عددها نحو 1000 جندي من المنطقة في غضون أسابيع، حيث امتد الغزو التركي الذي استهدف المقاتلين الأكراد السوريين المتحالفين مع الولايات المتحدة ضد “داعش” في عمق الأراضي السورية، قاطعاً خطوط الإمداد الأميركية ومعرضاً القوات الأميركية للخطر.
منذ أسبوع، وبعد مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمر ترامب عشرات الجنود بالانسحاب من المنطقة الحدودية المباشرة عندما قالت تركيا إن هناك غزواً وشيكاً.
وفي الكونغرس، كان انتقاد كل من تركيا وترامب صريحاً ومن كلا الحزبين. وقال السناتور جاك ريد، الديموقراطي البارز في لجنة القوات المسلحة، في بيان إن “الضعف وعدم الكفاءة الذي أظهره هذا الرئيس عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي مذهل”. وقال ريد، متهماً ترامب بـ”الانحناء للأوتوقراطيين”، “بدلاً من إخبار أردوغان بالتنحي، فإن الرئيس ترامب في تراجع تام. إنه لأمر مخزٍ”.
وقد كرر المسؤول الكبير نفيه بأن ترامب أعطى أردوغان “ضوءاً أخضر” لإرسال قواته إلى سوريا. وقال المسؤول: “لقد قال ترامب لإردوغان: (لا تفعل هذا وإلا فإن الأمور السيئة ستحدث)”، مثل إلغاء العروض الأميركية لتحسين التجارة بين البلدين، ومنع تركيا من الانضمام إلى برنامج الطائرة المقاتلة من طراز “أف – 35″، وإلغاء دعوة إردوغان لزيارة البيت الأبيض الشهر المقبل.
وقال المسؤول إن ترامب لم يقل “لا تفعل هذا لأن قواتنا ستقصف” القوات التركية، لأن مثل هذا العمل يعتبر غير قانوني ما لم يتم دفاعاً عن النفس.
وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، الذي تحدث على موقع “فوكس نيوز صنداي”، إن تركيا ملتزمة التزاماً تاماً بتشغيلها بغض النظر عما فعلته الولايات المتحدة، وأن الإدارة لا تريد خوض حرب مع حليف قديم في حلف الناتو .
ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن تركيا تبدو حليفاً كبيراً الآن، قال إسبر إنه لا يعتقد ذلك. وقال “أعتقد أن تركيا، كان محور سلوكهم على مدى السنوات القليلة الماضية فظيعاً. أقصد، إنهم يدورون خارج مدار الغرب، إذا صح التعبير”.
وقال مسؤولون أميركيون إن الاعتقاد بأن القوات الأميركية كانت في خطر متزايد عندما هاجمت تركيا وحلفاؤها البلدات الحدودية واستمرت في تقدمها قد أدى إلى إعلان الانسحاب الجديد. وقال المسؤولون ان تركيا أطلقت قذائف مدفعية عدة يوم الدمعة بالقرب من موقع للعمليات الخاصة الأميركية في المنطقة بالرغم من معرفة موقعها.
وبرغم كونها قليلة العدد نسبياً، فإن القوات الأميركية في شمال وشرق سوريا إلى جانب الوحدات الفرنسية والبريطانية، قد ساعدت ووجهت المعركة البرية بقيادة الكرد ضد “داعش” لعدة سنوات وقدمت حصناً رمزياً ضد تدخل الحكومة السورية والقوى الخارجية.
مع رحيلهم، سارع العديد من اللاعبين في النزاعات السورية المتداخلة للحصول على ميزة بينما فر المدنيون من القتال وهرب عدد غير معروف من السجناء المنتمين لـ”داعش”.
استغلت الفرصة بسرعة القوات الحكومية السورية المدعومة من إيران وروسيا، والتي كانت معلقة لفترة طويلة عن تجاوز الخطوط غير الرسمية للسيطرة على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد وتراقبها الولايات المتحدة في سوريا. فقد أعلن المقاتلون الأكراد، الذين تفوق عليهم الأتراك وحلفاؤهم في الميليشيات السورية، يوم الأحد الماضي، أنهم دعوا قوات الحكومة السورية إلى البلدات والمدن الخاضعة لسيطرتهم منذ سنوات.
وقال مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية: “لا نريد الروس والسوريين هناك، لكن من الواضح أننا نفهم سبب وصولهم”. وقال المسؤول إن الاتصالات المستمرة منذ فترة طويلة بشأن نزع السلاح الجوي في سوريا مستمرة مع روسيا، لكن “لم نكن على اتصال بأي طريقة أو شكل أو نموذج لدعوتهم أو تبادل وجهات النظر حول الشرق الأدنى معهم”.
ومع استمرار تطور الوضع، يخطط المسؤولون الأميركيون لرد يقوم على العقوبات، التي ستُفرض على تركيا يوم الاثنين.
وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين، الذي ظهر في برنامج “هذا الأسبوع” على شبكة ABC، إنه تحدث يوم الجمعة مع وزير المالية التركي، كما أن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية على اتصال مع نظرائهم الأتراك. وقال “إنهم يعرفون ماذا سنفعل إذا لم يتوقفوا عن هذه الأنشطة”. في الأسبوع الماضي، هدد ترامب بـ”طمس” الاقتصاد التركي.
وأضافت الصحيفة أن الإدارة الأميركية تعتقد أن العقوبات – ومع العلم بأن تركيا لا ترغب في مواجهة الجيش السوري أو حليفه الروسي – هي أفضل الأسلحة لإقناع تركيا “بالتصرف بشكل جيد”، على حد قول المسؤول الرفيع في الإدارة.
وقال المسؤول إن المطالب الأميركية للأتراك تشمل وقف إطلاق النار، وكذلك كبح جماح الميليشيات السورية (المعارضة)، ومعاملة “الناس بشكل جيد” والتراجع إلى الحدود المتفق عليها إلى منطقة آمنة في سوريا تم التفاوض عليها مع الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة. وكانت تلك الحدود محددة بعمق 8.6 أميال، مع الاتفاق على أن الأتراك يمكنهم القيام “بدوريات” حتى الطريق السريع بين الشرق والغرب على بعد حوالي 20 ميلاً من الحدود التركية.
استمرت روايات المسؤولين عن خطة القوات الحالية في التناقض يوم الأحد. وقال أحد المسؤولين إن البنتاغون سحب جميع القوات الأميركية من شمال سوريا وكان يقوي الموقف الأميركي في قواعد أبعد جنوباً، بما في ذلك بالقرب من دير الزور. وكان من المتوقع أن يغادر المئات من القوات الأميركية سوريا في غضون أيام. وقال مسؤول أميركي آخر إن ترامب أمر البنتاغون بسحب جميع القوات في غضون 30 يوماً، باستثناء القوات الموجودة في أقصى جنوب شرق البلاد، حيث يوجد أقل من 150 جندياً أميركياً في حامية التنف.
لطالما ارتبطت التنف بشكل مباشر برغبة الولايات المتحدة في وقف توسع إيران في سوريا أكثر من مهمة احتواء “داعش”. ويُنظر إلى موقع القاعدة على طول طريق سريع يربط دمشق ببغداد وإيران كرادع مهم لقدرة إيران على إعادة تزويد قواتها في سوريا.
وقال المسؤولون الأميركيون إن بعض مسؤولي البنتاغون، من المدنيين وممن يرتدون الزي العسكري، بدأوا اعتباراً من يوم الأحد التعبير أكثر عن غضبهم وخيبة أملهم إزاء رد الإدارة الأميركية على الوضع، وفي الأحداث المقلقة على الأرض. لقد وصفوا التخطيط المحيط بقوات الولايات المتحدة المتبقية في سوريا بأنه أكثر فوضوية واندفاعاً مما يصور من قبل قيادة الإدارة.
اقرأ المزيد في قسم اخبار سريعة
ورد أردوغان بغضب على الإدانات التي تلقاها من قادة العالم خلال الأيام القليلة الماضية، والتي تضمنت تهديدات بحظر الأسلحة وعقوبات اقتصادية ومطالبات بأن تتفاوض تركيا مع الأكراد لإنهاء القتال في شمال سوريا.
وقال أردوغان الأحد: “لقد ألقى وزير الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني خطاباً أمس وقال إنه سيتوقف عن بيع الأسلحة لتركيا”. لقد تحدثت للتو مع المستشارة [أنجيلا] ميركل. طلبت منها أن توضح لي شيئاً ما: (هل نحن حلفاء في الناتو أم لا؟ أم أن المنظمة الإرهابية الآن هي عضو في الناتو؟)”.
وتعتبر تركيا المقاتلين الأكراد السوريين إرهابيين متحالفين مع الأكراد الأتراك الذين شاركوا في حملة عنيفة من أجل الحكم الذاتي في ذلك البلد.
وقال إردوغان: “لا أعرف أي نوع من رؤساء الوزراء أو رجال الدولة هم. كيف يمكنك أن توصي بالجلوس على طاولة واحدة مع الإرهابيين؟”
ولم يعطِ أردوغان أي إشارة إلى أنه يعتزم وقف الهجوم التركي. وقال إن القوات التركية ستضغط على مسافة 20 ميلاً داخل سوريا. وقال: “إلى أن يغادروا الفضاء، سنستمر في العملية”، في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية” التي يهيمن عليها الأكراد. وأضاف: “لن نسمح بإنشاء دولة إرهابية في شمال شرق سوريا”.
وقلل ترامب من القلق بشأن الأزمة لأيام، قائلاً إن تركيا ستكون مسؤولية عن أي فرار لمقاتلي “داعش” في ظل الفوضى. وغرّد ترامب الأحد قائلاً: “من الذكي جداً عدم التورط في قتال مكثف على الحدود التركية، من أجل التغيير”، واتهم “هؤلاء الذين ورطونا خطأً في حروب الشرق الأوسط” بأنهم يدفعون الولايات المتحدة للبقاء في القتال.
وأضاف ترامب أن الكرد والأتراك يقاتلون بعضهم لسنوات، في إشارة إلى الانتفاضة الكردية في تركيا منذ عقود.
وقال ترامب: هناك آخرون يريدون التدخل والقتال إلى جانب طرف ضد طرف آخر. دعوهم، فإننا نراقب الوضع عن كثب. إنها حروب لا تنتهي!”. وأضاف في تغريدة لاحقة أنه يعمل مع أهضاء في الكونغرس لفرض عقوبات على تركيا. وتابع: “هناك إجماع كبير على ذلك. تركيا طلبت عدم فعل ذلك”.
وبعد عودته إلى البيت الأبيض من ملعب الغولف بعد الظهر، غرّد ترامب منتقداً طلب عزله من قبل الديمقراطيين في الكونغرس، قائلاً إن السجناء المنتمين إلى “داعش” لن يسمح لهم أبداً بدخول الولايات المتحدة.
ترجمة: هيثم مزاحم – الميادين نت
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73