الثلاثاء , نوفمبر 26 2024
سوريا.. دخل شهادة القيادة أعلى من دخل الشهادة الجامعية

سوريا.. دخل شهادة القيادة أعلى من دخل الشهادة الجامعية

سوريا.. دخل شهادة القيادة أعلى من دخل الشهادة الجامعية

«ادرس مافي شي رح يفيدك غير علمك»، لا يخلو بيت سوري من نصيحة كهذه، يقدمها الوالدان لأبنائهما طمعاً بمستقبل أفضل، لكن وسط الظروف التي نعيشها حالياً، هل مايزال العلم والتحصيل العلمي وسيلة للتخلص من الفقر حقاً؟!.

أدى ارتفاع الأسعار الكبير وبقاء رواتب موظفي القطاع العام على حالها، وحتى تراجعها نتيجة تراجع قيمة الليرة السورية، إلى وجود تفاوت كبير بين رواتب الخريجين، وبين دخل الحرفيين والعاملين في القطاع الخاص، وفي هذا التفاوت خطر كبير على المؤسسات الحكومية، التي ورغم كل شيء ماتزال الوظيفة فيها تعني الأمن ويرغب بها الغالبية، لكن إن ظل الوضع على ما هو عليه هل تبقى هذه المعادلة قائمة؟!.

مقارنة

بعد 5 سنوات من الدراسة الجامعية، تخرجت “يارا” 24 عاماً، من قسم الهندسة المعلوماتية، وتم تعيينها في وزارة الإعلام العام الفائت براتب 41 ألف ليرة سورية، كما تقول وتضيف لـ”سناك سوري”: «لا يكفيني الراتب أجور مواصلات، لذلك لجأت إلى إعطاء الدروس الخصوصية في المنزل للطلاب، وتقريباً أحصل شهرياً على مبلغ يوازي راتبي الحكومي أو أكثر بقليل».

“نعيم”، 55 عاماً، يمتلك باص ركاب ويعمل على خط “اللاذقية-جبلة”، قال رداً على سؤال سناك سوري حول دخله الشهري: «مستورة والحمد لله»، وبعد إلحاح على معرفة متوسط دخله الشهري، قال مشترطاً عدم ذكر اسمه كاملاً إنه يحصل شهرياً على ما يقارب الـ300 ألف ليرة سورية، يضيف: «هو رقم صغير مقارنة بتعبنا وعدد ساعات عملنا، ونطرتنا عالكازية».

يحصل “قصي” الشاب الثلاثيني، الذي يعمل في مغسلة للسيارات بريف “اللاذقية”، على يومية 4000 ليرة سورية، أي أكثر من 100 ألف ليرة شهرياً، وهو غير راضٍ عن هذا الدخل، كما يقول مضيفاً: «ليس دخلاً جيداً، لكنه بالتأكيد أفضل من راتب موظف، واليوم لم أعد أقدم على مسابقات التوظيف كما كنت أفعل سابقاً».

إذاً، هناك هوة كبيرة بين رواتب السوريين ومداخيلهم الشهرية، خصوصاً إذا ما تم مقارنتها بين أجور القطاع العام والقطاع الخاص، ويبدو أن الشهادة الجامعية لم تعد تطعم أكثر من الخبز إن جاز التعبير!.

مهندس زراعي تخلى عن جامعته

لم يكن قرار التخلي عن دراسة الهندسة الزراعية أمراً صعباً جداً عند “مهند حسن”، وهو الذي سبق أن تخلى عن حلمه بدراسة الطب رغم أن مجموعه في الثانوية العامة كان يؤهله لذلك، والسبب في الحالتين العامل المادي!.

كان “حسن” يستعد لتقديم مادة علم النبات إحدى مقررات السنة الثانية في كلية الهندسة الزراعية، وحين طلب من والده أجرة الطريق للوصول إلى الجامعة في “طرطوس”، من قريته “العنابية”، تفاجأ أن والده لا يملك نقوداً، وهنا بدأت الأفكار في ترك الدراسة وتأمين المستقبل من خلال العمل الحر تراوده!.

تخلى الشاب الطموح عن دراسته نهائياً، بعد معركة طاحنة بينه وبين نفسه، كانت الغلبة فيها لخيار العمل الحر بهدف تأمين المستقبل والتخلص من الفقر، كما يقول ويضيف لـ”سناك سوري”: «بقي حلم إكمال الجامعة يراودني بين الحين والآخر، لكن الواقع لم يكن بذلك الترف أبداً».

بدأ “حسن” بالتخطيط لافتتاح مقهى في وسط المدينة، استدان بعض المال، وشارك أحد أصدقائه، ورغم كثرة الديون وأعبائها، قرر المجازفة، وتمكن أخيراً من إنهاء المشروع، يضيف: «يبدأ عملي في التاسعة صباحاً وينتهي في الساعة الثانية عشرة ليلاً، ويتخلله الكثير من الجهد والتعب خلال فترات النهار».

لم يذكر “حسن” قيمة الدخل الذي يحصل عليه شهرياً من المقهى، مكتفياً بالقول إنه أفضل من راتب المهندس الزراعي بكثير، ويضيف أنه تعرف إلى زوجته “ريم” داخل المقهى فهي كانت تعمل لديه، وشيئاً فشيئاً بات الجميع يسأل عن مقهى “مهند وريم”، كما يقول مشيراً إلى أنه يشعر بالرضا عما أنجزه.

الشاب الطموح قرر في فترة ما أن يعود إلى الدراسة مستفيداً من مرسوم الاستنفاذ، لكنه اصطدم بعائق آخر، يقول: «مرة ثانية فضلت العمل على الدراسة، كون العمل الحر الأكثر جدوى في تأمين حياة كريمة والتخلص من الفقر».

لطالما كان التوازن بين المهن التي تتطلب شهادات علمية وجامعية، وبين المهن التي تتطلب شهادات حرفية مطلوباً للنهوض بالمجتمع، بينما تبدأ المشكلة الحقيقية حين يتحول المجتمع إلى إحداهما على حساب الأخرى، ففي الوقت الذي لا ينكر أحد أهمية المهن الحرفية، لا يستطيع أحد إنكار مدى أهمية العلم والتعليم والتحصيل الدراسي لأفراد المجتمع.

سناك سوري- طرطوس: نورس علي- اللاذقية: وفاء محمد