الإثنين , نوفمبر 25 2024
وزيرة سورية سابقة تحذر: نحن على حافة الاقتصاد!

وزيرة سورية سابقة تحذر: نحن على حافة الاقتصاد!

وزيرة سورية سابقة تحذر: نحن على حافة الاقتصاد!

تلخص الإعلانات التلفزيونية والطرقية مستوى الإنتاج في سورية، حيث الشيبس والعلكة والبسكويت وعبوات المياه الغازية أو العصائر الصناعية تتصدر المشهد، أما الصناعات المتوسطة فتواجهها معوقات وصعوبات كثيرة في حين أن الصناعات الثقيلة غير موجودة أساساً، والمنتج السوري المعد للتصدير عموما يتصف بثلاث مواصفات أولها المنافسة بالسعر وليس بتميز المواصفات، وثانيها نقص المكون التكنولوجي والابتكار والثالثة أن معظم الصادرات من المواد الخام أو المواد الزراعية.

والسؤال هو : لماذا تعاني صناعتنا الأمرين ، بينما توصيات المؤتمرات المختلفة والتصريحات ليل نهار هي عكس ذلك؟

في سورية، وبعيدا عن الخطب والتصريحات والمؤتمرات التي تخلص دائما إلى دعم وتشجيع الإنتاج المحلي بينما الواقع يؤكد تقلص الإنتاج الصناعي والزراعي، إضافة الى أن النتائج والأرقام تشير إلى تخبط سياسات الإنتاج وأننا نعالج أمورنا كل يوم بيومه.

مجمل القرارات الحكومية خلال العقدين الماضيين دقت إسفيناً كبيراً في جسم العملية الإنتاجية ، بداية من الانفتاح المشوه وغير المدروس في مرحلة التحول الاقتصادي في سورية إلى اقتصاد السوق الاجتماعي في عام 2006 ، حيث كان السماح بالاستيراد لكل شيء هو أول القرارات الخاطئة بحق الإنتاج المحلي والنتيجة المباشرة لذلك الانفتاح كانتأدى إغلاق آلاف الورش والمعامل الصغيرة لصالح بضعة مئات من المستوردين الذين حققوا أرباحاً كبيرة، وهاجرت أموالهم الى دول أخرى بدءاً من عام 2011 مع بدايات الحرب على سورية.

وثاني الأسافين كان تحرير المشتقات النفطية والأسمدة والأعلاف ، الأمر الذي ساهم بتهميش الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية ، وتقلصت زراعات مهمة مثل القطن والشوندر السكري ليحل محلها الاستيراد من الخارج للسكر وغيره، وكمثال على ذلك لا أحد يعرف لماذا انخفض إنتاج القطن من اكثر من 600 ألف طن عام 2009 حسب مدير مكتب القطن بحلب إلى أقل من 60 ألف طن في عام 2020 واليوم سمحنا باستيراد الخيوط القطنية.

ثالث تلك الأسافين وأهمها ، يتجلى بما حصل بعد الحرب من تدني كبير في القدرة الشرائية للغالبية العظمى من الناس الأمر الذي كان له تأثير خطير على العملية الاقتصادية برمتها وليس الإنتاج فقط و القاعدة الاقتصادية المعروفة أن الاستهلاك هو المحرك الأساسي للإنتاج فكيف يعمل الصناعي وهو يعرف مسبقا بأن انتاجه سيكون مصيره التخزين أو الكساد! وهو يحتاج لدورات رأس المال ليتمكن من تأمين مواد أولية جديدة وطرح بضائع وسلع من جديد،

في حين أن التعويل على التصدير كعامل بديل للاستهلاك في السوق المحلي لا يتصف بالاستمرارية ويخضع لظروف لا يمكن التحكم بها من تغيير نمط الاستهلاك، أو التبدلات والتغيرات التقنية التي قد تكتشف موادا أفضل وبأسعار اقل.جميع ما سبق يعتبر ظروفا خارجية تخضع للمد والجزر. من حيث المبدأ، قد تكون النوايا الحكومية جيدة تجاه العملية الإنتاجية، ولكن في السنوات الأخيرة صدر كثير من القرارات الحكومية التي تعيق الإنتاج بشكل غير مباشر ، و نذكر منها:

• تقييد سحب النقود من البنوك العامة والخاصة، ومنع نقل النقود بين المحافظات، في ظل اقتصاد نقدي ويعتمد في تعاملاته التجارية على الكاش، وغياب شبه كامل لوسائل الدفع المدعومة بأجهزة وبنى تحتية فعالة معلوماتية ومصرفية.

• فرض الضرائب المالية وغرامات الجمارك على المحلات والشركات الإنتاجية بشكل عشوائي غير معتمد على ضوابط معينة، فأصبحت قضية فرض الضرائب أو الغرامات على الفعاليات التجارية تخضع للنقاش والمساومة، يعني أنها غير متوقعة مسبقا ومحسوبة سلفا ضمن التكاليف، من المؤكد أن الهدف رفع حصيلة الإيرادات العامة ولكن الطريقة أضرت بالإنتاج.

• لعل أهم العوامل التي تعيق الإنتاج بكل أنواعه هو تذبذب المشتقات النفطية بين توفر محدود وشح شديد إضافة إلى عدم ثبات أسعارها،

• التغير المفاجئ في سياسات الاستيراد والتصدير، مما لا يمكن المنتجين من الارتباط بعقود تصدير أو استيراد مستمرة لوقت طويل.

• البيئة التشريعية الغير مستقرة والقوانين التي لا تطبق على كل الصناعيين بنفس المعيار، من العوامل التي تحمل المنتجين على شد الرحال الى بلد يستطيع فيها الصناعي تقدير مصروفاته وضرائبه ومصاريف مواده الأولية بشكل مسبق دون تغييرات كبيرة تجعله ينضم للحيتان أو للمفلسين.

إذا لم يتم النظر إلى مجمل العوامل المعيقة والمشجعة للإنتاج برؤية شمولية متكاملة لمختلف المراحل الإنتاجية، ابتداء من خلق العلامة التجارية والتصميم وتوفر المواد الأولية وصولاً إلى الإنتاج والالتزام الصارم بالمواصفات وسياسات التسويق وخطوط النقل، وعندما تكون عبارة “صنع في سورية ” علامة للجودة، وانعكاس ذلك واضح وملموس على كل منتج مصنوع في سورية.

أخيرا: إن اتساق السياسات الحكومية مع تصريحاتها المرتبطة بالعملية الإنتاجية مهم وأساسي لتشجيع الإنتاج المحلي فعلاً، من تأمين حوامل الطاقة والوصول إلى سوق المال، وتدريب الكوادر البشرية وحماية الملكية الفكرية وتطوير المخابر لرصد المواصفات والمقاييس، الإنتاج الصناعي والزراعي هو الوحيد القادر على خلق القيمة وتحسين الدخل والرفاهية وتوليد فرص العمل في أي دورة اقتصادية حقيقية بما يعني ذلك من ارتفاع الدخل الفردي والاجمالي على مستوى البلد، اليوم نحن في عالم يجر الاقتصاد عربة السياسة وليس العكس ، وخلق مصالح اقتصادية للأفراد يؤثر كثيرا في حل المعضلات السياسية.

د.لمياء عاصي

المشهد

اقرأ ايضاً:أغلبها مس المواد المدعومة.. هذه أبرز قرارات حكومة عرنوس السابقة