نشر موقع “إيكونوميست” (The Economist) البريطاني تقريراً بأن سوريا تحولت إلى دولة مخدرات تشكل أقراص الكبتاغون صادرها الرئيسي، وأن مركز تحليل العمليات والبحوث (COAR) -وهو شركة استشارية مقرها قبرص- أفاد بأن السلطات في دول متعددة من العالم صادرت العام الماضي مخدرات سورية بقيمة لا تقل عن 3.4 مليارات دولار، مقارنة بأكبر تصدير قانوني لسوريا وهو زيت الزيتون الذي تبلغ قيمته حوالي 122 مليون دولار في السنة، كما ان هناك تقرير مشابه كشفت عنه صحيفة “الغارديان” البريطانية صدر في (7 مايو أيار 2021) كيف تحولت سوريا إلى دولة مخدرات عبر إنتاج مخدر الكبتاغون، وهذه التقارير ليست الاولى من نوعها حيث صدر تقرير مشابه في تموز ال ٢٠٢٠ نشرته شبكة Deutsche Welle الألمانية بعد ضبط شحنات قادمة من سورية إلى ايطاليا
رسمياً.. الداخلية ترد
ردا على التقارير السابقة بين مدير مكتب اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات المقدم حسام عازر في حديث خاص للمشهد بأن بعض وسائل الإعلام الغربية تتداول عَمداً معلومات خاطئة و مُضَلِّلة فيما يَتَعَلَّق بظاهرة تهريب المخدرات والإتجار غير المشروع بها في سورية وتخالف قواعد المهنية، من خلال اعتمادها مَصادر مَفتوحة وغير متواجدة على الأرض السوريّة أصلاً وُتُصدِر التقارير من خلف الشاشات فقط وهذا ما يُفقدها مصداقيتها لعدم وثوقيّة المعلومات التي تعرضها، ووَصل الأمر بهذه الوسائل الإعلامية ومواقعها لأن تَختَلق أرقاماً دون ذكر المَصدر الذي استنَدَت إليه، وهي أرقام غير صحيحة بكل تأكيد ويُمكِن لأيّ أحد من ذوي الاختصاص أو يعَمل في مجال المُكافحة العملياتيّة للمخدرات أن يَكشف زيف هذه الأرقام وهو احد أوجه الحرب الإعلامية التي تتعرض لها بلدنا فظاهرة تعاطي المخدرات غريبة عن المجتمع السوري وينبذها بحسب قيمه وأخلاقياته.
عازر أشار إلى أن إدارة مكافحة المُخدِّرات وفروعها في المحافظات قامت بتنفيذ العديد من العمليات النوعيّة لجهة كمية المواد المخدرة المضبوطة،وللأسلوب المُتبع في ضبطها
من خلال تشكيل فرق العمل المختصّة بالرصد والمتابعة والضبط والتحقيق وعبر تنسيق الجهود المتنوعّة ابتداءً من رصد المعلومة وتدقيقها ومعالجة جميع المعلومات الموجودة وصولاً لاختيار الأسلوب وتحديد الزمان والمكان المناسبين لتنفيذ عمليات ضبط المواد المخدرة وإلقاء القبض على مُروِّجيها أو التجار أو المهربين ومباشرة التحقيقات الأولية معهم والتوسّع فيها وصولاً للكشف عن جميع أطراف هذه العمليات والمتورطين بها وإلقاء القبض عليهم وإذاعة البحث عن المتوارين منهم، ثم يتم إحالة المقبوض عليهم إلى القضاء المختصّ، حيث تتم محاكمتهم بموجب القانون رقم (2) لعام 1993م، وهو القانون الخاص الذي يُعالج مُختلف جرائم المُخدِّرات وما يتعلَّق بها.
بالأرقام..
أكد المقدم حسام عازر للمشهد بأن الإحصائيّة الرسمية المُعتمدة هي الاحصائية الصادرة عن وزارة الداخلية – إدارة مكافحة المخدرات وتشمل المواد المخدرة المضبوطة في الجمهورية العربية السورية لعام 2021، حيث بلغ عدد القضايا التي تم تسجيلها ٩٥٧٥ قضية حيث بلغ عدد المتهمين فيها ١٢٠٨٨ متهما، أما المضبوطات فهي ٤٠٦١.١٤٤ كغ من الحشيش المخدر و ٤ كغ من الهيروئين المخدر و ١٢٨ غرام من الكوكائين و١١٣ كغ من بذور القنب الهندي و ١٥٠٨١٢٨٢ مليون حبة كبتاغون و ٣٨٣٩٢٠ الف حبة من الحبوب الدوائية النفسية و٢٥٦ غرام من مادة “الميتا إمفيتامين”، و ٦ كغ إمفيتامين
ويوضح عازر بأن تجار المخدرات والمهربين والمروجين استفادوا من التطور التقني ومن العوائد المالية الكبيرة الناجمة عن هذه التجارة غير القانونية مما استدعى بالمقابل تطوير أساليب البحث والضبط من قبل إدارة مكافحة المخدرات لكشف أساليب الإخفاء التي اتسم البعض منها باللاإنسانية، كتاجرة ومدمنة المخدرات التي اجهضت جنينها واحتفظت بجثته في ثلاجة المنزل واستخدمتها فيما بعد في نقل مواد مخدرة كالكوكايين والهيروين، كما تم ضبط المواد المخدرة في ضمن قوالب خشبيّة لصنع الحلويّات، وضمن ساعات خشبية لمُجسَّم على شكل جامع، وعبوات فيها مواد غذائيّة (تمور، شوكولا)، وإطارت الآليات الثقيلة وثقالات المصاعد الكهربائية وضمن تطريز العباءات النسائية.
بلد عبور فقط
بين عازر بأنه تبعا لتصنيف مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات «Unodc» و الهيئة الدولية للرقابة على المخدرات «INCB»”، وتُعتَبَر سوريا بلداً خالياً من زراعة وإنتاج المُخدِّرات وتُشير المُعطياتُ المتوفِّرة إلى أن ارتفاع عمليات تهريب المخدِّرات عبر الحدود السوريّة جاء نتيجة لزيادة الطلب الاستهلاكي في الدول المجاورة والقريبة من سوريا، الأمر الذي يُؤكِّد أنّ مشكلةَ المخدِّرات لا تكمن في إنتاجِ المخدِّرات أو استهلاكها وإنّما تتمثَّل في كون موقع سوريا الجغرافي وتوسطها القارات جعلها ممراً إجبارياً لعبور المخدِّرات فيما بين دول الإنتاج ودول الاستهلاك. عِلماً إنَّ أحد أوجه التعاون الدولي هي عمليّات التسليم المُراقَب التي كانت مُستمرّة حتى عام 2010م ثمّ توقفت نتيجة توقُّف دول الجوار عن الاستمرار بالتعاون معنا في هذا المجال.
ونتيجة للظروف السياسية والأمنيّة المُعقّدة خلال السنوات الفائتة لجأ تجّار المُخدِّرات إلى طلب الحماية لأنشطتهم الغير قانونيّة من التنظيمات الإرهابيّة التي كانت بدورها بحاجة إلى أموال لشراء الأسلحة والإنفاق على عناصرهم واستقطاب أتباع جدد، وذلك في إطار سعي هذه التنظيمات الإرهابيّة لاختراق الدول أمنياً وسياسياً واجتماعياً بهدف تدمير ركائز الأمن والاستقرار الوطني بها ونشر الفوضى فيها للسيطرة عليها، وفئة الشباب هي الأدوات التنفيذيّة المُستخدمة من قبلها، وأدّى ذلك لزيادة في ظاهرة تهريب وتِجارة وتَعاطي المُخدِّرات.
عازر يقول أيضا في حديثه للمشهد: “نَبذل كلّ جهودنا كي لا تحقّق المُخدِّرات ما عَجَزت آلة الإرهاب عن تحقيقه من خلال عدوانها الذي تمارسه الدول الطامعة بوطننا، علما أن المكافحة الشاملة لمشكلة المخدرات لا تأتي إلا من خلال تطبيق استراتيجيتي مكافحة العرض وخفض الطلب على المواد المخدرة والتي تشرف على تنفيذهما اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات والتي أُسِّسَت عام 1988م ويَرأسها السيد اللواء وزير الداخلية”.
ويوضح أيضاً أن القانون رقم 2 لعام 1993م، (ويُعرَف باسم قانون المُخدِّرات)، أفرد مادَّةً خاصّة تنظم عملية إتلاف المواد المُخدِّرة المَضبوطة والمُصادرة وهي المادة 69 منه، ويَتمّ تنفيذ عمليات إتلاف بشكل سنوي تقريباً وذلك بإشراف لَجنة مُشكّلة تضم مُمَثّلين من وزارة العدل ووزارة الصحة وبحضور وتغطيّة وسائِل الإعلام المُختَلِفة ونحن بصدد الإعداد لعملية إتلاف خلال مطلع العام الحالي حيث سيتمّ إتلاف المواد المُخَدِّرة المَضبوطة في العام الفائت.
المخدرات في القانون السوري
بيّن الاستاذ المحامي منيب هايل اليوسفي في حديث خاص للمشهد مفهوم المدمن من الناحية القانونية
تعريف مدمن الهيروين:
هو الشخص الذي يتعاطى الهيروين بأي أسلوب ( استنشاق، حقن، بلع) لعدد يتراوح من 2- 6 مرات يومياً ولمدة أسبوع.
و أما مدمن الحشيش:
فهو الشخص الذي يتعاطى الحشيش بأي أسلوب (سجاير، مضغ) ولعدد يتراوح من 2-4 مرات يومياً ولمدة لا تقل عن أربع سنوات.
وبالتالي فإن المتعاطي الحشيش لا يكون مدمناً إلا إذا كانت فترة التعاطي لا تقل عن أربع سنوات، وهو ما يعني بأن ضبط مادة الحشيش مع شخص ودون تحقق المدة اللازمة لا يصنفه ضمن فئة المتعاطين.
ووفقا لليوسفي فإن المشرع السوري قد عاقب على التعاطي ابتداءً ودون اشتراط الإدمان، بحيث يمكن القول بأن مجرد حيازة المخدرات أو نقلها يعتبر جرماً يعاقب عليه القانون، وقد وضع المشرع معياراً لتقرير العقوبة يتمثل بأن يكون الهدف من حيازة المخدرات هو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.والعقوبة المقررة هنا تقل عن العقوبة التي تنص عليها المادة40/أ والتي تعاقب على حيازة المخدرات بقصد الاتجار.
بالمقابل فإن المشرع السوري قد عامل المدمن معاملة خاصة، وذلك بنص المادة43/ب حيث يوقف تنفيذ العقوبة الواردة في الفقرة أ من المادة 43
((يعاقب بالاعتقال المؤقت وبغرامة من مائة ألف إلى خمسمائة ألف ليرو كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو نقل أو سلم أو تسلم مواد مخدرة وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً)) متى ثبت بأن المتعاطي مدمن على المخدرات
وأشار الأستاذ منيب إلى الحالات التي يتم فيها اسقاط الحق بالعلاج عن المدمن قائلا :
يودع من يثبت إدمانه على تعاطي المواد المخدرة أحد المصحات التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها ، ويكون الإفراج عن المودع بعد شفائه بقرار من المحكمة ، بناء على اقتراح اللجنة المختصة بالإشراف على المودعين بالمصحة ، ولا يجوز أن تقل مدة بقاء المحكوم عليه بالمصحة عن ثلاثة أشهر ولا أن تزيد عن السنة ، ولا يجوز أن يودع المصحة من سبق الأمر بإيداعه فيها مرتين تنفيذاً لحكم سابق ، إذا تبين عدم جدوى الإيداع ، أو انتهت المدة القصوى المقررة له قبل شفاء المحكوم عليه، أو خالف الواجبات المفروضة عليه لعلاجه، أو ارتكب أثناء إيداعه أياً من الجرائم المنصوص عليها في قانون المخدرات، وتقوم اللجنة المختصة في المصح برفع كتاب إلى المحكمة عن طريق النيابة العامة مع طلب الحكم بإلغاء وقف التنفيذ.
اما فيما يتعلق في الإعفاء من العقوبة فقد نصت المادة /53/ من قانون المخدرات على مايلي:
«يعفى من العقوبات المقررة في المادتين /39/ و/40/ كل من بادر من الجناة لإبلاغ السلطات العامة عن الجريمة قبل علمها بها فإذا حصل الإبلاغ بعد علم السلطات العامة بالجريمة تعين أن يوصل الإبلاغ فعلاً إلى ضبط باقي الجناة».
إذن، الإعفاء هو بمثابة مقابل الخدمة التي يقدمها الجاني للمجتمع، وهو نوع من المكافأة، منحها الشارع لكل من يؤدي خدمة للعدالة توصلاً إلى كشف بعض الجرائم الخطيرة قبل استفحالها والقبض على فاعليها.
أكد اليوسفي على نقطة هامة وهي إن العقوبات تشدد نسبة إلى مكان ارتكاب الجريمة ، فقد قضت المادة /40/ من قانون المخدرات بتشديد عقوبة الاعتقال المؤبد إلى الإعدام إذا ارتكبت جريمة الاتجار بالمواد المخدرة أو نباتاتها أو جريمة نقل مواد مخدرة أو نباتاتها أو بذورها أو جريمة إدارة مكان لتعاطي المخدرات بمقابل، إذا ارتكبت هذه الجرائم في دور التعليم أو مرافقها الخدمية أو في مؤسسة ثقافية أو رياضية أو إصلاحية، أو دور العبادة أو المعسكرات أو السجون أو دور التوقيف أو في الجوار المباشر لدور التعليم والمعسكرات ، والحكمة من ذلك أن الأمكنة المذكورة تضم عدداً كبيراً من الناس فشدد المشرع العقوبة لحماية هذه التجمعات البشرية من خطر انتشار المخدرات فيها وقد تصل العقوبة في بعض الاحيان الى الاشغال الشاقة مدة 15 سنة في حين نظر المشرع الى المتعاطي بنظر الرأفة رغم العقوبة المفروضة والتي لا تتجاوز 3سنوات باعتبار المتعاطي هو ضحية اكثر ما يكون مجرم.
المشهد
اقرأ أيضا: “التوك توك” الكهربائي يبدأ العمل في شوارع دير الزور