الثلاثاء , نوفمبر 26 2024

كيف يتضرر كثير من الناس من إلغاء العملات المعدنية؟

كيف يتضرر كثير من الناس من إلغاء العملات المعدنية؟

يتذمر جاك ستيرلنغ، الصراف في أحد المتاجر الكبرى بأستراليا، كلما يرى الزبائن يبحثون في حافظات نقودهم عن نقود معدنية من الفئات الصغيرة (الفكة)، ويقول متندرا: “كم أستمتع عندما أرى الناس يقررون التخلص من العملات المعدنية التي تثقل حافظات نقودهم وإلقائها على طاولة الدفع”.

ويعمل سترلينغ، الذي يبلغ من العمر 21 عاما، في ممر الدفع المخصص للزبائن الذين يشترون 12 صنفا أو أقل. ويقول: “إن السرعة في الدفع تمثل أهمية بالغة في هذا الممر حتى لا يتجاوز عدد المصطفين في طابور الانتظار اثنين أو ثلاثة”.

ولا شك أن إحصاء العملات بتأن يستغرق وقتا طويلا ومن ثم يطول الطابور. ويفضل العمال بالمتاجر الكبرى الدفع ببطاقات الائتمان وبطاقات الخصم بتقنية عدم التلامس، لأنها سريعة ولا تحتاج لهذا العناء.

وتشير تقديرات الجمعية الوطنية للمتاجر الصغيرة في الولايات المتحدة إلى أن إحصاء العملات المعدنية من الفئات الصغيرة قد يضيف 2.5 ثانية إلى كل معاملة دفع نقدي. وهذه الثواني القليلة عندما تتضاعف ملايين المرات على مدار اليوم، تؤثر على الإنتاجية.

لكن العملات المعدنية قد تصبح قريبا شيئا من الماضي، أو على الأقل في بلدان عدة، إذا أصرت حكوماتها على إلغائها.

وتُطلق حملات بين الحين والآخر لإلغاء بعض الفئات من العملات المعدنية في مختلف دول العالم، كان آخرها في المملكة المتحدة، حيث أعلنت هيئة سك العملة الملكية البريطانية في وقت مبكر من العام الحالي عزمها إيقاف سك النقود المعدنية من فئة بنسين وجنيهين استرلينيين، لمدة عشر سنوات بسبب انخفاض الطلب عليها وتخمة المعروض.

وأوقفت كندا سك العملات المعدنية من فئة سنت في عام 2012، ولم تصدر أستراليا أي نقود معدنية من فئة سنت وسنتين منذ عام 1992. وكانت جزر البهاما آخر الدول التي تعلن وقف سك العملات المعدنية من فئة السنت في نهاية يناير/كانون الثاني 2020، ولن يتمكن المتسوقون من استخدامها هناك في نهاية العام.

وتقول ليزا كوك، خبيرة اقتصادية ومساعدة سابقة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما: “أعتقد أن المواطنين في الدول الصناعية الغنية أصبحوا أقل تمسكا بالعملات المعدنية. وبعد أن أعلنت كندا وقف سك العملات المعدنية من فئة البنس في عام 2012، أرى أن واضعي السياسات في الدول الصناعية الأخرى سيكونون أكثر استعدادا لإلغاء النقود المعدنية من الفئات الصغيرة”.

لكن إلغاء النقود المعدنية أكثر تعقيدا من مجرد إيقاف سكها. فبينما يرى الكثيرون أن حمل النقود المعدنية من الفئات الصغيرة أو قبولها يمثل عبئا على البائع والمشتري، فإن هذه العملات منخفضة القيمة تمثل للبعض طوق نجاة، ومن دونها قد تصبح حياتهم مهددة بالخطر.

مخاوف الجمعيات الخيرية

سيكون قطاع المؤسسات الخيرية واحدا من القطاعات الأشد تأثرا من تبعات سحب النقود المعدنية من التداول، إذ تمثل النقود المعدنية التي يتبرع بها الناس عفويا في صناديق التبرعات رافدا مهما لدخل هذه المؤسسات. ويقول كارل ويلدنغ، الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني للمؤسسات الخيرية: “إن اختفاء آلية التبرع بالعملات المعدنية من الفئات الصغيرة للجمعيات الخيرية يبعث حتما على القلق”.

وتحصل المؤسسات الخيرية على مبالغ ضخمة من صناديق التبرعات التي يضع فيها الناس النقود المعدنية في المتاجر أو الدلاء التي يقف بها متطوعون في الشوارع لجمع التبرعات. وذكرت مؤسسة دعم الجمعيات الخيرية “كاف”، أن أكثر من نصف التبرعات التي جمعتها جميع الجمعيات الخيرية في المملكة المتحدة عام 2019، تبرع بها الناس نقدا.

وأشار استطلاع للرأي أجرته المؤسسة إلى أن حجم التبرعات للجمعيات الخيرية بالعملات المعدنية من الفئات الصغيرة بلغ 320 مليون جنيه إسترليني في عام 2018. وتقول سوزان بينكني، رئيسة الأبحاث بالمؤسسة: “لا تزال الغالبية العظمى من الناس يفضلون التبرع للمؤسسات الخيرية بالدفع نقدا، فلا شيء أسهل من أن تخرج من جيبك بضعة عملات معدنية وتضعها في صندوق التبرعات”.

وتقول فيليسيتي سبنسر سميث، من مؤسسة “إنستيتيوت أوف فاندريزينغ” لجمع التبرعات بالمملكة المتحدة، إن إلغاء العملات المعدنية سيكون له تبعات أوسع نطاقا مما نظن. ففي عام 2018، جمع فريقنا أمثلة لأهمية النقود المعدنية من الفئات الصغيرة التي تجمع بانتظام بالنسبة للجمعيات الخيرية الصغيرة، وذكروا أن لذلك دورا في تدريب الأطفال على التبرع والعطاء. وهذا يعكس التغير الأوسع نطاقا والأطول مدى في أساليب التبرع واستخدام النقود بشكل عام”.

ويقول ويلدنغ إن التعوّد على العطاء يبدأ من المدرسة ومن مرحلة الطفولة، عندما يتبرع الأطفال بمبالغ يسيرة، ومع الوقت يتحمسون لبعض القضايا والأهداف ويتبرعون بمبالغ أكبر لدعمها. فإذا اختفى هذا المسار للمساهمة في العمل الخيري، فقد ينضب الدعم المادي للمؤسسات الخيرية.

مخاوف المشردين

تمثل النقود المعدنية من الفئات الصغيرة طوق نجاة للكثير من المشردين. ويقول فينكس بلاك، الذي عانى التشرد في ماساتشوستس لأكثر من عام، وينشر مقاطع فيديو عن تجربته على “يوتيوب” و”تيك توك”: “من واقع تجربتي، أستطيع أن أجزم أن الناس أكثر استعدادا بمراحل للتبرع بالنقود المعدنية مقارنة بأساليب التبرع الأخرى، وقد يكون من السهل أيضا على السائل أن يطلب نقودا معدنية، لأنها تبدو ضئيلة القيمة”.

لكن هذه العملات المعدنية الزهيدة، قد يجمع منها المشردون مبلغا معقولا. ويقول بلاك: “إذا كان لديك إصرار، قد تجمع ما يكفي من هذه العملات لتحصل على احتياجاتك الضرورية، مثل وجبة طعام، التي تمثل أهمية كبيرة للمشردين”.

وفي حالة سحب بعض الفئات من العملات المعدنية من التداول، سيجد المشرد حرجا في طلب المساعدة من المارة. ويقول بلاك: “إن طلب المساعدة من الغرباء ليس سهلا على الإطلاق، لكن إذا بدا الطلب تافها قدر الإمكان، سيساعد المشرد في حفظ ماء وجهه”.

وتقول كيمبرلي شارف، أستاذة الاقتصاد بجامعة بيرمنغهام، “إذا بحث الناس في جيوبهم عن عملات معدنية ولم يجدوها فربما يستبدلونها بالبنكنوت أو ربما يحجمون عن التبرع”. وتأمل أن يشجع إلغاء العملات المعدنية الناس على التبرع بسخاء بالعملات الورقية.

وقد كان لانخفاض استخدام العملات المعدنية بسبب الوباء الحالي تبعات واضحة على بعض الناس. فإن رفض بعض المتاجر قبول الدفع نقدا أدى إلى حرمان المشردين الذين لا يملكون بطاقات مصرفية من الحصول على احتياجاتهم الأساسية.

وفي حالة الاستغناء عن النقود الورقية والمعدنية، فإن الأشخاص الذين لا يمكلون حسابات مصرفية أو لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المصرفية، سيتخلفون حتما عن الركب.

وثمة اتجاه في بعض المحلات التي تقبل الدفع النقدي لرفض التعامل بالنقود المعدنية. ويصف أحد مراكز المشردين في جورجيا هذا الاتجاه بأنه “عبء إضافي يتحمله المشردون”.
التبعات على المستهلكين

إن سحب النقود المعدنية من الفئات الصغيرة من التداول قد يشجع أصحاب متاجر البيع بالتجزئة على رفع الأسعار. فالسلعة التي كان ثمنها 6.99 جنيها إسترلينيا سيصبح ثمنها سبعة جنيهات إسترلينية، وسينفق المستهلكون في نهاية المطاف مبالغ أكبر لشراء نفس السلع.

لكن ماريلينا أنجيلي، الخبيرة الاقتصادية ببنك انجلترا، تقول إن صنفا واحدا فقط من كل ثمانية أصناف في متاجر المملكة المتحدة ينتهي بـ 99 بنسا، ولهذا فإن تأثير إلغاء العملات المعدنية من فئة بنس أو بنسين، سيكون طفيفا.

لكن بعض الزبائن الذين يرشّدون الإنفاق قد يحرصون على إدخار كل بنس وقد يؤدي إهدار بعض البنسات إلى الإخلال بميزانية الأسرة.

وعندما سحبت كندا العملات المعدنية من فئة البنس من التداول، تقول شارف إن المتاجر رفعت أسعار بعض السلع عند الدفع لكنها لم تعدلها على البطاقات. وتقول شارف: “إذا كان سعر السلعة 1.92 دولارا، ستدفع للبائع في النهاية دولارين. فرغم أن ثمن السلعة لم يتغير على البطاقة، إلا أن البائع لن يعطيك المبلغ المتبقي من سعرها بالعملات المعدنية”.

وتقترح شارف حلا لهذه المشكلة، وتقول: “في حالة عدم توافر النقود المعدنية، فلماذا نستخدم النقود؟ أعتقد أن الناس سيتفادون هذه المشكلة باستخدام بطاقات الدفع وتجنب استخدام النقود كليا”.

بي بي سي