كيف ستؤثّر أحداث فرنسا الأخيرة على اللاجئين السوريين؟
تعيش اليوم فرنسا حالة توتّر، بعد سلسلة أحداث دامية في البلاد، يتخوّف طالبو لجوء سوريون من رفض طلبات لجوئهم أو حتى فرض قوانين جديدة لا تتماشى مع عاداتهم الإسلامية.
بدأت هذه الأحداث بقيام شاب شيشاني بقطع رأس مدرّس مادة التاريخ والجغرافيا صامويل باتي قرب باريس، ثم هجوم مهاجر غير شرعي على كنيسة روتردام في مدينة نيس وقتل أشخاص من مرتاديها، وإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حملةً ضد “التطرّف الإسلامي”.
وأغلقت السلطات الفرنسية مسجد بانتان شمال شرق باريس، وحلّت جمعيات إسلامية بعد “دورها المتطرف” بحسب تقارير وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
جاءت جميع هذه الأحداث، بينما ينتظر المئات من السوريين موعد قدومهم إلى فرنسا ضمن مشروع إعادة توطين اللاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة، الذي تأجّل مرارًا بسبب تفشّي جائحة “كورونا”.
أعدتُ أولادي للمدرسة
منذ نيسان الفائت ينتظر زهير سفره إلى فرنسا بعد أن حصل مع أسرته على قرار الموافقة بإعادة توطينه وعائلته عن طريق مفوّضية اللاجئين. لكن سفره تأجّل عدّة مرات بسبب انتشار فيروس “كورونا المستجد”، وكان آخر تحديث حصل عليه للسفر في مطلع العام القادم.
يقول زهير لـ “روزنة”: “وضّبت كل أموري في تركيا وتحضّرت للسفر، وبعد تأجيله كنت مستعدًّا للسفر في أي لحظة، ولكن حبطت آمالي وبدأت أتخوّف من أن تؤدّي الأحداث الجارية في فرنسا إلى توقّفهم عن استقبال اللاجئين أو تعليق هذا الأمر لفترة طويلة”.
بناءً على نصيحةٍ من زوجته، قرّر زهير إعادة تسجيل أولاده في المدرسة في تركيا، وبدأ بالبحث عن عمل مرّة أخرى بعد أن أنفق كل مدّخراته خلال الأشهر الفائتة.
ويضيف: “في هذه الفترة أعيش على أعصابي، لم يتم إخباري بأي شيء عن ملفّي، ولكنّي أبقى في حالة خوف من تراجع فرنسا عن استقبالي أو ضياع فرصتي في التوطين في دولة ثالثة” موضحًا أن “تركيا طحنت خمس سنوات من عمره دون أن يحقّق فيها الاستقرار له ولعائلته”.
منذ بدء الأحداث الأخيرة في فرنسا، تردّدت عدّة شائعات حول عزوف البلاد عن استقبال المهاجرين من العالم الإسلامي إلّا أن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان نفى خلال كلمة ألقاها في البرلمان الفرنسي صحّة هذه المعلومات.
وقال لودريان: “فرنسا هي بلد التسامح وليست بلد الازدراء أو النبذ، لا تستمعوا إلى الأصوات التي تدعو إلى الكراهية وتحضُّ على الفتنة”.
مخاوف من نمط الحياة
قُبيل الأحداث الأخيرة التي شهدتها فرنسا، كان الرئيس ماكرون يُعد لمشروع قانون ضد النزعة الانفصالية، وتغيّر اسمه في وقتٍ لاحق إلى “قانون تعزيز العلمانية”، وهو عبارة عن تعديل قانون عام 1905 المتعلّق بفصل الكنيسة عن الدولة.
يهدف هذا القانون إلى الحفاظ على القيم الجمهورية الفرنسية المتمثّلة بالحريات المطلقة والفصل الشامل للدين عن الدولة ومن شأن القانون أيضًا فرض الحياد الديني، الموجّه من كافة الأديان والحركات الطائفية وليس فقط الإسلام الراديكالي” حسبما أشار وزير الداخلية الفرنسي في مقابلة مع إذاعة “أكلاسيك” الفرنسية.
ما زالت مواد القانون غير واضحة حتّى الآن، ما زرع تخوفات من انعكاسها على حياة اللاجئين الجدد، وتحديدًا بعد الحوادث الأخيرة، ما دفع الشاب السوري عمّار للدخول إلى أحد مجموعات السوريين في فرنسا على موقع “فيسبوك” لطرح سؤال قال فيه: “حصلت على إعادة توطين إلى فرنسا مع زوجتي، ولكن لديها مخاوف من التضييق عليها لأنّها محجّبة”.
انهالت على عمّار مجموعة تعليقات من سوريين في فرنسا، بعضها يطمئنه بوجود مئات الآلاف من المحجّبات يعشنَ بسلام منذ سنوات، وأخرى تستحضر مواقف عنصرية وقواعد قانونية مثل عدم قدرة زوجته على مرافقة ابنها في الرحلات المدرسية أو حصولها على فرص عمل في القطاع العام.
بالنسبة لعمّار الذي يعيش في لبنان، فإنّه وجد إعادة التوطين “فرصة العمر” ولكن السجالات الأخيرة فتحت مجموعة تساؤلات لا تنتهي عن شكل حياته الجديدة في فرنسا، ما دفعه للتردّد في قبول الفرصة، رغم حالته المعيشية البائسة في طرابلس اللبنانية.
يقول عمار: “لا أريد تغيير شكل البلاد التي سوف أذهب إليها، ولكن كل ما أرغب فيه هو التأكّد بأن زوجتي وطفلتي القادم سوف يتمكنَّ كمسلمات من ممارسة حياتهنَّ بشكلٍ طبيعي”.
ويتابع: “نصحني أحد أقاربي في ألمانيا بالتوجّه إلى هناك بعد الوصول إلى فرنسا بحجّة أن حياة المحجّبات أفضل هناك، ولكن فيما بعد علمتُ بوجود اتفاقية دبلن التي تمنعني من ذلك، وعليه أن ملزم بالبقاء في فرنسا، موضحًا أنّه حصل على إجابات متناقضة من سوريين يعيشون هناك ما جعل زوجته تدخل في حالة اضطراب نفسي.
وصول السوريين إلى فرنسا
يصل السوريون إلى فرنسا إمّا عن طريق برنامج إعادة التوطين الذي تديره “مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” وهو مخصّص لطالبي اللجوء في دول الجوار السوري واليونان، حيث تختار الأمم المتحدة بلد التوطين الثالث والذي قد يكون فرنسا، إلى جانب عدّة دول أخرى.
أما الطريق الثاني للوصول إلى فرنسا، فهو مخصّص أيضًا للسوريين في دول الجوار، وفي حالاتٍ خاصّة للسوريين داخل البلاد، ويكون عن طريق التواصل المباشر مع السفارات والقنصليات الفرنسية عبر البريد الالكتروني، وطلب تأشيرة إنسانية عن طريقها، لتقوم بعدها البعثات الدبلوماسية الفرنسية بتحديد موعد مقابلة داخل السفارات والقنصليات في حال اقتنعت مبدئيًا بالحالة.
في عام 2019 ، تم تسجيل 154،620 شخصًا طالبي لجوء من قبل وزارة الداخلية في فرنسا. وفقًا لآخر الأرقام ، تعد فرنسا واحدة من خمس دول فقط تستوعب 75٪ من طالبي اللجوء في أوروبا.
وتُعتبر فرنسا الدول الأوروبية الوحيدة التي تدرس طلبات اللجوء من خارج حدود أراضيها، وبالفعل وصل الآلاف من السوريين عبر هذا الطريق، ولا سيما الصحافيين والفنّانين والعاملين في مجال حقوق الإنسان.