شنَّت القوَّات الروسيَّة فجر يوم، 24 فبراير (شباط) 2022 هجومًا على الأراضي الأوكرانية، بعد ثلاثة شهور من الحشد العسكري عند الحدود، وبعد أسابيع من التكهُّنات المختلفة باحمالية خوض موسكو للحرب على أوكرانيا.
وفي خضمِّ الحرب، يُطرح تساؤل عن أبرز المستفيدين الدوليين من الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي التقرير التالي نتطرَّق إلى أربعة مستفيدين رئيسين من حالة الحرب، وماهية المكاسب الإستراتيجية التي قد يحصل عليها كل طرف من جرَّاء الحرب الروسية على أوكرانيا.
تركيا.. صفحة جديدة للعلاقات مع الناتو بعد الحرب على أوكرانيا؟
خلال الأيام الأخيرة التزمت تركيا رسميًّا بنوع من الحياد وحاولت الوساطة بين روسيا وأوكرانيا – وهي المبادرة التي رفضتها موسكو – إلَّا أن العلاقات القوية والمتصاعدة في السنوات الأخيرة بين أنقرة وكييف أثارت قلق روسيا ودفعها للاحتجاج لدى تركيا أكثر من مرَّة، خصوصًا وأنَّ تركيا زوَّدت أوكرانيا بالطائرات المسيّرة عن بُعد في حربها ضدَّ الانفصاليين المدعومين من طرف روسيا في دونيتسك ولوهانسك بشرق أوكرانيا، وهما الإقليمان اللذان اعترفت روسيا باستقلالهما مؤخرًا.
ومع ذلك فإن أحد الجوانب الإستراتيجية من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، يصب في مصلحة تركيا وعلاقتها مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد شهدت هذه العلاقة توترًا محمومًا خلال السنوات الماضية، اتَّسم بالاتهامات المتبادلة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكلٍّ من رؤساء أمريكا وفرنسا، وبرز هذا التوتر في العديد من الملفات مثل الوجود التركي في ليبيا وسوريا وقبرص وغيرها.
وجرى تصوير تركيا في الدوائر السياسية والإعلامية الغربية بوصفها «دولة مارقة» وتعالت أصوات تطالب بإخراجها من حلف الناتو؛ كما هدَّد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بـ«تدمير الاقتصاد التركي» بالعقوبات الاقتصادية على خلفية الهجوم التركي على جماعات كردية مسلَّحة في شمال سوريا.
تأتي الحرب الروسية ضد أوكرانيا لتُعيد إلى تركيا أهميتها الإستراتيجية في حلف الناتو، فطوال السنوات الماضية كان الغرب ينظر إلى تركيا بوصفها مصدرًا مقلقًا بسبب ما يراه أطماعًا توسُّعية سواء بالنسبة للجزر المتنازع عليها مع اليونان في البحر الأبيض المتوسِّط أو بالنسبة لسياستها في قبرص وليبيا وسوريا؛ وقد حذَّر البعض من أن درجة التوتُّر هذه قد تؤدِّي إلى انهيار حلف الناتو من الداخل.
إذ حامت بعض الشكوك حول علاقة حلف الناتو مع تركيا التي انضمَّت إلى هذا الحلف منذ 70 سنة، وطُرحت هذه الشكوك ليس فقط من طرف الرئيس الأمريكي ترامب أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فحسب، بل من داخل تركيا نفسها، فبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا صيف سنة 2016، تعالت الأصوات من داخل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم متَّهمة قاعدة «أنجرليك» الجوية التابعة للناتو بالتورُّط في المحاولة الانقلابية، كما اتَّجهت تركيا إلى روسيا من أجل الحصول على منظومة «إس – 400» المضادة للطائرات بعد المماطلة الأمريكية في تزويدها بـ«منظومة باتريوت»، وهو ما أدى إلى تقارب أكبر مع موسكو على حساب الناتو.
لذا فمع صعود التهديد الروسي ونقله بوتين للمعركة إلى أبواب أوروبا؛ فإن دور تركيا وأهميتها الإستراتيجية بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة بوصفها أحد أهم أعضاء حلف الناتو وموقعها المتقدِّم بالقرب من روسيا سيضطر الغرب لمراجعة موقفه من تركيا.
إذ من المرشَّح أن توفِّر الحرب الروسية في أوكرانيا فرصة جديدة لتركيا لإعادة صياغة موقعها داخل حلف الناتو، وتأكيد أهميتها الإستراتيجية والسياسية ليس بحكم موقعها الجغرافي شديد الأهمية، خصوصًا وأنَّها، رغم كلِّ الأزمات التي دخلتها مع أعضاء الحلف، تبقى عنصرًا شديد الأهمية والفاعلية فيه، فخلال السنة الماضية اضطلعت تركيا، في إطار الحلف، على مهمة تأمين مطار كابول في أفغانستان إثر سيطرة «طالبان» على البلاد، كما أدَّت تركيا مهام الحراسة والاستطلاع الدورية فوق بولندا، هذا بالإضافة إلى أهميِّتها الجغرافية باعتبارها تطلُّ على البحر الأسود بالإضافة إلى جوارها لكل من روسيا وأوكرانيا.
وكانت أوكرانيا قد طلبت رسميًّا من تركيا إغلاق مضيق البوسفور ومنع السفن الروسية من عبوره، ومن ثم فمن المرجَّح أن تسعى البلدان الغربية إلى تخفيف الضغط السياسي والإعلامي على تركيا في محاولة لاستمالتها وإعادة تأكيد دورها داخل منظومة «حلف الناتو».
الصين.. العين على أوكرانيا والعقل في تايوان
قد تحمل الحرب على أوكرانيا نتائج إيجابية بالنسبة للصين التي تبقى إلى الآن ميَّالة إلى الجانب الروسي، وقد دعت بكين على لسان وزير خارجيتها وانج يي «جميع الأطراف إلى التعقُّل» كما أنَّها لم تُدن خطوة روسيا في إعلانها الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا، وهو ما يمكن قراءته بصفته صمتًا مقصودًا أو حتى دعمًا ضمنيًّا للتحركات الروسية.
وتشهد العلاقات الروسية والصينية في السنوات الأخيرة تقاربًا هو الأكبر من نوعه منذ عهد ماو وستالين؛ فالصين هي أكبر شريك تجاري لروسيا وقد وصلت المبادلات التجارية بين الطرفين إلى 147 مليار دولار، كما كثَّف الطرفان من المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة في السنوات الأخيرة.
الرئيس الصيني تشي جين بينج والرئيس الروسي بوتين
ويرجِّح مراقبون أن الصين تراقب الوضع بين روسيا وأوكرانيا وتتابع عن كثب ردود الأفعال الدولية، تحسُّبًا لأي تحرك مماثل من طرفها ضد تايوان التي تعدها الصين جزءًا من أراضيها، وحسب دان بلومنثال، رئيس الدراسات الآسيوية في مركز «أميريكان أنتربرايز» فإن الصين قد تفتعل أزمات داخلية داخل تايوان من خلال التلويح بالحرب وشن حملة تهديد وتخويف تجاه الجارة الصغيرة؛ مما قد يدخل هذا الإقليم المتنازع عليه في أزمة داخلية حتى قبل إطلاق رصاصة واحدة من طرف الصينيين.
وقد تطلق الحرب الروسية على أوكرانيا، التي كسرت الثوابت السياسة الدولية، شرارة تحوُّلات عالمية وبروز ترتيبات دولية جديدة مغايرة لتلك التي شهدها العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي سنة 1989 إلى اليوم، خصوصًا وأن هنالك الكثير من نقاط التشابه بين العلاقات التاريخية والثقافية بين روسيا وأوكرانيا، وعلاقة الصين بتايوان من جهة أخرى، كما أن انشغال الولايات المتحدة والغرب وحلف الناتو بالحرب الروسية في أوكرانيا من شأنه أن يُعطي الصين فسحة من الراحة وهامشًا للمناورة في إقليم تايوان.
وقد لا تصل المطامح الصينية إلى حدِّ إلحاق تايوان بالصين بصورة كاملة، بل قد تضغط بكين من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي شبيه بالوضع بين الصين وهونج كونج، وما يُشجِّع الصين على هذه الخطوات هو عدم وجود أيَّة قوَّات لحلف الناتو في آسيا، فإذا كان هذا الحلف لم يتدخَّل في الأزمة في أوكرانيا حتى الآن، فإن تدخله في أزمة تايوان ستكون مستبعدة من باب أولى.
ويُضاف إلى ذلك أن وضعية «تايوان» السياسية والقانونية على الساحة الدولية نفسها غير واضحة، إذ إن هذا الكيان غير معترف باستقلاله حول العالم، إذ إن حكومة تايوان نفسها تسمِّي نفسها «جمهورية الصين»، كما أنَّ تايوان لا تملك أيَّة اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة أو حلف الناتو؛ مما قد يشجِّع الصين أكثر على هذه الخطوة، ومن ثم فإن الصين تراقب ردَّة فعل الولايات المتحدة بالنسبة لحليفتها أوكرانيا، وقد تطوِّر بناءً على ردَّة الفعل هذه، إستراتيجيتها الخاصة تجاه تايوان.
بيلاروسيا.. فرصة لوكاشينكو لتثبيت موقعه في السلطة
تعدُّ بيلاروسيا التي كانت يومًا جزءًا من الاتحاد السوفيتي، ثم دخلت في تجربة وحدة مع روسيا الفيدرالية خلال عهد بوريس يلتسين، الأقرب إلى سياسة موسكو، ولكن ما الذي سيربحه ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا الذي يعده الأوروبيون «آخر دكتاتوريي أوروبا»؟ ويشير بعض المراقبين إلى أن لوكاشينكو سيستفيد من الحرب في أوكرانيا من خلال إشراك قواته في الحرب، وهو ما سيعود على اقتصاد البلاد بعائدات مادية وإعانات بمليارات الدولارات من طرف روسيا.
الرئيس الروسي بوتين والرئيس البيلاروسي لوكاشينكو
ومن المتوقع أن يحظى لوكاشينكو بالمزيد من الدعم السياسي والاقتصادي الروسي في مواجهة المعارضة الداخلية المتنامية المطالبة برحيله؛ إذ شهدت البلاد في أغسطس (آب) 2020 احتجاجات هي الأضخم منذ استقلال البلاد، والتي طالبت برحيل لوكاشينكو بسبب بما أسمته «تزويرًا انتخابيًّا» ويحكم ألكسندر لوكاشينكو البلاد منذ سنة 1994.
وأجرت القوات الروسية والبيلاروسية تدريبات عسكرية في جنوب بيلاروسيا قرب الحدود مع أوكرانيا خلال فبراير (شباط) 2022، ومن شأن دعم لوكاشينكو للغزو الروسي لأوكرانيا، أن يعزِّز موقعه على رأس السلطة في بيلاروسيا، كما قد يساعده على الاستعانة بالقوات الروسية في حالة حدوث تمرُّد عنيف، مثل الذي شهدته كازاخستان في ديسمبر (كانون الأول) 2021.
قطر والجزائر.. مداخيل مالية وفيرة من ارتفاع أسعار الغاز
شهدت أسعار النفط والغاز ارتفاعًا قياسيًّا في أسعارها خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصًا مع تصاعد التوتُّر العسكري بين روسيا وأوكرانيا؛ إذ وصل سعر برميل خام برنت إلى 103 دولارات، لأوَّل مرة منذ سبع سنوات، بالإضافة إلى أن أسعار المتر المكعب من الغاز المسال شهدت زيادات قياسية هي الأخرى بنحو 40%.
وهو ما من شأنه أن يقدِّم خدمة كبيرة للدول المصدِّرة للغاز بزيادة مداخيلها من العملة الصعبة، مثل قطر والسعودية والإمارات والجزائر، وقد سعت أوروبا في الأيام الأخيرة إلى تنويع مصادرها من الطاقة في ظلِّ التكهنات بالغزو الروسي لأوكراني؛ إذ إن الغاز الروسي حاليًا يتدفَّق من كل من أوكرانيا وبيلاروسيا حليفة موسكو.
قمَّة الدول المصدِّرة للغاز في الدوحة – قطر فبراير (شباط) 2022
وقد كانت الدول الخليجية والجزائر وجهة الأوروبيين والأمريكيين من أجل تعويض الغاز الروسي، إلا أن أغلب أعضاء خلال قمَّة الغاز التي انعقدت في قطر في 19 فبراير (شباط) 2022 أكدوا على وصول بلدانهم إلى الطاقة القصوى من الإنتاج، وعدم القدرة على تعويض الغاز الروسي، وهو ما من شأنه أن يُبقي أسعار الطاقة على ارتفاعها، وبالتالي زيادة مداخيل هذه الدول المنتجة للغاز.
وتتطلَّب زيادة الإمدادات الغازية إلى أوروبا لتعويض غاز روسيا، استثمارات كبيرة تتطلَّب قدرات مالية مهمة، في الوقت الذي لا يوافق الاتحاد الأوروبي على توقيع عقود طويلة الأمد لمدة من 10 إلى 20 عامًا، بالنظر إلى إستراتيجيته في الاعتماد على «الطاقة النظيفة»، وهذا ما يجعل هذه الدول المصدِّرة للنفط مثل قطر والجزائر في موقف تفاوضي قويٍّ تجاه الاتحاد الأوروبي، الذي يبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي.
وفي هذا السياق أكَّدت قطر على لسان وزير طاقتها سعد شريدة الكعبي، أن الغاز الروسي المصدَّر لأوروبا لا يمكن تعويضه، خصوصًا وأنَّه يمثل 30-40% من احتياجات أوروبا؛ وهذا ما يضع الدول المصدِّرة للغاز حاليًا في وضع أفضل للتفاوض مع الأوروبيين بالنظر لامتلاكها لورقة تحتاجها أوروبا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
ساسة بوست
اقرأ أيضا: وزارة الدفاع الروسية: تم الاستيلاء على أنظمة صواريخ أمريكية وبريطانية لدى أوكرانيا