السبت , نوفمبر 23 2024
العراقة السورية... أسواق حلب القديمة تفتقد ماضيها التجاري.. فيديو

العراقة السورية… أسواق حلب القديمة تفتقد ماضيها التجاري.. فيديو

العراقة السورية… أسواق حلب القديمة تفتقد ماضيها التجاري.. فيديو

بتعبٍ… يُخرج أبو عادل كرسيّه صباحاً، يركنه على حافة الدّكان، علّ هذا النهار يُكافئه ببعض الصّخب في الطرقات والكثير من الوجوه المطلّة على واجهات المحلات، حاله حال أسواق حلب القديمة التي افتقدت زوارها وضجيج الباعة في الشوارع.

سنوات الحرب التي اجتاحت حلب تدميرا لأسواقها التاريخية ونهبا لمصانعها إلى خارج الحدود وتقطيعا لأوصال طرقها التجارية مع بقية البلاد، كان لتحرير أحياءها الشرقية أن يقلص الكوابيس الاقتصادية التي تضغط على صدر هذه المحافظة التي تكنى بعاصمة الاقتصاد السوري، إلا أن الحصار الغربي ما لبث أن عاجلها بجرعة مشددة من العقوبات التي أطفأت الآمال بانتعاش قريب لحركتها التجارية، رغم الجهود التي تبذل لاستعادتها إلى ما كانت عليه.

سوق السقطية

أُعيد افتتاح سوق السقطية، أحد أهم أسواق حلب القديمة في تشرين الأول 2019 بعد الانتهاء من أعمال إعادة الترميم وإصلاح الأضرار التي لحقت بمحلاته، جراء المعارك الضارية التي شهدها خلال سنوات الحرب، إلى حين ترحيل مسلحي “جبهة النصرة” وحلفائهم عن المدينة عام 2016، بدعم من روسيا الاتحادية.

“ورثت هذه المهنة عن والدي الذي بدوره ورثها عن جدي، ويبلغ عمر متجرنا في سوق السقطية حوالي 120 عاماً”، يقول الحاج ياسين أبو دان أحد أهم قصابي سوق السقطية لـ “سبوتنيك”.

مسترجعا الأيام الجميلة التي عاشها في السوق، يضيف أبو دان: “كنا نعمل في بيع لحم الجمل قبل عام 2000، لنتحول بعدها لبيع لحوم الأبقار، كنا في كل يوم الخميس نشهد إقبالاً كبيراً جداً من أهالي مدينة حلب وزوراها وكأنه يوم الوقفة (هو اليوم الذي يسبق العيد، حيث تشهد أسواق ازدحاماً استثنائيا)، كانت أعمالنا جيدة جداً، حتى تدهور الوضع مع اندلاع الحرب عام 2011”.

الحج ياسين هو أحد القلائل ممن أعادوا افتتاح متاجرهم في سوق السقطية على أمل أن يعود السوق إلى سابق عهده، فعلى الرغم من ضعف الحركة التجارية داخل السوق، يفتح الحج ياسين يومياً أبواب متجره، ويقضي الساعات أمامه جالساً على كرسيه القش منتظراً قدوم الزبائن وزوار السوق.

يستعرض الحج أبو دان في حديثه لـ “سبوتنيك” ما يعانيه السوق اليوم، فيقول “اليوم يشهد السوق إقبالاً ضعيفاً رغم كل الجهود التي بذلتها الحكومة السورية لنفض غبار الحرب عنه، حيث رمّمت المتاجر المدمرة وأعادت تأهيل البنية التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحي وخطوط هاتف، إلا أن أصحاب المحال لا يزالون مترددين في استئناف نشاطهم التجاري نظراً لقلة الزبائن في السوق!”

“في كل السوق، لا تجد الآن سوا محلين أو ثلاثة مفتوحة أمام الزبائن، من أصل 54 محل ودكان” يصف الحج ياسين حال السوق، يشير بيده إلى متجره ويقول “هذا المحل هو بمثابة الأم بالنسبة لنا، فبفضل باب الرزق هذا اشترينا بيوتاً، وتزوجنا وأصبح لدينا أولاد ربيناهم من خيرات هذا المحل والسوق”.

ويختم الحج أبو ياسين حديثه لـ “سبوتنيك” بمناشدة كل التجار والجهات المعنية لتتظافر الجهود من أجل إعادة الحياة إلى سوق السقطية، الذي كان في ماضي الأيام محجّاً لكل الحلبيّة يتزودون منه بكل حاجياتهم، حيث لا يجد المرء موطئ قدم داخل السوق نظراً للإقبال الشديد.

سوق الجمرك ليس بأفضل حال

يجلسُ التاجر أحمد كزيبرة أمام متجره وسط السوق المسقوف الذي يدعى “خان الجمرك”، وإلى يمينه ويساره تتوزع فوق واجهة المتجر العديد من أُثواب القماش الحلبي.

في حديثه لـ “سبوتنيك”، يستعيد كزبيرة حال سوق (خان الجمرك) في الماضي: “كان السوق مزدهراً وعامراً في الماضي، وهو يعتبر سوق عالمي من خلال تجارة الأقمشة، حيث كان يتعامل مع السوق كبار التجار حول العالم من روسيا وأمريكا وصولاً إلى أوربا وآسيا وحتى أمريكا اللاتينية إضافة إلى دول الوطن العربي”.

لا يختلف حال سوق خان الجمرك الذي يتضمن 116 محلا تجارياً في المدينة القديمة عن حال سوق السقطية، حيث تم افتتاحه في نهاية العام 2017 بعد انتهاء أعمال الترميم الذي نفذتها غرفة تجارة حلب بالتعاون مع أصحاب المحلات والفعاليات التجارية، إلا أن السوق لا يزال يشهد إلى يومنا هذا إقبالاً ضعيفاً، مقارنة بمرحلة ما قبل الحرب في سوريا.

“الكثير من تجار هذا السوق هاجروا ومنهم من توفي، وهناك بعض التجار لم يعد لديهم المقدرة المادية لاستئناف النشاط التجاري وهذا واقع مؤلم.. وكما ترى الحركة اليوم خفيفة جداً في السوق، وهذا سبب رئيسي لعزوف الكثير من التجار عن استئناف نشاطهم التجاري داخله” يقول أحمد لـ “سبوتنيك”، ويضيف “نطالب الحكومة بالنظر بعين الاهتمام إلى هذا السوق وتأمين متطلباته ليعود إلى ألقه القديم، من خلال دعم تجار السوق ليستطيعوا الوقوف على قدميهم من جديد واستئناف نشاطهم التجاري”.

سوق المحمّص.. يابان الشرق

“هذا السوق يسمى سوق المحمّص وهو متخصص ببيع الأحذية بمختلف أنواعها جملة ومفرق، وهذا المحل الذي أعمل به كان لوالدي ونحن موجودون في السوق منذ سبعينات القرن الماضي، حتى اندلعت الحرب على سوريا عام 2011 ودمرت معها كل شيء”.

بحسرة وحزنٍ ملآ وجهه، يتحدث علي ميشو أحد تجار سوق المحمّص في المدينة القديمة لـ “سبوتنيك” عن حال السوق اليوم: “الحركة التي يشهدها السوق لا تتعدى 1% مما كانت عليه قبل الحرب.. التجار وأصحاب الأعمال الذين كانوا في السوق أصبح معظمهم أما نازح أو لاجئ شأنهم شأن معظم السوريين”.

يضم سوق المحمّص الأثري 72 محلاً تجارياً ويعدّ أطول سوق مغلق في العالم، وأُعيد افتتاحه منتصف العالم الماضي، بعد إعادة تأهيله من قبل محافظة حلب بالتعاون مع مطرانية السريان الارثوذكس وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، إلا أنه لا يزال يعاني السوق من ضعف الحركة التجارية، يوضح علي قائلاً “يوجد بعض التجار الذين عادوا إلى السوق ولا يتعدوا خمسة عشر تاجراً، والسبب أن معظم تجار السوق السابقين افتتحوا محلات خارجه ليتكسّبوا منها خلال فترة إغلاق السوق بسبب الأعمال الحربية، وغدا من الصعوبة بمكان عودتهم خاصة أن حركة الشراء والبيع في السوق لا تزال ضعيفة جداً”.

يتنهد علي بينما يقلّب نظره على زوايا السوق الخالية والتي كانت تعج في الماضي بالزوار، ويتابع حديثه لـ “سبوتنيك” واصفاً الحال الذي كان عليه السوق قبل اندلاع الحرب في سوريا، فيقول “قبل الأزمة، كنا نشهد يومياً حركة كبيرة جداً للزبائن القادمين من مختلف الدول حيث شكل السوق مركز تبادل تجاري لكل العالم”، ويضيف “كانوا يطلقون على هذا السوق وأسواق المدينة القديمة بـ “يابان الشرق”.

دُمّرت حلب عدة مرات في التاريخ القديم، وتعرضت لزلزال أزال معالمها كاملة، كما غزاها المغول وخربوها ودمروها، وبنى تيمورلنك من جماجم أهلها جبالا في غزو ثانٍ للتتار، وقامت في كل مرة من هذه المرات، فحرفيّة أبناءها وذكائهم التجاري المتوارث قادران على إعادة بث الحياة من بين الركام والرماد.

دخلت أسواق مدينة حلب القديمة موسوعة “غنيس” كأطول الأسواق المغطاة في العالم، ويبلغ طولها أكثر من 15 كم، وتضم 37 سوقاً. ولا أحد يعرف إلى أي عامٍ تماماً يعود تاريخ بناء أسواق حلب المسقوفة الأولى، لكنّ المتفق عليه أن أقدم تأريخ لأسواق حلب القديمة يعود للقرن الرابع قبل الميلاد.

سبوتنيك

اقرأ أيضا: غرفة عمليات في اللاذقية استعداداً للتعامل مع الزلازل