الإثنين , نوفمبر 25 2024

ماذا تعرف عن العالم الغريب للعائلة الملكية البريطانية؟

قد نلج إلى عالم العائلات الملكية عبر القصص الخيالية. فنلقي نظرة على الأميرات المتألقات والأمراء المحظوظين والملوك، الحكماء منهم والأشرار، الذين يسكنون بين سطور هذه القصص، التي نتعلم منها دروسا وعبرا كثيرة عن الحياة، وتتوغل حكاياتهم في وجداننا كتوغل الأغصان المتشابكة حول قصر الأميرة النائمة.

وترسخت الطقوس والمراسم والتيجان والعروش المرتبطة بالمؤسسة الملكية وفكرة القضاء والقدر التي تتجلى في الاستسلام للعنات الساحرات والآلهة والوعود الذهبية،في أذهاننا من قبل أن ندرك معناها.

بيد أن معظمنا يكتشف مع بلوغنا أن الجانب الساحر والخيالي من حياة أفراد العائلة الملكية هو سلاح ذو حدين.

صحيح أن البُسط الحمراء تُفرش لهم أينما يحلون، لكن شهرتهم فرضت عليهم منذ نعومة أظافرهم، وتلاحق الجواهر المبهرة أضواء الكاميرات التي تخطف الأبصار، لذا في أحيان كثيرة تتحول القصور إلى أقفاص ذهبية.

وعلى الرغم من ذلك، من الصعب التخلص من الرغبة الجارفة في التعرف على حياة العائلة الملكية، ربما لأن أفراد هذه المؤسسة المحيرة التي تبدو كأنها تنتمي إلى عصور سابقة، قد تذكرنا بأيام كنا نتلهف لاستماع القصص الخيالية فيها، خاصة بعد أن أطفأت تفاصيل حياتنا اليومية هذه اللهفة بعد البلوغ.

بيد أن روايتين جديدتين أثبتتا أن الأدب الخيالي لا يزال يعد مدخلا للتعرف على جوانب عديدة من الحياة الملكية، فيتيح للمؤلفين استكشاف اللحظات الخاصة وسبر أغوار الشخصيات التي يُمنع المؤرخون وكتّاب السير الذاتية من الكتابة عنها بسبب البروتوكولات والقواعد الملكية.

والمفارقة أنه رغم الدور الطاغي الذي يلعبه أفراد العائلة الملكية في طفولتنا، إلا أن طفولتهم، بحكم الأعراف والتقاليد، تبين أنها كانت مليئة بالمشاكل والصعوبات، هذا ما تكشفه الروايتان “المربية” و”أميرة إنجليزية خالصة” ببراعة فائقة، لاسيما وأن المؤلفتين، ويندي هولندن وكلير ماكهيو، لديهما الهوس بالعائلة الملكية منذ الصغر.

كانت هولدن تعشق مطالعة الصور القديمة في كتاب جدتها وتتأمل مراسم تتويج الملك جورج السادس، والد الملكة إليزابيث الثانية.

وتقول هولدن: “كنت أعلم أن التيجان والفراء لها بريق آخاذ، ولكن أكثر ما كان يلفت نظري في هذه الصور هو الشخصيات، لأنها كانت تبدو كأنها مأخوذة من القصص الخيالية، ومنذ ذلك الحين، رغبت، في قرارة نفسي، في تحويلها إلى رواية. ولكن هذه الرغبة لم تتحقق حتى صادفت قصة ماريون كراوفورد الرائعة التي كانت مدخلا لروايتي”.

كانت ماريون كراوفورد فتاة طموحة تهتم بالقضايا الاجتماعية، وكانت تتطلع لتعليم الأطفال في أزقة إدنبره، ولكنها أصبحت في نهاية المطاف مربية لأميرتين، إليزابيث، التي تُكنى بليلبيت، وأختها الصغرى مارغريت. وظلت معهما لمدة 17 عاما حتى تقاعدت في عام 1948، وحينها ارتكبت خطأ فادحا بتأليف كتاب “الأميرات الصغيرات” عن تجربتها مع العائلة الملكية، وتسبب نشره في قطع علاقتها بالعائلة الملكية مدى الحياة.

وتصف هولدن الحقائق التي كشفتها كراوفورد بأنها غير مسيئة بالمعايير الحالية، مع أنها تتضمن مفاجآت تثير شغف الروائيين.

وتقول: “إن القصة كشفت عن جوانب غير متوقعة من شخصية ملكتنا شديدة التحفظ بأنها كانت تعاني من القلق وكانت ضعيفة وسريعة التأثر”.

وقبل أن تدخل كراوفورد إلى حياة الفتاتين، كان يتعين عليهما الحفاظ على نظافة ملابسهما طوال الوقت ولم يكن مسموحا لهما بالخروج عن مسارات محددة في الحديقة.

وتقول هولدن إن كراوفورد التي تتخل عن اهتمامها بالقضايا الاجتماعية، عزمت على اصطحاب الفتاتين إلى العالم الخارجي لتريهما مظاهر الحياة الطبيعية. وركبتا معها القطار وتسوقوا معا في حي وولويرث وسبحوا في المغاطس العامة”.

وبينما كانت الفتيات في سنهما يتشوقن لرفاهية الحياة الملكية، فإن الأميرة إليزابيث ذهلت لمرأى السلم المتحرك في محطة قطار الأنفاق في لندن. وتقول هولدن إن اندهاش الفتاة لتحرك السلم يكشف عن مثالب الحماية المفرطة للأطفال.

وتقول هولدن: “إن التربية الملكية قد تكون مضرة إذا كانت تعزل أفراد العائلة الحاكمة عن الشعب الذي يكره الغرور والسلوكيات المتعجرفة. وقد شعرت كراوفورد أن إليزابيث ومارغريت تعيشان حياة رسمية ومنعزلة تتميز بطابع العصر الفيكتوري الذي لا يمت بصلة للعصر الحديث. ورأت أن هذا سيضرهما على المستوى الشخصي والعملي، كأفراد في العائلة الحاكمة. ولهذا اصطحبتهما خارج القصر لتريهما حياة الناس اليومية، وحفزت بداخلهما حس الفكاهة والإبداع والمغامرة”.

وترى هولدن، أنه بفضل كراوفورد، التي لا يزال اسمها مرادفا للخيانة في الأوساط الملكية، استطاعت هذه الطفلة الضعيفة والخائفة أن تصمد أمام بعض المنعطفات التاريخية التي مرت بها بريطانيا.

وتقول هولدن، إن كرافورد كانت تدعم الأميرتين وترشدهما في السنوات الفارقة عند التتويج المفاجئ لأبويهما بعد تخلي الملك إدوارد الثامن عن العرش، وأثناء الحرب العالمية الثانية، ولا شك أن هذه الأحداث، التي تستهوي المؤلفين لتحويلها إلى قصة خيالية، كانت بالتأكيد مرعبة ومربكة”.

وباعت رواية هولدن أكثر من ثلاثة ملايين نسخة عالميا، ولكن “المربية” تعد أولى محاولتها لخوض غمار القصص التاريخية، ومع أنها عكفت على قراءة جميع الكتب عن هذا العصر، حتى إنها كانت تبحث عن الكتب التي نفدت طبعاتها في متاجر الكتب المستعملة، إلا أنها تقول إن المصدر الرئيسي الذي استمدت منه روايتها كان خيالها.

أما ماكهيو، التي لديها خبرة 30 عاما في المجال الصحفي، فكانت تجد صعوبة في السماح لنفسها بشيء من الحرية في نسج بعض الأحداث الخيالية.

وتتناول روايتها “أميرة انجليزية خالصة”، حياة الأميرة فيكي، الابنة البكر للملكة فيكتوريا والأوقات العصيبة في حياتها، وقد استُغلت الأميرة فيكي لتحقيق مآرب سياسية، فقد تزوجت أمير ألماني وأنجبت القيصر فيلهلم الثاني، الذي زج ببلاده في آتون الحرب العالمية الأولى.

استدرار التعاطف

وتقول ماكهيو، التي تعيش في واشنطن ولكنها تنحدر من لندن، وقد قاد جدها الأكبر السيارة التي كانت تقل ابن الأميرة فيكي وأخيها الملك إدوارد السابع إلى المقر الملكي في آيل أوف وايت: “كنت أتحرى المصداقية قدر المستطاع. فكيف يمكن أن أتخيل بدقة حياة أميرة أصبحت إمبراطورة ألمانيا، ثم أرملة وحيدة تعيش في قصر ضخم ومكروهه من ابنها.”

ونصحتها الروائية ساندرا نيومان: “بأن تنفذ إلى عقلها وتبقى بداخله”. وكانت الخطابات التي كتبتها فيكي لأمها خير مُعين لها في كتابة الرواية، ولا سيما لأن ماكهيو لاحظت بعض التشابه بين قصة فيكي وبين الكثير من القصص التي عايشتها من قبل.

وتقول ماكهيو: “إن العائلة الملكية هي عائلة في نهاية الأمر، وتنشأ بين أفرادها المشاكل المعتادة التي تحدث في أي عائلة، كالمنافسات والمقارنات المثيرة للضغائن”.

وذلك يقودنا إلى اختلاف آخر بين العائلة الملكية وبين العائلات المعتادة، فبينما يخط كل منا مساره المهني بنفسه خارج عائلته، فإن العبرة في العائلة الملكية بالنسب. ويكاد يكون مستحيلا أن يحقق أفراد العائلة الملكية أي شيء يخالف حظهم في الميلاد. فلا شيء يضاهي الترتيب بين الأخوات والنوع الاجتماعي في الأهمية.

وتقول ماكهيو إن فيكي كانت مميزة من البداية بين أخواتها الثمانية، إذ لم تكن الابنة البكر فحسب، بل كانت أيضا الأذكى والأكفأ بين أبناء الملكة فيكتوريا.

كانت فيكي جريئة ومتفائلة، وكانت ترتاد محاضرات علمية وتقرأ الكتب والروايات، وكان أبوها يعلمها التاريخ والنظم الحكومية، ولكنها لم يكن لديها أي فرصة لوراثة العرش، ولم يسمح لها أيضا لبراعتها وتميزها باختيار مسارها المهني، وعندما بلغت 17 عاما غادرت القفص الذهبي إلى قفص آخر أكثر تقييدا عندما تزوجت الإمبراطور الألماني وملك بروسيا فريدريك الثالث تحقيقا لأهداف أبيها لإدخال الديمقراطية الحديثة إلى ألمانيا.

وتصف ماكهيو الانجذاب العاطفي الحقيقي بين الأميرة والإمبراطور المتزوجين حديثا، رغم أنه كان زواجا سياسيا وأبعدها عن عائلتها، ويجسد أحد المشاهد سحر حياة الأميرات، إذ تحضر فيكي، الفتاة التي تعلم أن حظها ضئيل من الجمال، حفلا في فرنسا ترتدي فستانا لافتا صممته لها الإمبراطورة يوجيني نفسها، يتكون من ست طبقات من الدانتيل الأبيض ومزين بحواشي من القطيفة الزهري وباقات من الزهور الاصطناعية. وكان دخول قصر فرساي كدخول كنز ضخم مرصع بالجواهر.

ولكن ماكهيو ترى أن تنشئة فيكي كفتاة متميزة أضرتها اجتماعيا، فقد تربت فيكي على الثقة بآراءها وعدم الاكتراث بآراء الأخرين، ربما لأن أحدا لم يقل لها الحقيقة. وكان أبوها يمدحها ويثني عليها إلى حد يجعل أمها، التي اعتاد توبيخها، تغار منها.

وحتى بعد وفاتها، قلل منصبها من شعبيتها، وتقول ماكهيو، “إن فيكي لم تنل حظها من التقدير في كتب التاريخ، وكانت توصف بأنها غير ناجحة وأنها شخصية مثيرة للشفقة، وبلغ الأمر ذروته حين حلل فرويد عيوبها بعد أن وارى جثمانها الثرى”.

وترى ماكهيو أن الأميرة فيكي كانت متوقدة الذكاء وبذلت قصارى جهدها في عالم غريب وخبيث وكاره للمرأة. وهذا البعد من شخصية فيكي ساعد ماكهيو في استدرار التعاطف لها في الرواية.

ويضفي هذا البعد على روايتها طابعا عصريا، فإن نساء العائلة الملكية في القرنين الأخيرين، بدءا من الأميرة ديانا وحتى دوقتي كامبريدج وساسكس، لا يزلن يتعرضن لأحكام كارهه للمرأة.

وتقول ماكهيو: “إننا نعيش في عالم مختلف، وأفضل بمراحل من الماضي، ولهذا آمل أن تجد الجهود التي تبذلها النساء صدى حتى يصبحن مصدرا للطاقة الإيجابية على الصعيد السياسي والعائلي”.

ولكن العائلات الملكية تتغير، فربما تكون ماريون كاروفورد قد مُنعت من الاتصال بالملكة، ولكن هذا لا يمنع أنها كانت تعمل لدى العائلة الملكية لنحو عقدين، وكان لها، بحسب هولدن، تأثير كبير على آراء الملكة طيلة عهدها.

وتقول هولدن: “عندما يتحدث الناس عن حسن تقدير الملكة وقدرتها على كسب ود العامة، وهما السمتان اللتان رسختا نفوذها الملكي، أتذكر على الفور كراوفورد”.

ولكن الأحداث في الواقع تتكرر كتكرار الأنماط في السرد الملحمي، فإن دوقة ساكس على سبيل المثال، لم تكد تدخل قصر ويندسور حتى خرجت منه بعد الأحداث التي واجهتها.

وتشير ماكهيو إلى أن العائلة الملكية تجسد الثراء والسطوة، ولكنهم أيضا بشر عاديون مقيدون في ظروف غريبة ومشوِّهة للحقائق.

وتقول ماكهيو: “أرى أن هذا يدعونا للتساؤل حول مدى ثقل كلفة الانتماء للعائلة الملكية. ولا سيما لأن أفرادها يُستغلون أحيانا لتحقيق مآرب سياسية”.

ورغم الحرية التي يتمتع بها المؤلف عند معالجة الشخصيات في روايته، إلا أن هذه الروايات الأدبية تلقي نظرة كاشفة وواضحة على الحياة الغريبة خلف أبواب القصور.

هيفزيبا أندرسون ،، بي بي سي