“أعطونا مزيداً من صواريخ ستينغر التي سبق أن هزمت الاتحاد السوفييتي في أفغانستان”، يبدو هذا لسان حان أوكرانيا التي يراهن قادتها وداعموهم الغربيون على صواريخ غافلين المضادة للدبابات وستينغر المضادة للطائرات لوقف آلة الحرب الروسية العملاقة، فهل تستطيع صواريخ ستينغر إسقاط المقاتلات الروسية مثل السوخوي، وهل كانت فعلاً سبباً لانسحاب السوفييت من أفغانستان؟
وقال وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف: “نحن بحاجة إلى أكبر قدر ممكن من أسلحة صواريخ ستينغر والأسلحة المضادة للدبابات”.
وكانت صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وصواريخ غافلين المضادة للدبابات وكلاهما من صنع أمريكي تمثل الجزء الأكبر من شحنات الأسلحة الغربية لأوكرانيا قبل الحرب وبعدها، وآخر الدول التي أعلنت عزمها تقديم هذه الصواريخ كانت ألمانيا.
وأشاد مسؤولون عسكريون أمريكيون بمقاومة الجيش الأوكراني الذي عرقل تقدم الجيش الروسي، وعزوا ذلك إلى عاملين الأول هو أداء القوات الأوكرانية، من ناحية، وفاعلية أداء صواريخ ستينغر وغافلين.
وأعاد ذلك للأذهان الدور المنسوب لصواريخ ستينغر في هزيمة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، على يد المجاهدين الأفغان بعد أن زودتهم بها الاستخبارات الأمريكية، في الفصل الأخير للحرب.
مواصفات صواريخ ستينغر
صاروخ FIM-92 Stinger الذي تنتجه شركة رايثون الأمريكية هو صاروخ أرض جو خفيف الوزن وسهل التشغيل قصير المدى، يمكن إطلاقه من على الكتف بواسطة مشغل واحد (على الرغم من أن الإجراءات العسكرية القياسية تتطلب مشغلين اثنين، رئيس الفريق والمدفعي)، ويمكن إطلاقه أيضاً من العربات العسكرية، وتوجد نسخة تم إطلاقها من الطائرات المروحية تسمى Air-to-Air Stinger ATAS.
يستخدم الصاروخ باحثاً يعمل بالأشعة تحت الحمراء لتتبع حرارة عادم محرك الطائرة المستهدفة، ويصطدم تقريباً بأي شيء يطير على ارتفاع أقل من 11000 قدم (3352.8 متر).
صُمم صاروخ ستينغ (FIM-92A)، لمنح القوات البرية طريقة للتعامل مع الطائرات والمروحيات التي تحلق على ارتفاع منخفض. من وجهة نظر الجنود على الأرض، عادة ما تكون طائرات العدو التي تحلق على ارتفاع منخفض مشكلة لأنها إما تقصِف بدقة، أو تقوم بأعمال المراقبة كما أن . إن إسقاط هذه الطائرات هو أسهل طريقة للقضاء على التهديد.
يبلغ طول الصاروخ (1.52 م)، ويزن الصاروخ نفسه (10.1 كغم)، بينما يزن الصاروخ مع أنبوب الإطلاق حوالي (15.2 كجم). يصل مدى استهدافه إلى 4800 متر ويمكنه مواجهة تهديدات العدو على ارتفاعات منخفضة حتى 3800 متر. يتم تشغيل Stinger بواسطة محرك طرد صغير يدفعه مسافة آمنة من المشغل قبل تشغيل الوقود الصلب الرئيسي المكون من مرحلتين، والذي يسرّعه إلى سرعة قصوى تبلغ 2.54 ماخ (750 م / ث)، والرأس الحربي وزنه 1.02 كجم.
إحدى مميزات صواريخ ستينغر أنه سلاح “أطلق وانسَ” أي لا يتطلب من المشغل استمرار تتبع الهدف بعد إطلاق الصاروخ.
الباحث عن الأشعة تحت الحمراء الموجود على متن الصاروخ قادر على قفل الحرارة التي ينتجها محرك الطائرة. يطلق عليه الباحث السلبي، لأنه على عكس الصاروخ الموجه بالرادار، لا يصدر موجات لاسلكية من أجل “رؤية” هدفه.
أثناء تحليق الصاروخ، قد تصبح الطائرة التي يحاول ضربها بعيدة عن مكان رصدها الأول، فإن نظام التوجيه يغير مسار الصاروخ بشكل متناسب مع الموقع الذي سيكون فيه الهدف لحظة وصول الصاروخ له.
هل أدت صواريخ ستينغر إلى هزيمة السوفييت في أفغانستان؟
يقال إن صواريخ ستينغر تمثل عاملاً رئيسياً في إجبار الاتحاد السوفييتي على إنهاء احتلاله لأفغانستان منذ عقد من الزمن.
في أواخر عام 1985، مارس داعمو المجاهدين الأفغان في الولايات المتحدة ضغوطاً على الاستخبارات الأمريكية لتقديم مزيد من الأسلحة للمجاهدين الأفغان وبالأخص أسلحة مضادة للطائرات لمواجهة التفوق الجوي السوفييتي الهائل.
كانت الفكرة مثيرة للجدل، لأنه حتى تلك النقطة كانت وكالة المخابرات المركزية تزعم أن الولايات المتحدة لم تكُن متورطة في الحرب بشكل مباشر، وكانت جميع الأسلحة التي تم توفيرها حتى تلك اللحظة، أسلحة من مصادر غير أمريكية، بما في ذلك بنادق هجومية من طراز كلاشينكوف صُنعت في الصين ومصر.
وتقرر أن يكون القرار الأخير في هذا الأمر يعود إلى الرئيس الباكستاني في ذلك الوقت الجنرال محمد ضياء الحق، الذي كان على وكالة المخابرات المركزية من خلاله أن تمرر كل تمويلها وأسلحتها إلى المجاهدين. وكان على الرئيس ضياء أن يقيس باستمرار إلى أي مدى يمكنه أن يدعم المجاهدين دون تعريض بلاده للغزو السوفييتي لبلاده.
وبينما لم تنجح المحاولات السابقة لتوفير منظومات الدفاع الجوي المحمولة للمجاهدين، وبالتحديد SA-7 و Blowpipe بشكل جيد، لكن الوضع اختلف بالنسبة لصواريخ ستينغر.
ورغم الشهرة التي اكتسبتها صواريخ ستينغر خلال حرب أفغانستان، فإن تأثيرها في الحرب محل خلاف.
تفيد تقارير بأن صواريخ ستينغر أسقطت أكثر من مئتي وستين طائرة عسكرية سوفييتية، متحدية بذلك ميزة القوة الجوية الروسية الهائلة على مقاتلي المجاهدين ضعيفي التجهيز، حسبما ورد في تقرير لـ New Yorker الأمريكية.
وتعطي الروايات السوفييتية، والروسية لاحقاً، أهمية قليلة لدور صواريخ ستينغر لإنهاء الحرب استراتيجياً.
وصف السياسي الأمريكي تشارلي ويلسون عضو مجلس النواب الذي لعب دوراً في دفع الدعم الأمريكي للمجاهدين، إطلاق النار الأول من طراز ستينغر في 26 سبتمبر/أيلول عام 1986 على أنه إحدى اللحظات الثلاث الحاسمة في تجربته في الحرب، قائلاً: “لم نفُز مطلقاً في معركة ثابتة قبل ذلك ولم نفقد واحدة بعد ذلك” أنبوب الإطلاق هذا معروض الآن في متحف مدفعية الدفاع الجوي للجيش الأمريكي ، فورت سيل.
وفقاً لكتاب المدفعية السنوي للدفاع الجوي الأمريكي لعام 1993، استخدم المجاهدون صواريخ ستينغر لإسقاط ما يقرب من 269 طائرة عبر حوالي 340 اشتباكاً، وهو نسبة قتل محتمل بنسبة 79%. إذا كان هذا التقرير دقيقاً، فسيكون ستينجرز مسؤولاً عن أكثر من نصف خسائر الطائرات السوفييتية البالغ عددها 451 طائرة في أفغانستان. لكن هذه الإحصائيات مبنية على تقارير المجاهدين الذاتية، وقد تكون غير موثوقة.
ولكن يرفض الخبير والصحفي الأمريكي سيليج هاريسون هذه الأرقام، وينقل عن جنرال روسي أن الولايات المتحدة “بالغت إلى حد كبير” في خسائر الطائرات السوفييتية والأفغانية خلال الحرب. وفقاً للأرقام السوفييتية، في 1987-1988، تم تدمير 35 طائرة و63 طائرة هليكوبتر فقط بكل الأسلحة.و أطلق الجيش الباكستاني ثمانية وعشرين صاروخ ستينغر على طائرات معادية دون عملية إسقاط واحدة.
وفقاً لكريل، الذي يتضمن معلومات من الكاتب الروسي ألكسندر بروخانوف، فإن ستينغر كانت “نقطة تحول”، بينما رأى ميلت بيردن أنه “عامل مضاعف للقوة” ومعزز للروح المعنوية.
يميل محللون عسكريون آخرون إلى رفض المبالغة في تأثير على ستينغر. وفقاً لآلان جيه كوبرمان، أحدثت الصواريخ تأثيراً في البداية، ولكن في غضون بضعة أشهر ركب السوفييت إجراءات مضادة على الطائرات مثل مشاعل وإشارات وحواجز عادم لإرباك الصواريخ، جنباً إلى جنب مع العمليات الليلية وتكتيكات تقوم بموجبها الطائرات السوفيتية بالتحليق قرب التضاريس لمنع المجاهدين من الحصول على رؤية واضحة.
ورأى البعض أنه بصرف النظر عن المبالغة في الخسائر، فإن صواريخ ستينغر أجبرت طائرات الهليكوبتر السوفييتية وطائرات الهجوم الأرضي على القصف من ارتفاعات أعلى بدقة أقل، لكنها لم تسقط عدداً أكبر من الطائرات من المدافع الرشاشة الثقيلة الصينية وغيرها من الأسلحة المضادة للطائرات الأقل تطوراً.
بعد الانسحاب السوفييتي، في عام 1989، لم يعرف مصير المئات من طائرات ستينجر. أطلقت الولايات المتحدة برنامجاً لاستعادتها وكانت الأسعار التي تعرضها تصل إلى أربعة أضعاف القيمة الأصلية.
ماذا فعلت أمام الميغ 25 العراقية؟
دخلت نسخة الجو جو من صاروخ ستينغر التاريخ عندما استخدمته طائرة أمريكية بدون طيار MQ-1 Predator في التسعينيات ضد طائرة MiG-25 عراقية، خلال أول معركة جوية على الإطلاق بين طائرة مقاتلة وطائرة مسيرة. لكن فشل الصاروخ في ضرب الطائرة العراقية والتي أسقطت الطائرة الأمريكية المسيرة.
تم استخدام صواريخ ستينغر في العديد من المعارك الرئيسية، وزودت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية العديد من الميليشيات التي دعمتها بهذه الصواريخ، ولا يزال نظام الصواريخ في الخدمة مع حوالي 30 دولة حول العالم، وتركيا هي إحدى الدول التي كانت تنتجه بترخيص من شركة رايثون الأمريكية.
قام الجيش الأمريكي وRaytheon بتعديل صواريخ ستينغر لإسقاط الطائرات الصغيرة المسيرة التي تستخدمها إيران وميليشياتها في الشرق الأوسط وتنظيم داعش.
وقالت ريثيون إنها استبدلت الرأس الحربي ذا التأثير المباشر من طراز ستينغر، والذي ينفجر عند الاصطدام بطائرة، بصمام قريب ينفجر عندما يكتشف هدفاً قريباً محمولاً جواً.
هل تُغير مسار الحرب الأوكرانية؟
يمكن القول إن صواريخ ستينغر قد يكون لها تأثير في الحرب في أوكرانيا، ولكن ليس هائلاً، ستؤدي هذه الصواريخ إلى تهديد المروحيات الروسية بشكل خاص، والمروحيات شديدة الأهمية في حرب المدرعات والمدن، وهي الأكثر فاعلية بالنسبة لجيش كبير كروسيا خلال مطاردته لجيش أضعف كالجيش الأوكراني.
كما يمكن أن تمثل تهديداً للطائرات الكبيرة البطيئة مثل طائرات النقل، وهو ما قد يؤثر على عمليات الإنزال والتي نفذت روسيا بعضها بالفعل، وقد تهدد أيضاً الطائرات الهجومية التي تطير بأقل من سرعة الصوت مثل طائرات سوخوي 25 الروسية والتي تستخدم في هجمات جوية لدعم المشاة، وللهجوم القريب ضد المدرعات وغيرها من الأهداف التي تحتاج لسرعة بطيئة لكي تكون الهجمات دقيقة.
ولكن في المقابل، فإن تأثيرها قد يكون أقل ضد الطائرات والقاذفات التي تطير أسرع من الصوت وعلى ارتفاعات شاهقة مثل طائرات سوخوي 30 و35 وميغ 29، ولكن قد تدفعها مثلما حدث في أفغانستان، إلى الطيران على ارتفاع أعلى، الأمر الذي يقلل قدرتها على ضرب الأهداف الصعبة مثل الأهداف المتحركة والصغيرة.
يعني ذلك أن صواريخ ستينغر لن تجعل الطائرات الروسية تتساقط، ولكن ستضطر موسكو إلى استخدام طائراتها بشكل أكثر حذراً وبالتالي ستكون أقل فاعلية في دعم قواتها البرية على الأرض.
عربي بوست
اقرأ أيضا: ما هي قوات الردع الاستراتيجية الروسية التي استنفرها بوتين؟