“تشرين ساخن”.. أحداث اميركية وإقليميّة “من العيار الثّقيل”ّ!
العالم بأسره يحبس انفاسه بانتظار جلاء نتائج الإنتخابات الرئاسيّة الأميركية، في ظلّ تصاعد حدّة الإستقطاب داخل الولايات المتحدة، والإستعداد للأسوأ المُتوقّع الذي ستُفرزه نتائج التصويت، وسط تحذير مراقبين وكبار الصّحافيين والمحلّلين الأميركيين من فوضى واعمال عنف ومواجهات مسلّحة بين انصار المرشّحَين المتنافسّين،
خصوصا وانّ افواجا من مناصري الرئيس ترامب في ولايات عدّة، مسلّحون بشكل جيّد، في ظلّ اقبال غير مسبوق من قِبل الأميركيين على شراء السلاح اكثر من ايّ وقت مضى، كما تحصين المحال التجاريّة على نطاق واسع خوفا من عمليات الفوضى والنّهب، ومبادرة حكّام الولايات الى حماية المقارّ الحكوميّة الرسميّة، وتأهّبهم لاستدعاء الحرس الوطني ترقُّبا لانطلاق مواجهات مسلّحة لربما تتجاوز قدرات الشرطة على ضبطها.
باختصار، هي انتخابات لم تشهد مثيلها الولايات المتحدة الأميركية من قبل.. والأهم يكمن في محاولة الإجابة عن سؤال يُقلق الجميع:” ماذا بعد انتخابات الثالث من تشرين-نوفمبر 2020 على المنطقة والعالم”؟ كما على الولايات المتحدة نفسها؟ لماذا يُجمع مراقبون ودبلوماسيّون غربيّون على وصفه ب “تشرين الساخن”؟
حتى انّ احد السفراء المُعتمدين في عاصمة دولة اقليمية استبعد ان تكون الفترة القادمة مرحلة التسويات في المنطقة كما يُشاع، بل وصفها ب “مرحلة الأحداث الكبرى”..بدءا ب “حدث غير مسبوق” يهزّ حكم دولة الإمارات العربية، مرورا بمستجدّات “صادمة” في العراق ولبنان، وتحذيره من تطوُّر المعركة بين الحروب الى حرب اغتيالات في كلا البلدّين، وليس انتهاء ب”مفاجآت متسارعة” في سورية( شمالا وجنوبا)!
حتى الآن لا زالت الأمور ضبابيّة حيال ترجيح كفّة فوز ايّ من المرشّحَين المتنافسيَن على كرسيّ الرئاسة الأميركية، ولو انّ كلا الطّرفّين حدّد مسبقا فوزه حتى قبل الإنتهاء من عمليّة فرز الأصوات قبل ان يُشكّك ترامب بمسار التصويت الذي بدأ يميل لصالح خصمه “بعد ان كنت انا المتقدّم”..
هدّد ترامب بلجوئه الى المحكمة العليا “بسبب الإحتيال على الشعب الأميركي” –كما قال، كما سبق وهدّد بشكل مبطّن من اشتعال الشوارع الأميركية اذا خسر الإنتخابات.. وكأنّ لسان حاله يقول “لن اغادر البيت الأبيض، ولن أسلّم مفاتيحه لا لبايدن ولا لغيره.. ممنوع هزيمتي والا..الحرب الأهليّة على ابواب اميركا”!
الأمر المحسوم، ايا يكن الفائز لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فسياستها الخارجية لن تختلف طالما انّ “الدّولة العميقة” هي من توجّه هذه السياسة، وطالما انّ دعم وحماية اسرائيل و”تكسير” كلّ من يُعاديها هي من المسلّمات التي يُحرّم تجاوزها لدى ايّ رئيس اميركي،سواء كان ديموقراطيّا او جمهوريّا.. وعليه، حتى لو فاز جو بايدن بالرئاسة، فهو سيُكمل ما انتهى اليه سلفه.. الإختلاف هو حصرا بالأسلوب في مقاربة الملفّات الخارجيّة.
رغم انّ ترامب جاهد لتهدئة الجبهات في المنطقة ليتفرّغ للإستحقاق الرئاسي “المصيري” بالنّسبة اليه، الا انّ السيناريو المُرتقب الأخطر الذي ستُكمله السياسة الخارجية الأميركية-ايا يكن الفائز، في غمرة تشكيل حلف يضمّ الدول العربية والخليجية مع اسرائيل في وجه ايران وحركات المقاومة تحت عنوان “التطبيع”.. يبقى حيال العراق ولبنان بالدرجة الأولى. حيث قوّة الحشد الشعبي وكتائب حزب الله العراقيّة، كما قوّة حزب الله في لبنان..
فبموازاة “تجهيز” سيناريوهات امنيّة مقلقة في العراق ضدّ فصائل المقاومة -وفق ما تؤكده معلومات صحافية عراقية، بدأ الكشف عن محادثات سرّية عراقيّة-اسرائيليّة بهدف التطبيع. والوفد الرسمي العراقي برئاسة مصطفى الكاظمي الذي قام بجولة اوروبية في ختام الشهر الماضي، استمع وناقش قضيّة التطبيع بين العراق واسرائيل- وهذا امرٌ اكدته مصادر دبلوماسية غربيّة، كما نائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الأعرجي في 15 تشرين الأول الفائت، متحدّثا عن تحرّك عراقي في هذا الإتجاه، قبل ان يؤكّد لاحقا رئيس حزب الأمة العراقي مثال الألوسي، انّ محادثات التطبيع تُحاط بسريّة عالية، وذهب الى اعتبار انّ تطبيع العراق مع “اسرائيل” “ربما يرى النّور في القريب العاجل”.
اللافت، انه في خضمّ ما يجري على ضفّة الحاق العراق بركب التطبيع مع “اسرائيل”، يتمّ بالتزامن تجهيز خطّة معادية مع رؤوس عراقيّة رسميّة لربط ميناء البصرة بموانئ اسرائيل والامارات.. من دون اغفال “اجندة” الأخيرة وسعيها للسيطرة على موانئ المنطقة.. لعلّنا نفهم لماذا تمّ اعطاء شارة تفجير مرفأ بيروت في هذا التوقيت، سيّما انّ اكثر من تقرير كشف –نقلا عن مسؤولين اميركيين كبار،عن تورّط اماراتي مع اسرائيل في عمليّة التفجير بتسهيل من شخصيّات امنيّة لبنانية رفيعة المستوى إبّان احتدام الحرب السوريّة، وتواطؤ جهات لبنانية معادية لسورية في ارسال الأسلحة الى الميليشيات الارهابية هناك..
وفي لبنان، تدريبات مسلّحة تجري على قدم وساق انطلقت بوتيرة عالية منذ شهور، وتقودها احدى الشخصيّات اليمينيّة التي تدور في الفلك السعودي- الإسرائيلي. وكلّ الإخبارات التي طفت على سطح المشهد اللبناني مؤخرا عن تجهيز سيناريو امني خطير يستهدف حزب الله، تتّسم بالدّقة..فعدا عن تلميح زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في اطلالته المتلفزة الشهر الماضي، لما تعدّه تلك الشخصيّة من “امر خطير” لمواجهة الحزب، برزت تحذيرات لا تقلّ خطورة على لسان نائب لبناني سابق، كشف في مقابلة متلفزة ايضا، عن تخزين صواريخ في كنيسة بإحدى المناطق التي تخضخ لنفوذ مناصري الشخصية المذكورة.
وفي حين لم تنف مصادر امنيّة لبنانية عمليّات تخزين كميّات من الأسلحة يجري متابعة ورصد اصحابها للإطباق عليها، اكدت المصادر انه لوحظ ارتفاع كبير في اسعار مبيعات السلاح في لبنان بالشهرَين الأخيرَين، ما يؤشّر الى ارتفاع الطلب على شرائها..
في حين بدا لافتا بالتزامن “توقيت” انطلاق تدريبات”السّهم القاتل” الإسرائيلية على الحدود مع سورية ولبنان، والتي استمرّت على مدى خمسة ايام، وهي التدريبات العسكريّة الأكبر في الكيان العبري لعام 2020 ، و”تحاكي سيناريو حرب في اكثر من جبهة ضدّ حزب الله” –بحسب ما اعلن المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي..
وأثار “توقيت” انطلاق هذه التدريبات جملة اسئلة سيّما على وقع تسريبات نُقلت عن مصدر في موقع” جيوبوليتيكس آلرت”، ولاحقا عن المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط جورج مالبرونو، تفيد بتحضّر “اسرائيل” لشنّ هجمات على حزب الله والجيش السوري في جنوب سورية، تُسبق ب “عمليّة عسكريّة تركية واسعة النطاق شمالا”!
في مقابل السيناريوهات المعادية، يبدو انّ “تهدئة” الجبهات في المنطقة، اراده اركان محور المقاومة للتحضّر ايضا.. يصف الجنرال الفرنسي دومينيك ديلاوارد تهدئة الجبهات التي فرضته التحضيرات للإنتخابات الرئاسية الاميركية، ب”هدوء ما قبل العاصفة”، مرجّحا قرب مفاجآت “من العيار الثقيل” يفجّرها حزبُ الله والجيش السوري، من دون استبعاد اخرى من بوّابة العراق تُفرمل اخطر السيناريوهات تجاه هذا البلد.
وإذ لفت الى هجمات ارهابية مُرتقبة في عواصم اوروبية عدّة ستُنشّط اتصالات عدد منها مع القيادة السورية خصوصا بعد الهجوم المسلّح الذي استهدف العاصمة النمساويّة ليل الإثنين الفائت، لم يستبعد ديلاوارد احداثا دراماتيكية خطيرة في الولايات المتحدة الأميركية تعقب صدور نتائج التصويت، “قد يكون اخطرها في داخل البيت الأبيض”-بحسب اشارته!
ماجدة الحاج –النشرة
اقرأ ايضاً: ماذا تحضّر واشنطن للمنطقة؟