تعاويذ ودمى لجلب الحبيب.. قصة السحر والحب عبر التاريخ
الكل يبحث عن الحب، هذه حقيقة لا تتغير عبر الزمان أو المكان. هناك أولئك المحظوظون الذين يجدونه بسهولة ويتبادلونه مع محبيهم بسلاسة، أو من يبحثون عنه ويتمنون أن يبادلهم شخص ما هذه المشاعر، لكن دون جدوى. ومن هنا يبدأ البعض في التفكير بشكل غير عقلاني. هؤلاء يريدون الحصول على المحبوب مهما كلف الثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو اللجوء إلى السحر والتعاويذ.
ربما يظن بعضنا أن انتشار السحر والدجل في موضوع الحب، هو ما نشاهده في زمننا الحالي، والمرتبط ببعض فئات المجتمع الشعبية، من الذين يذهبون إلى الدجالين من أجل تعويذة ما تجعل فلانة تحب فلانًا، أو من أجل زرع الكراهية بين زوج وزوجته.
لكن ما لا يعرفه البعض، أن هذه الممارسات قديمة قدم التاريخ نفسه؛ لأن مشكلات القلب لا تتغير عبر الثقافات والتاريخ. ففي حين عوقب السحر واضطُهد في بعض العصور القديمة، إلا أنه ازدهر في غالبية الأوقات، بل يمكن القول بإن السلطات وإن كانت تدينه علنًا، فإنها كانت تميل إلى تجاهل قبضتها القوية عليه.
من بين أبرز ممارسات السحر في التاريخ، كانت تلك المتعلقة بالتعويذات الجنسية وتعويذات الحب. فالسحرة المحترفون يتحصلون دائمًا على رسوم مقابل كتابة تعاويذ سحرية جنسية، وصنع الدمى المسحورة، وحتى توجيه اللعنات ضد المنافسين في الحب.
1. دم السمك لجذب الحبيب في مصر القديمة
البرديات السحرية اليونانية هي سلسلة من كتب التعويذات القديمة في مصر، في الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الخامس الميلادي. تمثل هذه التعويذات نوعًا من الدليل الشخصي للطقوس السحرية التي يمكن أن يقوم بها الشخص العادي بمفرده، والتي تقدم حلولًا لمشكلات مثل العثور على لص، والبقاء هادئًا، وعلاج الحمى والحيازة الشيطانية. وبالطبع، كانت واحدة من أهم التعويذات في هذه البرديات هي تلك المتعلقة بالحب.
اعتمادًا على المدى الذي كان العاشق على استعداد للذهاب إليه، ومستوى شهوته ومقدار هوسه أو يأسه للحصول على محبوبته، كان هناك تعويذة لكل مستوى من هذه المستويات. فبعض التعويذات بسيطة، مثل: «لإحضارها إلى الحمام: افرك حشرة القرادة على عورة كلب ميت».
البعض الآخر يتطلب المزيد من العمل التحضيري. إحدى التعويذات الموصوفة في البرديات اليونانية بأنها «تعويذة عدم الحب التي لا تقاوم للجاذبية» تطلب من الحبيب استخدام دم السمك لكتابة تعويذة تستدعي الشياطين على جلد الحمار، ثم لف الجلد في نبات البيقة وإخفاءه في فم كلب متوفى مؤخرًا.
دمية اللوفر
تتطلب معظم التعويذات هنا مكونات خاصة تستخدم بطريقة محددة مع الكلمات الغامضة. هذه التعويذات لم تترك آثارًا حفرية يمكننا إيجادها. لكن بعض تعويذات الحب التي تطلب أن يكون لدى الحبيب خاتم حديدي منقوش عليه «Harpocrates (إله الصمت الهلنستي)» جالسًا على لوتس في أيديهم، بينما كانوا يصرخون بكلمات سحرية فوق سطح المنزل للقمر، وقد عُثر بالفعل على أحجار كريمة بمثل هذا الوصف.
تتضمن بعض التعويذات صنع دمى، والتي كانت تهدف إلى تمثيل هدف الرغبة (عادة ما تكون امرأة إما غير مدركة للحب أو تقاوم محبوبًا). حددت التعليمات كيفية صنع الدمية، والكلمات التي يجب أن تقال عليها، ومكان إيداعها. هذا النوع يمثل شكلًا من أشكال «سحر التعاطف»، وهو نوع من السحر الذي يعمل على أساس مبدأ «التأثير التماثلي». عند تفعيل هذا السحر مع الدمية، يعتقد الساحر أن أي عمل يقوم به على الدمية، سواء كان جسديًّا أو نفسيًّا، سينتقل إلى الإنسان الذي تمثله هذه الدمية.
أفضل دمية سحرية محفوظة وأكثرها شهرة من العصور القديمة، ما يسمى «دمية اللوفر» من القرن الرابع الميلادي، وتصور أنثى عارية في وضع راكع، مقيدة ومثقوبة بـ13 إبرة. عثر على هذه الدمية، المصنوعة من الطين، في إناء من الطين في مصر. تسجل التعويذة المصاحبة، المدرجة على لوح الرصاص، المرأة باسم بطليموس، والرجل الذي قام بالتعويذة، أو كلف ساحرًا لفعل ذلك، باسم سارابامون.
2. لعنات الحب في الإمبراطورية الرومانية واليونان
في عام 1935، عثر على خاتم ذهبي مكتوب عليه باللغة اليونانية «ΠOΛEMIOYΦIΛTPON (سحر حب بوليميوس)». لا يعرف بالضبط قصة هذا الخاتم، لكن تذهب الروايات إلى أن بوليميوس كان رجلًا ارتدى هذا الخاتم لتعزيز جاذبيته وصفاته الجنسية، أو ربما قُدِم بشكل واضح كهدية. يمثل هذا الاكتشاف شيئًا شخصيًّا فريدًا من الإمبراطورية الرومانية؛ إذ يتحدث عن الرغبات غير المحققة لرجل يوناني منذ أكثر من 1700 عام.
استخدمت التعويذات السحرية في العالم القديم، وتحديدًا في اليونان والإمبراطورية الرومانية، من أجل إدانة اللصوص وحماية الأعمال، وتدمير فرق العربات المتنافسة، وأيضًا من أجل خلق فرص أفضل للعشاق. في بعض الأحيان، كان الشريك المطلوب يوجد في علاقة بالفعل، لذلك كان الحبيب يلعن شريكه لتشويه سمعته، أو إيذائه، أو قتله.
تذكر الآثار أيضًا وجود قرص مكتوب عليه لعنة سحرية في مدينة بيوتيا اليونانية، من قبل امرأة واقعة في حب رجل، وتحاول لعن زوجته: «أنا أسند زويس الإريتري، زوجة كابيرا، إلى الأرض وهيرميس للعن طعامها، شرابها، نومها، ضحكها، جماعها، لعبها للكيتارا، وسعادتها، وأردافها الصغيرة، وتفكيرها، وعينيها».
الألواح التي تكتب عليها التعويذات واللعنات كانت غالبًا تطوى، وأحيانًا تثقب بإبرة تمر عبر الاسم المكتوب المرصود بهذه اللعنة. بعد ذلك تلقى في الأنهار، والينابيع المقدسة، أو تخبأ في أماكن سرية، أو توضع في قبور الموتى الجدد.
أيضًا، اقترحت وسائل سحرية لحل المشكلات الطبية ذات الصلة، فقد أوصى Aelius Promotus، وهو طبيب سكندري، بأن الشعير المنقوع في دم الحيض والملفوف في جلد البغل يمكن ربطه بالمرأة لمنع الحمل. بالمقابل، اقترح مارسيلوس من مدينة بوردو الفرنسية أنه يمكن علاج الدافع الجنسي المتضائل من خلال إيجاد مثير للشهوة الجنسية. واقترح ارتداء الخصية اليمنى للديك في كيس حول الرقبة.
3. التعويذات الأكثر فاعلية ذات كلمات مخيفة وقاسية
تشهد معظم الأدلة القديمة على هيمنة الرجال على السحر؛ إذ كانوا هم الممارسين السحريين المحترفين، وكانوا أيضًا الزبائن. ويرجع ذلك إلى الحاجة لمعرفة القراءة والكتابة من أجل أداء معظم عمليات السحر، وفي تلك الأزمنة القديمة، لم تكن معظم النساء متعلمات، بالإضافة إلى أنهن لم يكن زبائن؛ لأن معظم النساء لم يكن أحرارًا في استقبال الزوار أو لديهن عمل. ومع ذلك، تشير بعض المصادر النادرة إلى مشاركة بعض النساء أيضًا في السحر الجنسي.
في أثينا القديمة، على سبيل المثال، قدمت امرأة إلى المحكمة بتهمة محاولة تسميم زوجها. سجلت تفاصيل المحاكمة في خطاب ألقي نيابة عن الادعاء (بتاريخ حوالي 419 قبل الميلاد)، وهو يشمل دفاع المرأة، التي ذكرت أنها لم تكن تنوي تسميم زوجها، ولكنها كانت تحاول إعطاءه «شراب الحب» لتنشيط الزواج.
يكشف الخطاب أن سكان أثينا كانوا يمارسون ويؤمنون بـ«جرعة الحب»، وقد يشيرون إلى أن هذا الشكل الأكثر دقة من السحر المرتبط بالعاطفة والحب والجنس، مقارنة بإلقاء التعاويذ وصنع الدمى المسحورة، كان للحفاظ على النساء. لأنه في المقابل، لم تكن التعاويذ التي رافقت الدمى والتعويذات التي ذكرناها، معتدلة في اللغة والصور المستخدمة. غالبًا ما كانت التعاويذ القديمة عنيفة ووحشية، وبدون أي شعور بالحذر أو الندم.
البرديات السحرية اليونانية
فعلى سبيل المثال، كانت التعويذة الموجودة مع «دمية اللوفر»، ذات لغة مخيفة وطاردة في سياق حديث؛ إذ يقول جزء من التعويذة الموجه إلى المرأة: «لا تسمح لها بالأكل، أو الشرب، أو الصمود، أو الخروج، أو العثور على النوم».
تدل هذه اللغة بالكاد على أي عاطفة تتعلق بالحب، أو حتى الانجذاب العاطفي. قد يظن القارئ لهذه التعويذات أنها تتعلق بشخص مهووس أو حتى شخص يكره النساء. في الواقع، بدلًا من البحث عن الحب، تقترح النية وراء التعويذة السعي إلى السيطرة، فكلما كانت الكلمات أكثر شراسة، كانت التعويذة أكثر قوة وفعالية.
4. الآلهة أيضًا تُستخدم في التعاويذ
كانت اللعنات شخصية، بين الشخص وبين إله. يستعدى الآلهة والإلهات بانتظام في تعاويذ السحر. على سبيل المثال، يُضمَّن الإله أنوبيس في التعاويذ بمصر القديمة، لدوره كإله لأسرار السحر المصري. وغالبًا ما تتضمن التعاويذ الإله اليوناني هيرميس؛ لأنه كإله رسول، كان يعد اختيارًا مفيدًا في التعاويذ التي تطلب الاتصال بشخص ما.
لم يكن الميل إلى الجمع بين الآلهة من عدة ثقافات غير شائع في السحر القديم، مما يدل على طبيعته الانتقائية وربما شكل من أشكال التحوط في رهانات المرء. بمعنى أن الشخص الذي يريد عمل سحر ما، كان يستخدم أكثر من إله؛ حتى إذا لم يستمع له إله من ديانة ما، فربما يستمع له إله من دين آخر.
التعاويذ المثيرة العديدة في العصور القديمة، من الجرعات السحرية إلى الدمى والجواهر والطقوس المسحورة، لا توفر فقط معلومات عن السحر في العالم القديم، ولكنها كانت تعكس التعقيدات والاتفاقيات الثقافية حول الجنس والحب أيضًا.
5. السحر في عصر النهضة يستهدف الزواج لا الأزواج
خلال فترة القرون الوسطى المتأخرة (القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر)، تطور الزواج ليتحول إلى مؤسسة مركزية للحياة العامة. انعكس هذا في السحر المرتبط بالحب. كانت الرغبة الفورية لهذا السحر في فعل الجماع نفسه، لكن هذا لم يمنع من ممارسة السحر في محاولة إقامة اتحاد دائم مثل الزواج.
كان السحر مكلفًا، ويمكن أن يسبب ضررًا شديدًا للمستهدفين. لذلك لم يؤخذ على محمل الجد. وبالتالي، لم تكن التعويذات تلقى على أي شخص في عصر النهضة، ولكن على تلك الزيجات التي كانت لها أهمية خاصة. كان الرجال والنساء ذوو المكانة في كثير من الأحيان هدفًا لسحر الحب. غالبًا ما تمنع قيود الطبقة الاقتصادية أو الاجتماعية الزواج، ويُنظر إلى سحر الحب على أنه وسيلة لكسر هذه الحواجز، مما يؤدي إلى التقدم الاجتماعي.
ومع هيمنة المسيحية الكاثوليكية في أوروبا خلال عصر النهضة، تسللت عناصر من الكنيسة المسيحية إلى الطقوس السحرية نفسها. ففي كثير من الأحيان، أخفيت الدمى الطينية أو لفائف التعويذات المكتوبة في المذبح في الكنائس، أو تضاء الشموع المقدسة في الطقوس السحرية. وأحيانًا كان يؤخذ المضيف من القداس الكاثوليكي ويستخدم في الطقوس؛ للحصول على النتيجة المرجوة. وهكذا، فإن سحر الحب في عصر النهضة كان مسيحيًّا وثنيًّا على حد سواء.
ساسة بوست
اقرأ أيضا: 5 أبراج تهوى المجادلة في كل شيء.. تجنبوها!
شكراً لكم لمشاركة هذا المقال.. ضع تعليقك في صفحتنا على موقع فيسبوك