“نهاية الشرق الأوسط قريباً”.. الكارثة المناخية قادمة
ضرب شمال سلطنة عُمان مؤخراً إعصار شاهين، وهو أول إعصار استوائي يصل إلى أقصى الغرب في الخليج. وفي البصرة جنوبي العراق، أدى الضغط على شبكة الكهرباء بسبب ارتفاع درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية هذا الصيف إلى انقطاع مستمر في التيار الكهربائي.
كما حطمت الكويت الرقم القياسي لأعلى يوم سخونة على الإطلاق في عام 2016 عند 53.6 درجة مئوية، وكان متوسط الحرارة المتجدد لكل 10 أيام هذا الصيف شديد الحرارة بنفس القدر. وحدثت فيضانات مفاجئة في جدة، ومؤخراً في مكة، بينما ارتفع متوسط درجات الحرارة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية بنسبة 2%، ودرجات الحرارة القصوى بنسبة 2.5%، وكل ذلك منذ الثمانينيات.
“نهاية منطقة الشرق الأوسط متوقعة قريباً”
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية إن الأمر سيزداد سوءاً بالطبع مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة ومستويات المياه في عموم الشرق الأوسط. فيما تزداد درجة الحرارة في المنطقة ضعف معدل بقية العالم.
وبحلول نهاية القرن، إذا ثبتت صحة التوقعات الأخطر، فقد لا تكون مكة صالحة للسكن؛ مما يجعل الحج الصيفي محفوفاً بالمخاطر. وستتحول مساحات شاسعة من الشرق الأوسط إلى ما يشبه الصحراء في عفار الإثيوبية، وهي مساحة شاسعة على البحر الأحمر لا يوجد فيها مستوطنة بشرية دائمة. ويمكن أن تجد المدن الساحلية الخليجية اللامعة نفسها بحلول نهاية القرن مغمورة مع ارتفاع منسوب المياه. ربما لم تحل نهاية المنطقة الآن، لكنها متوقعة قريباً، كما تقول الصحيفة البريطانية.
قال جيم كرين، محلل أبحاث الطاقة في معهد بيكر بجامعة رايس في ولاية تكساس الأمريكية للصحيفة البريطانية: “إنها قضية صعبة حقاً لأنَّ مصالح النخب الحاكمة تتعارض مع مصالح المواطنين. إذ تعتمد كل النخب الحاكمة على ريع النفط لبقاء أنظمتها؛ لذا تحتاج إلى تجارة النفط للبقاء على قيد الحياة وفي السلطة. لكن في نهاية المطاف، تتمحور مصالح المواطنين على المدى الطويل حول مناخ ملائم للعيش”.
وفي الحقيقة، تعلم دول المنطقة منذ عقد على الأقل أنها بحاجة إلى التحول بعيداً عن النفط. وتتنازع الآراء حول النقطة الدقيقة لذروة الطلب على النفط، وتعتمد على عدد لا يحصى من الافتراضات حول التنظيم والتكنولوجيا وسلوك المستهلك. لكن الكثير من الناس يقولون إنَّ الطلب سيبلغ ذروته في حوالي عام 2040، ثم ينخفض بعد ذلك.
أزمة التحول نحو عصر ما بعد النفط
حتى وقت قريب، كانت هناك مؤشرات قليلة على أنَّ الدول البترولية، بما في ذلك إيران، شعرت بالحاجة إلى التخلص من الوقود الأحفوري بهذه الوتيرة.
وتعليقاً على تقرير لوكالة الطاقة الدولية، الذي دعا إلى وقف الاستثمارات النفطية الجديدة، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إنَّ التقرير لا يدرك الحقائق. وأضاف عبد العزيز، خلال منتدى عام في مؤتمر الطاقة العالمي الرابع والعشرين في عام 2019 في أبوظبي: “إذا كان عليّ أن أهتم بتوقعات وكالة الطاقة الدولية، فمن المحتمل أنني سأضطر لتناول مضادات الاكتئاب طوال الوقت”.
بدوره، قال وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، إنَّ قطع إنتاج النفط والغاز سيتسبب في نقص في إمدادات الطاقة. وتشير توقعات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) نفسها إلى أنَّ الطلب على النفط سيرتفع ارتفاعاً ثابتاً حتى عام 2045، وستنخفض حصة النفط في الطلب العالمي على الطاقة من 30% إلى 28% فحسب؛ ما يخلق بالكاد ثورة خضراء.
وبالنظر إلى أزمة الطاقة الحالية، وأسعار النفط المتصاعدة، والطلب المتوقع على النفط هذا العام، فإنَّ حالة التحول السريع أصعب مما كانت عليه قبل عام.
تقول زينة خليل الحاج، مؤسسة منظمة Greenpeace in the Middle East، “إنَّ الأمر قد يتطلب تحولاً نفسياً سريعاً بعيداً عن النزعة الاستهلاكية. الخليج ليس قريباً حتى من هذا النوع من المحادثات. إذا رأيت نمط الحياة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، فهو يعتمد على الاستهلاك اللامتناهي. ما أخشاه هو أننا بعيدون جداً عن ذلك من حيث السياسة والاستعداد”.
وتأتي إيران حالياً في المرتبة السابعة بين أعلى معدل انبعاثات الكربون للفرد، والإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في المرتبة 13.
هل تستيقظ دول الشرق الأوسط قبل بلوغ الكارثة المناخية ذروتها؟
يمكن لحكام الخليج في أحداث مثل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 26” التصدي لبعض الانتقادات بالقول إنَّ المنطقة نفسها ليست واحدة من أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية، سواء الآن أو تاريخياً. إذ تسهم المنطقة بـ4.7% فقط من انبعاثات الكربون في جميع أنحاء العالم، وهو ما يبدو ضئيلاً مقارنة بالتلوث الذي تتسبب به أوروبا وأمريكا والصين. ويُسجَّل النفط الذي يصدره الشرق الأوسط ضمن انبعاثات الكربون من المستخدمين، وليس المنتجين.
ومع ذلك، يبدو الآن أنَّ قادة المنطقة يستجيبون للضغط ليس فقط من الغرب، بل من سكانهم أيضاً. يبدو أنَّ “الإوزة” أدركت أخيراً أنَّ بيضتها الذهبية- النفط- تتحول إلى اللون البني. يقول فرانك ووترز، مدير شبكة الطاقة النظيفة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، إنه على الرغم من أنَّ النصح حول الصفقة الخضراء قبل عام لم يكن مجدياً تماماً، لكن المواقف تتغير.
تقول الغارديان إن الإمارات كانت أول محرك خليجي في هذا الصدد، كما أعلنت نفسها، أول دولة في المنطقة تصدق على اتفاقية باريس وهي الآن الأقل اعتماداً على النفط في الإيرادات الحكومية. وأعلنت الأسبوع الماضي عن مبادرة “صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050” التي ستبدأ باستثمارات 163 مليار دولار (118 مليار جنيه إسترليني) ووزيرة جديدة لشؤون تغير المناخ والبيئة، مريم المهيري.
من جهة أخرى، وفي دليل على الاهتمام المتسارع، عيّنت قطر وزيراً للمناخ. وتستهدف البحرين بدورها صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050، وأعلنت الكويت أنَّ لديها خطة جديدة للانبعاثات.
كانت المملكة العربية السعودية، التي نادراً ما تحب أن تتفوق عليها الإمارات، قد صرحت بالفعل بأنها ستزيد حصتها من مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 0.3% إلى 50% بحلول عام 2030، فضلاً عن زراعة 10 مليارات شجرة في العقود المقبلة.
ومؤخراً، نظمت أكبر شركة منتجة للنفط في العالم قمة غير مسبوقة للمبادرة الخضراء في الشرق الأوسط في الرياض، وهو الحدث الذي جذب خطابات موافقة واسعة من الأمير تشارلز وجون كيري. وتعهدت بأنها ستصل إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية داخل حدودها بحلول عام 2060، وهو أقل طموحاً من طلب الأمير تشارلز للوصول إلى الهدف بحلول عام 2050 بخطوط أساس واضحة.
الجدية في إيجاد الحلول المناخية
ويقول المسؤولون السعوديون إنهم كانوا رواداً في عقد القمم وإنشاء المواقع الإلكترونية وصياغة الرؤى، لكن المصداقية الحقيقية تنبع من تحويل مفاهيم العلاقات العامة مثل الاقتصاد الكربوني الدائري إلى حقيقة واقعة.
وكثيرون في الغرب متشككون، إذ لا يُدرَج الوقود الأحفوري الذي تشحنه المملكة للخارج على دفتر سجلاتها الكربونية؛ بسبب قواعد المحاسبة للأمم المتحدة، ويعتمد التخفيض الداخلي الموعود في الانبعاثات على رهان كبير على أنَّ تكنولوجيا احتجاز الكربون والهيدروجين الأزرق غير المثبتة فاعليتها ستنجح.
من جانبها، أشارت منظمة Greenpeace Middle East إلى أنَّ قمة الرياض كانت “خدعة” لإرضاء الولايات المتحدة، إذ تضمنت خطة السعوديين زيادة إنتاج النفط. ويقول آخرون إنَّ السعودية شعرت على الأقل بالحاجة إلى الانضمام إلى الجدل المناخي بدلاً من المماطلة فيه.
وتقول الغارديان في النهاية إن أحد الأسباب التي جعلت ممالك الخليج قادرة على أن تكون بطيئة للغاية في فطام نفسها عن السلعة التي جعلتها غنية تتمثل في أنها استخدمت الثروة الناتجة في تخدير الرأي العام. واشترت المواطنين من خلال مزيج من عدم فرض الضرائب، إلى جانب دعم المياه والبنزين والطاقة. وتختلف هذه الديناميكية في لبنان والعراق وبدرجة أقل في إيران. لكن بدأ هذا يتغير، وظهرت مجموعات صغيرة من المجتمع المدني الأخضر؛ مثل Kesk و Nature Iraq و Greenpeace Middle East.
عربي بوست