بلدة نجران السورية.. نصف في الشام وآخر في اليمن والثالث في فنزويلا
قصص كثيرة يتوارثها أبناء محافظة السويداء السورية القابعة على سفح جبل العرب جنوبي البلاد، أبرزها تلك القصص التي تدور حول قرية صغيرة تدعى “نجران”، في الجهة الغربية الشمالية للمحافظة.
المثير في هذه القرية التاريخية الشهيرة بكثرة معالمها الأثرية من الحقبة الرومانية، ذلك التشابك المهيب بين أبنيتها الحديثة، وتلك التي تعود إلى ما قبل الميلاد، حين كانت مركزا دينيا مسيحيا ومعلما حضاريا في منطقة بلاد الشام وفلسطين والأردن.
الاستمرارية التاريخية التي يجسدها التضاد العمراني بين قديم وحديث، إنما يروي نصف الحكاية التي تختزنها قرية الحجارة السوداء في الشام، ذلك أن “نصف هذه القرية موجود في اليمن.. (أم الخدود) في سوريا و(أم الخدود) في اليمن”، على ما تقول الرواية التاريخية مستندة في ذلك إلى وجود قرية على الحدود اليمينة السعودية تسمى “نجران” تعود إلى حقبة الغساسنة، الذين عاشوا في كلتا القريتين على فترات مختلفة من التاريخ إبان هجرتهم من اليمن إلى سوريا في فترة “سيل العرب”.
تعتبر “نجران” السورية إحدى أقدم قرى محافظة السويداء السورية، وعلى مدى القرن الماضي، أنبتت نصفا ثالثا لها، إذ معظم سكانها يحملون بالإضافة إلى جنسيتهم الأم الجنسية الفنزويلية بسبب هجرة نحو 2500 نسمة يشكلون أكثر من نصف سكانها الحاليين إلى ذلك البلد الأمريكي اللاتيني، وهؤلاء ساهموا بالنهضة العمرانية، التي شهدتها القرية مقارنة بباقي قرى المحافظة، حيث تكثر فيها اليوم القصور الكبيرة، التي بناها الأبناء في مسقط رأس آبائهم، الجيل الأول المهاجرين.
تتميز “نجران” طبيعياً بما يعرف بين أهالي المنطقة بـ “المكن” وهو عبارة عن تجويف طبيعي ضخم يحوي العديد من المغر المليئة بالمياه العذبة نظراً لوجود منبع ماء فيه، وبحسب الرواية التاريخية، تنقسم أصول تسمية “نجران” إلى ما عُرف عن القرية بكثرة وجود أجران الذهب المدفونة فيها والمخبأة بين دهاليزها، فيما تقول مصادر أخرى بأنها تلقب بـ “نجران العطش” لكثرة تجاويف ومستنقعات وسبخات المياه، التي تميزت بها والتي وكانت سبباً في استقرار العديد من الحضارات فيها، فيما رجح قسم ثالث من الباحثين أن تسمية القرية السورية جاءت مع فجر المسيحية تيمناً بنجران الواقعة بين اليمن والسعودية.
وسط القرية وبين البيوت الحديثة تعتلي مئذنة آثرية ضخمة أحد الأديرة القديمة من العهد الروماني، معانقة السماء وشاهدة على عراقة القرية، كما تضم نجران أثاراً نبطية ومسيحية، ويمكن ملاحظة بعض الكتابات الصفئية النبطية الموجودة على الكثير من البيوت القديمة.
ويتحدث الموروث الشعبي للقرية عن الكرم الذي تتميز به البلدة، وكيف كانت وحوش البراري تطوف بالقرية للحصول على الطعام الذي كان يضعه لهم أهلها، لتتآلف الوحوش مع الأهالي، كما توجد فيها دار تدعى (مقري الوحش) وهي دار رومانية قديمة وقيل أن جرجس الغساني سكنها وتحوي الكثير من الغرف والدهاليز تحت الأرض حتى قيل أنها تحوي 360 غرفة، ويوجد بأسفل المنزل ما يسمى المشنقة ولها درج دائري نازل، كما يحوي قوس حجري في أحد الغرف قطر دائرته يصل إلى 9 أمتار يقال أنه أكبر قوس حجري في منطقة حوران.
تتضح أصالة هذه القرية وتمازج الحضارة مع الحداثة بتداخل البيوت القديمة المصنوعة من الحجار البازلتية مع القصور الحديثة، وبتمسك أهلها بعاداتهم وتقاليدهم في الكرم وتقديم المنسف الشعبي للضيوف، واللباس الشعبي الذي يعطي الهوية الخاصة لأبناء هذه القرية.