الثلاثاء , نوفمبر 26 2024
تحريك ملف الركبان

تحريك «ملف الركبان»: «الإيجابية الدولية» تَعبر التنف؟

يُعاد، اليوم، بالتزامن مع التغيّرات المتسارعة في الملفّ السوري، تحريك ملفّ مخيم الركبان، الذي شكّل على مدار سنوات مصدر قلق لعمّان، وعقبة أمام دمشق للارتباط بجارتها بغداد، فيما اتّخذته واشنطن ذريعة لإدامة وجودها عند معبر التنف الحدودي. لكن الآن، وفي ظلّ ظهور بوادر انسحاب أميركي من سوريا، وتسارع التقارب السوري ـــ الأردني بضوء أخضر من الولايات المتحدة، يمكن أن يمثّل دخول قافلة مساعدة جديدة إلى «الركبان»، توطئة لبدء عملية تفكيكه، والتي تؤكد الأمم المتحدة جاهزيتها لها

يجري، حالياً، التحضير لنقل دفعة مساعدات إنسانية إلى مخيّم الركبان خلال أسبوع، إن لم يستجدّ أيّ طارئ. وتقول مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، إن الدفعة الجديدة تُمثّل «استجابة متوافَقاً عليها بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية والأردن، لم تمانعها دمشق لأسباب إنسانية». وتوضح المصادر أن «القافلة ستضمّ مساعدات غذائية وطبّية لسكّان المخيّم، وقد ترافقها حافلات لنقل مَن يرغب في الخروج نحو مقارّ الإقامة المؤقّتة التي استحدثتها الحكومة السورية». وبالنظر إلى تزامن هذه الخطوة مع مجموعة من المتغيّرات التي طرأت أخيراً على الملفّ السوري، خصوصاً على مستوى العلاقة بين عمّان ودمشق، فمن المحتمل أن تشكّل توطئة لتفكيك المخيّم، في إطار العمل على تثبيت التهدئة في كامل الجنوب السوري، تمهيداً لبناء جسور اقتصادية آمنة، على اعتبار أن ذلك سيقطع الطريق على أيّ فعل أمني ضدّ الدولة السورية في البادية أو شرق السويداء.

ويُعدّ المخيّم الكائن في جنوب شرق الأراضي السورية واحداً من أبرز الملفّات السورية الخلافية بين موسكو وواشنطن. فخلال سنوات خلت، حاول الروس مراراً اقتلاع «مسمار جحا» الذي غرزه الأميركيون في البادية السورية للحفاظ على حجّة لبقائهم بشكل مشترك مع القوات البريطانية في قاعدتهم المُقامة عند معبر التنف الحدودي مع العراق؛ إذ تتذرّع واشنطن بحماية المخيم ومحاربة «داعش» في البادية السورية، لإبقاء الطريق الأقصر بين العاصمتَين السورية والعراقية مقطوعاً. بدوره، يَعتبر الأردن «الركبان» تهديداً لأراضيه الشمالية، كونه منطقة غير منضبطة أمنياً، ويعجّ بتشكيلات مسلّحة متضاربة المصالح، على الرغم من كونها تعمل جميعاً لصالح القوات الأميركية في جغرافيا تتلاقى فيها الحدود السورية مع الأردنية والعراقية. كذلك، تخشى عمّان من تسلّل القاطنين في المخيم نحو أراضيها التي كانت هدفاً لهم أساساً قبل أن يعلقوا في «الركبان»، بفعل إغلاق الحدود من قِبَل الأردن، ومنعهم من المغادرة على يد الفصائل المسلّحة بحجّة غياب الأمن على الطرقات، وردّ الفعل المحتمل من الحكومة السورية في حال دخولهم إلى المناطق التي تسيطر عليها.

وفي صيف عام 2014، خرجت قوافل الهاربين من سطوة تنظيم «داعش» من أرياف المحافظات الشرقية ومدن البادية (مهين ـــ القريتين ـــ تدمر ـــ السخنة)، لتتقطّع بهم السبل في البادية، ما دفعهم إلى تشكيل مخيم عشوائي على امتداد 7 كلم مربّع، مما تيسّر لهم من أقمشة، تبدّل غالبيتها مع الأيام ليتحوّل إلى منازل مبنيّة من الطوب الطيني والأعمدة الخشبية، في محاولة من السكّان لتجنّب أضرار السيول التي تتشكّل بفعل العواصف المطرية التي تضرب البادية السورية خلال موسم الشتاء. وبفعل الأمر الواقع، بات المخيّم مقسّماً إلى قطاعات أمنية يسيطر على كلّ منها فصيل مختلف، أكبرها من حيث التعداد «تجمع أحرار العشائر»، فيما يُعدّ «جيش مغاوير الثورة» أقرب هذه الفصائل إلى الأميركيين، علماً أن طبيعة التقسيم بدأت على أساس تجاري أولاً، فلِكلّ فصيل تجارته وسُوقه الخاص. وتشير مصادر أهلية إلى زيادة عدد سكّان «الركبان» بفعل ولادات جديدة يمكن أن تكون قد حدثت منذ دخول آخر قافلة مساعدات إلى المخيم الذي تتفاقم فيه المشاكل الصحّية مِن مِثل الأمراض المزمنة والجلدية والتنفّسية خصوصاً عقب جائحة «كورونا»، بفعل رفض المسيطرين عليه أيّ تعاون مع الحكومة السورية في الوقاية الصحية.

قد تُرافق القافلةَ المتوجّهة إلى المخيم حافلاتٌ لنقل مَن يرغب في الخروج نحو مقارّ الإقامة المؤقّتة

وكانت آخر قوافل الأمم المتحدة التي دخلت «الركبان» في شهر أيلول من عام 2019، بعد طول مفاوضات أصرّت الفصائل المسلحة فيها على إدخال المساعدات عبر الأراضي الأردنية، خشية خروج النازحين من المخيم نحو مراكز الإيواء المؤقّت التي افتتحتها الحكومة السورية بعد تقديم ضمانات بعدم المساءلة الأمنية لِمَن يرغب في تسوية وضعه والعودة إلى كنف الدولة. وبحسب ما أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، آنذاك، فإن مسح تقييم الاحتياجات الذي أُجري في المخيم خلال دخول القافلة الأممية، أظهر أنّ من بين السكان المُقدَّر عددهم بنحو 15 ألف نسمة، حوالى 37% أرادوا المغادرة، فيما أعرب نحو 47% عن رغبتهم في البقاء، و16% لم يكونوا قد قرّروا حينها. لكن الفصائل المسلّحة تزعم عكس تلك الأرقام، إذ بحسب تصريحات نُقلت عن رئيس «هيئة العلاقات العامة في البادية» التابعة للفصائل، شكري شهاب، فإن 90% من سكّان «الركبان» يرفضون العودة، وذلك في تعقيب منه على ما قاله رئيس «مركز إدارة الدفاع الوطني» التابع لوزارة الدفاع الروسية، ميخائيل ميزينتسيف، خلال مؤتمر عودة اللاجئين الذي عُقد في دمشق في أواخر شهر تموز الماضي، بأن الحكومة السورية جهّزت مقار لإقامة الخارجين من المخيم، والذين تمّ الاتفاق على تفاصيل عملية إجلائهم، بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وفي العاشر من شهر أيلول الحالي، أعلن المجلس المحلي في «الركبان» أنه تلقّى كتاباً من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، يبدي فيه الأخير استعداده لدعم العودة الطوعية للنازحين من المخيم إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، مؤكداً أنه سيؤمّن الشاحنات التي ستنتظر مرّتين أسبوعياً عند أطراف منطقة الـ«55 كلم»، لتنقل مَن يرغب نحو مقرّ إقامة مؤقّت في حمص، الأمر الذي قابله المجلس بالرفض.

وتقول مصادر محلية إن «الركبان»، بشكله الحالي، عبارة عن بلدة صغيرة تحوّلت مع مرور الأيام إلى مقرّ إقامة قسري للقاطنين فيه، الذين اضطروا، نتيجة منعهم من الخروج من قِبَل المسلحين، إلى البحث عن مصادر للعيش مثل رعي المواشي والزراعات البسيطة، في حين تُعدّ تجارة المحروقات البدائية التكرير أو المهرَّبة من الأردن والعراق مصدراً لتأمين الطاقة من خلال المولدات الكهربائية الصغيرة، وتجارة المياه الصالحة للشرب والخبز من أهمّ مصادر دخْل الفصائل المسلحة.

كذلك، نشأت غربي المخيم مقبرة تضمّ حوالى 500 قبر لأشخاص قضوا خلال انتظار العبور نحو منطقة سورية أو أردنية يستعيدون من خلالها حياتهم التي ظنّوا بأنها عادت إليهم بعد هروبهم من مناطق كان يسيطر عليها «داعش» قبل سبع سنوات.

الأخبار – محمود عبد اللطيف

اقرأ أيضا: إيران تفرك يديها: “إسرائيل” ستقاتل روسيا على الغاز السوري؟