السبت , نوفمبر 23 2024
سوريا تتحدّى الأجندة الغربية: رئاسيات تحت جُنْح الحصار

سوريا تتحدّى الأجندة الغربية: رئاسيات تحت جُنْح الحصار

سوريا تتحدّى الأجندة الغربية: رئاسيات تحت جُنْح الحصار

غير مردوعة بالمواقف الغربية والأميركية، ولا متنازلة عمّا تعتبره قيادتها “استحقاقاً وطنياً سيادياً”، تمضي دمشق قُدُماً في إجراء الانتخابات الرئاسية يوم غدٍ، في ظلّ ظروف معقّدة داخلياً وخارجياً. إصرارٌ يرى كثيرون أنه سيزيد من حجم الضغوط الخارجية التي ستواجهها البلاد خلال الفترة الرئاسية القادمة،

خصوصاً في ظلّ سعي غربي محموم إلى عرقلة أيّ انفتاح عربي على دمشق، ومنع أيّ محاولات لدعم عملية إعادة الإعمار. وهو ما يضاف إليه العديد من الملفّات الداخلية الصعبة، التي تصارع الحكومة السورية في مواجهتها، لكونها لا تقلّ خطورة ولا تأثيراً على حياة السوريين

مع انتفاء غالبية مظاهر الحرب التي دامت نحو عشر سنوات، عن معظم المدن والمناطق الرئيسيّة في سوريا، تدْخل البلاد مرحلة جديدة عنوانها إعادة الإعمار، والتخلّص من تبعات تلك السنوات، الأمنية والسياسية والاقتصادية.

إلّا أن دون تلك المهمّة صعوبات كبيرة، بفعل استمرار الأطراف نفسها التي دعمت الحرب وأجّجتها، في محاربة دمشق على المستويَين السياسي والاقتصادي، بشكل خاص. وفي مقدّمة الأطراف المذكورة، تأتي الولايات المتحدة، التي ساهمت في دعم الجماعات المسلّحة، وخاضت حملات جوّية لمصلحتها، ثمّ أرسلت جنودها إلى شمال شرق سوريا بذريعة محاربة «داعش»، بالإضافة إلى شنّها أقسى حملات الحصار والعقوبات على دمشق، وفرض عزلة عربية ودولية على نظامها، تستمّر بغالبيتها إلى الآن.

في خضمّ ذلك، تخوض سوريا، غداً، الانتخابات الرئاسية الثانية منذ اندلاع الأحداث الدامية في البلاد. في عام 2014، خيضت الانتخابات الرئاسية تحت شعار: «معاً»، الذي خُطّ بلون أخضر على خلفية تشبه العلم السوري، وحَمَل توقيع الرئيس بشار الأسد.

حينها، كان عنوان الانتخابات واضحاً، وهو الصمود «معاً» في مواجهة الحرب، واستعادة السيطرة على معظم الأراضي التي خرجت عن السيطرة الحكومية. بعد سبع سنوات من تلك الانتخابات، يُخاض هذا «الاستحقاق الوطني»، كما يحبّ أن يسمّيه الرسميون في دمشق، تحت عنوان مختلف يتناسب مع ما آلت إليه أحوال البلاد بعد صمت المدافع.

العنوان اليوم، وفق ما حدّدته الحملة الانتخابية للأسد، هو: «الأمل والعمل». وبعيداً عن الشعار المُصاغ بشاعريّة دعائية، فإن العنوان الفعلي للانتخابات الرئاسية هو مواجهة الحصار الاقتصادي والعقوبات الغربية، وتفعيل آليات الإنتاج الاقتصادي داخل البلاد، بالإضافة إلى إعادة تشكيل علاقات دمشق بمحيطها العربي، والشروع في حملة إعادة الإعمار التي تحتاج الى مصادر تمويل هائلة.

التحدّيات التي تفرض نفسها على القيادة السورية، انطلاقاً من اليوم التالي للانتخابات، لن يكون تجاوزها سهلاً، إذ إن العديد من المؤشرات تنبئ بسعي الدول الغربية بقيادة واشنطن، إلى عرقلة الجهود السورية الرامية الى تحقيق الأهداف المذكورة، بطرق متعدّدة لا تختلف كثيراً عما كانت هذه القوى تعمل عليه طوال سنوات خلت.

يُضاف إلى ما تقدّم أن الحديث الذي ازداد أخيراً عن أفق مفتوح أمام دمشق، وعن إشارات إيجابية متصاعدة في المنطقة قد تتيح للحكومة السورية تحقيق قفزات إلى الأمام، يبدو مبالغاً فيه إلى حدّ ما، في ظلّ المقاربة الأميركية تجاه سوريا، والتي، وإن كانت غير مُكتملة بعد لدى إدارة الرئيس جو بايدن، إلا أنها قادرة، في حال تفعيلها، على تقويض أيّ جهود دولية أو إقليمية، تسعى دمشق إلى تلقّفها والبناء عليها.

ترفض واشنطن، ومعها معظم العواصم الأوروبية، الإقرار بشرعية الانتخابات الرئاسية في سوريا. قبل نحو شهر من الآن، تكلّمت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بحزمٍ في مجلس الأمن الدولي ضدّ هذه العملية «غير المشروعة»، بحسب وصفها. وتكرّر هذا الموقف على لسان الأعضاء الأوروبيين.

وفي مناسبة الذكرى العاشرة لبدء الاحتجاجات في آذار/ مارس الماضي، أعلنت كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا رفض الانتخابات، مشدّدة على ضرورة «ألّا تكون مبرّراً للتطبيع مع دمشق».

وفي بداية الشهر الحالي، قال وزراء خارجية «مجموعة السبع» إنهم «يحثّون جميع الأطراف، ولا سيما الحكومة، على المشاركة بشكل هادف في العملية السياسية الشاملة، ما يشمل وقف إطلاق النار، وبيئة آمنة ومحايدة للسماح بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وضمان مشاركة جميع السوريين، بما في ذلك أفراد الشتات»،

مضيفين: «فقط، عندما تكون هناك عملية سياسية ذات صدقية جارية بحزم، سننظر في المساعدة في إعادة إعمار سوريا». إذاً، تربط الدول الغربية العملية السياسية بإعادة الإعمار، وتؤكد أنه بما أن الانتخابات ستُجرى غداً كما تريد دمشق، فإنها، من جهتها، ماضية في تشديد الحصار والعقوبات، والسعي للحيلولة دون تمكين الحكومة السورية من إعادة الإعمار.

ويرى ديفيد بولوك، في مقالة له نشرها «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، أن على واشنطن في المرحلة المقبلة أن «تحافظ على دورها القيادي كجهة مانحة لهؤلاء اللاجئين السوريين… كما عليها رفع العقوبات، وتعزيز التجارة والاستثمار في الأجزاء الكبيرة من البلاد التي هي خارج سيطرة نظام الأسد، سواء كانت تحت رعاية تركية أو كردية أو غيرها».

كما يعتقد بولوك أن أيّ مراجعة مُحتملة للسياسة الأميركية الحالية تجاه سوريا، عليها أن تُبقي على اتجاهين اثنين هما: «الأول هو استمرار الدعم المتواضع لقسد (…) التي ثبّتت سيطرتها بشكلٍ أقوى من أيّ وقت مضى على مدينة القامشلي الرئيسية، بعد مناوشات مع قوات الدفاع الوطني الموالية للحكومة السورية»، فضلاً عن «التمسّك بالوجود الفعلي الأميركي المحدود للغاية في شمال شرق سوريا».

«أمّا الثاني، فهو إعطاء الضوء الأخضر للعمليات الإسرائيلية ضدّ الصواريخ والميليشيات الإيرانية والأهداف ذات الصلة هناك. فهي لا توقف إيران، لكنها تحدّ من التهديد الذي تشكّله ليس فقط على إسرائيل، بل على المنطقة بأسرها أيضاً. ومن الواضح أنها لا توقف المفاوضات النووية مع إيران أيضاً».

من جهته، يعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، أنه ينبغي على واشنطن أن «ترفض الانتخابات الرئاسية الوشيكة التي ستجرى في سوريا… حتى وإن كانت تحاول دول أعضاء في الجامعة العربية وصفها بأنها مرحلة انتقالية».

وبدلاً من ذلك، يرى شينكر أن على «المسؤولين الأميركيين العمل مع الشركاء الأوروبيين لتشكيل إجماع دولي في ما يتعلّق بفشل الانتخابات في تلبية المتطلّبات الحرّة والعادلة المنصوص عليها في القرار الرقم 2254». ويضيف شينكر إنه «سيتعيّن على إدارة بايدن إعادة تأكيد قيادتها، من خلال تعيين مبعوث جديد أو مسؤول كبير آخر مخوّل لتنسيق النهج الدولي مع أوروبا ودول المنطقة»، بخصوص الملفّ السوري.

الأخبار

إقرأ أيضاً:سيدة ترتدي زي العلم السوري تنتخب في الأردن تشغل مواقع التواصل