تطورات خطيرة شمال سوريا.. هل ينفجر النزاع ما بين الروس والاتراك؟
على مدار العقد الماضي، كان إنشاء منطقة آمنة على حدود سورية الشمالية والشرقية أحد أبرز مطالب تركيا، وكلما خرج هذا
المطلب من التداول أعادته أنقرة، حتى أنها ذهبت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى تحقيق هذا الهدف مباشرة، عبر عملية
“نبع السلام، قبل أن تواجه بتدخلات روسية وأميركية.
وأخيرا، أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، جاهزية بلاده لإقامة هذه المنطقة في شمالي سورية، وذلك في مكالمة أجراها مع
نظيره الأميركي لويد جيمس أوستن، الذي وعد بإرسال وفد أميركي إلى أنقرة لبحث الأمر، وهذا تطور جديد في الموقف الأميركي
الذي رفض منذ 2013 مناقشة هذا الملف مع الجانب التركي، مخافةً من الاستحقاقات التي ستترتب على أميركا في حال
انخراطها بهذا الفعل، وهي في الغالب ترتيبات لوجستية وأمنية، تراها الإدارة الأميركية مكلفة.
كما أن الأميركيين، ومن خلال حضورهم المادي في مناطق شرق الفرات، أوجدوا منطقة آمنة، في المناطق التي يوجدون فيها،
دون حاجة لإعلان رسمي بذلك.
ومعلوم أيضاً أن مناطق شرق سورية وشمالها لم تعد حكراً على الأميركيين والأتراك، بل دخل اللاعب الروسي، في الفراغات
التي تركها الانسحاب الأميركي 2019 من الشريط الحدودي، والمناطق التي انسحبت منها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)
في ريف حلب الشمالي، تل رفعت، والمناطق المحيطة بمنبج، إضافة إلى ريف الرّقة الجنوبي.
كما تمدّد الروس في مناطق واسعة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وباتت المنطقة محكومة بتفاهمات تركية – روسية، والأهم
أنها أصبحت محكومة بقواعد اشتباك فرضها توازن القوى الذي ظهر جليا في معارك فبراير/ شباط 2020.
إزاء هذه المعطيات، لماذا تطالب تركيا بمنطقة آمنة، وهل ثمّة تغيراتٌ محتملةٌ في الموقفين، الأميركي والروسي؟
ترجع تحليلاتٌ كثيرة أسباب دفع تركيا مطلب إقامة المنطقة الآمنة في هذا التوقيت إلى التوتر الحاصل في علاقاتها مع روسيا، إذ
يبدو أن تقييماً روسياً جديداً للعلاقة مع أنقرة وضعته الأجهزة العسكرية، بات يرى في تركياً خصماً وخطراً على المصالح الروسية.
وقد تبلور هذا التقييم بعد معارك ناغورني قره باخ، ثم الاتفاقيات الدفاعية التي أجرتها تركيا مع أوكرانيا، وعزمها تزويدها طائرات
مسيّرة، وهو ما ترى فيه روسيا لعباً في مجالها الأمني، يصعب التغاضي عنه.
حاولت روسيا إبلاغ تركيا انزعاجها من مواقفها عبر طرق متعدّدة، سواء من خلال تصريحات دبلوماسييها, التي أكدت جميعها
الامتعاض من السياسات التركية المتضاربة مع المصالح الروسية، أو من خلال إجراءاتٍ عملية، مثل تقليل حركة السياحة الروسية
إلى تركيا وتعويضها بالسياحة إلى مصر ثم لبنان.
ولكن الرسالة الروسية الأكثر بلاغة، يبدو أنها ستكون عبر بوابة إدلب، على الرغم من توازن القوى الحاصل في المنطقة، فإن لدى
روسيا أوراق قوّة وازنة.
وتؤكد تقارير رصدت التطورات العسكرية في تلك المنطقة، أن الروس جهزوا قوات الجيش السوري بأنواع جديدة من الأسلحة،
وخصوصا الصواريخ المضادّة للدروع والعربات القتالية، بهدف إحداث تغيير في توازن القوّة، يسمح لهم بتحقيق اختراقات في جبهات
إدلب.
تدرك تركيا حجم الانزعاج الروسي، وتراقب عن كثب التحرّكات العسكرية للجيش السوري وتصريحات مسؤولي قاعدة حميميم.
وقد كانت هذه المعطيات في صلب تحرّكها للمطالبة بإقامة منطقة آمنة، عبر تواصلها مع الولايات المتحدة تحديداً، وخصوصا في
ظل توجهات إدارة بايدن، وتركيزها على الملف الإنساني في سورية، وتحضيراتها لمعركة دبلوماسية شرسة في مجلس الأمن،
من أجل فتح معابر إضافية لإيصال المساعدات إلى سورية.
يقع موضوع إدلب والنازحين فيها في مقدمة أولويات التحرّك الأميركي في سورية، حيث كتلة النازحين الكبرى في سورية، وأولئك
المستهدفون بالمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى مناطق شرق الفرات.
وتضع تركيا في اعتبارها أنه سيكون لدى إدارة بايدن استجابة مختلفة عن إدارة ترامب في حال استهدفت روسيا المدنيين في
إدلب، كما أنه سيكون للتعزيزات التي أرسلتها القوات الأميركية إلى مناطق شرق الفرات أثر فعال في حال إقدام روسيا على
تصرّفات من شأنها الإخلال بأمن مناطق شمال غرب سورية، خصوصاً أن ذلك ستكون له تداعيات على الأمن الأوروبي، نتيجة
موجات الهجرة الجديدة، في وقتٍ يسعى بايدن إلى إصلاح العلاقات مع أوروبا وتعزيز دور حلف الناتو في مواجهة روسيا والصين.
ويبدو أن إدارة بايدن ذاهبة إلى التضييق على روسيا. وفي سبيل ذلك، ليس من المستبعد إعادة تعزيز علاقاتها بتركيا، وبالتالي،
قد تجري معها تفاهماتٍ على صيغ معينة من علاقات التعاون العسكري، ربما يكون تأسيس شكل من أشكال المنطقة الآمنة
إحداها.
وكالات