توصيات معهد الأمن القومي “الإسرائيلي” حول سورية لعام 2021
في التقرير الذي نشره معهد دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي” حول التحديات الاستراتيجية، والتوصيات السياسية لرئيس الدولة، تذيّلت التهديدات القادمة من سورية قائمة تلك التهديدات، وحتى في جزء من الحديث عنها، تمّ تصنيفها كتهديد تابع للتهديدات الإيرانية التي تواجهها المنطقة كلها، استناداّ إلى أن إيران تعمل على تعزيز قوتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن.
ما الذي يقلق “الإسرائيليين” أكثر من سورية ومن غيرها؟
في مؤشر الأمن القومي يونيو 2021 تشير نتائج الدراسة حول ما الذي يقلق “الإسرائيليين” أكثر، إلى أن التهديدات الداخلية للمجتمع “الإسرائيلي” الآتية عبر الاشتباكات بين اليهود وعرب 1948 بعد حرب غزة الأخيرة، وعبر القضايا المتعلقة بالاقتصاد والمجتمع والقانون والنظام، والخلاف بين اليمين واليسار، والمتدينين والعلمانيين، هي مثار القلق حيث تصل نسبتها إلى 90% مقابل 5% فقط للتهديدات الأمنية الخارجية.
يصف التقرير سورية أنها أصبحت دولة منقسمة، غارقة في أزمة عميقة، يخوض فيها حزب الله اللبناني، والفصائل المدعومة من إيران صراعات كبيرة في الجنوب السوري لاستمرار ترسيخ الوجود الإيراني هناك، وفيما لا تزال روسيا العنصر المهيمن في سورية، لكنها غير قادرة على تعزيز الإصلاح السياسي، أو فرض الاستقرار وتحمّل تكاليف مشاريع وإعادة الإعمار.
يوصي التقرير الرئيس الإسرائيلي بتصميم سياسة استباقية لطرد إيران ووكلائها من سورية، من خلال التعاون الدولي والإقليمي ودعم الحلفاء المحتملين لهذه السياسة. مع تحذير مهم حيث يرى معهد الأمن القومي أن المنطقة تمر بصراع من أجل شكل الشرق الأوسط، بين أربعة معسكرات معادية جميعها لتل أبيب: المعسكر الأول الذي تقوده إيران، والمعسكر الثاني الذي تقوده تركيا، والثالث المتمثل بالجهاديين، و الرابع المكون من الدول العربية المعتدلة.
وهذا المعسكر اللافت للنظر بالطبع، يعلل التقرير إيراده يأن هذه الدول يشوبها عدم الاستقرار الشديد بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها.
بالمقارنة مع تقييم التهديد الوارد من الدولة اللبنانية يمكن قراءة أنّ تجميد الوضع في سورية على ما هو عليه الآن ولمدة طويلة قادمة، مع منع صعود إيران، هو الحالة الأفضل للأمن الإسرائيلي، فالتقرير يطالب بتعزيز الجهود الدولية لمنع انهيار الاقتصاد اللبناني، وبالتالي الحكومة اللبنانية، وتحوّل لبنان إلى ساحة للفوضى، أو ملاذ للتطرّف والإرهاب، أو الدخول في حرب أهلية جديدة، وحدوث سيطرة مطلقة لحزب الله، لكن يجب وضع شروط صارمة على المساعدات الدولية والإقليمية، أيضاً لمنع صعود إيران وحزب الله في لبنان عبر الاستفادة من هذه المساعدات.
تتطلّب مثل هذه السياسة في سورية منع انهيار الاقتصاد، وبالتالي انهيار النظام بشكل كامل، ودخول البلاد في نفس المحاذير السابقة في لبنان، وعلى الأرض هناك ما يدل على بدء تطبيق هذه السياسة، منها:
أولاً: محاولة إدخال سوريا في مؤتمر “دول جوار العراق” الذي انعقد بدوره وسط ثلاث زيارات أردنية عراقية إسرائيلية لواشنطن، ولقاء زعمائها مع الرئيس الأمريكي بايدن.
ثانياً: سماح الحكومة السورية لقوافل المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة بالمرور دون عوائق عبر خطوط النزاع، وصولاً في المرحلة الأولى إلى إدلب، وسيتبعها مرور القوافل إلى شمال، وشمال شرق سورية، تمهيداً لعدم تمديد مرور المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وحصر مرورها عبر دمشق.
ثالثاً: شنّ الحرب على درعا من جديد، رغم اتفاقيات خفض التصعيد، واتفاقيات المصالحة، للعودة إلى فتح معبر نصيب للتبادل التجاري، ولجعله المعبر الوحيد لدخول المساعدات الإنسانية الأممية، فيما لو تم تمرير قرار جديد في مجلس الأمن بعد أربعة أشهر يغلق فيه معبر باب الهوى بذريعة سيطرة هيئة تحرير الشام عليه، أو تقليل دوره إلى أقصى حدّ على حساب دور معبر نصيب.
غاية الحرب في درعا فتح هذا الطريق الواسع للمساعدات الأممية، مع عدم تهجير الكتلة السكانية الكبيرة لأهل درعا، وتفريغ المنطقة منهم، بل على العكس تسعى روسيا للحفاظ على مشروع المصالحة، وترسيخ وجود السكان الأصليين لقطع الطريق على ترسيخ الوجود الإيراني، ضمن اتفاق روسي أمريكي إسرائيلي وعربي.
معبر نصيب لن يقتصر على دخول المساعدات الأممية، بل سيكون غطاء لمساعدات أخرى تدخل تحتها، وتكون قادمة من عدد من الدول العربيةـ وتصبّ في حساب تقوية الاقتصاد السوري، مع تفادي العقوبات الدولية المفروضة عليها مثل قانون قيصر، حتى أن بعض الدراسات الإسرائيلية تطالب بإعادة تفعيل برنامج “الجوار الصالح” وإرسال مساعدات عبر الأردن، لسكان الجنوب السوري على وجه الخصوص، لمساعدتهم على البقاء في مناطقهم وعدم مغادرتهم إلى أماكن أخرى.
هذا المسار الجديد في التعامل مع دمشق هو مقدمة لخطوات تالية ضمن خطة المبعوث الدولي السيد “بدرسن” خطوة مقابل خطوة، في سبيل الوصول لاتفاق حل سياسي نهائي في سورية.
صادر عن مركز الجسر للدراسات