لم يبق َ للمواطن سوى انتظار مضي آذار ” الغدار ” بصقيعه
لم يملك السوريون رفاهية تخبئة الحطبات الكبار للعم آذار، بعد أن أمضوا الشتاء “كل يوم بيومه” عبر الاستعانة بما تيسر من بطانيات، وتقسيط الـ50 ليتر من المازوت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، واستهلاك كل ما تيسر من الحطب في الأرياف، حتى اضطر البعض لقطع الأشجار المجاورة لمنازلهم لتدفئة أطفالهم بعد أن انقطعت كل وسائل التدفئة من مازوت وغاز وكهرباء.
فالأيام القليلة الأخيرة التي عادلت ببردها وصقيعها أيام الشتاء مجتمعة، أنهكت المواطن الغارق في دوامة جديدة من ارتفاع الاسعار، دون أن يملك الوقت أو المال الكافي ليستعد لبرد آذار “غير المتوقع”، لتتزامن المنخفضات المتتالية الأخيرة مع شح المحروقات حتى في السوق السوداء، وغياب أية وسيلة للتدفئة بعد أن استنفذ هذا الشتاء “الحيلة والفتيلة”.
وفي ظل الشلل الحاصل بتوزيع الغاز عبر “الذكية”، وتوقف الحكومة عن توزيع الدفعة الثانية من المازوت، ونقص المادة في السوق الموازية، تصدّر الكرتون المشهد في الكثير من المناطق، حتى استثمر بعض “مقتنصي الفرص” الحاجة للدفء وبدؤوا بجمع الكرتون وبيعه بـ1000 ليرة للكيلوغرام حتى يُحرق إلى جانب ما توفر من بلاستيك ونايلون.
وأمام الأجواء “السيبيرية” التي تعيشها مختلف المناطق لا سيما الريفية منها، تقف الجهات المعنية موقف المتفرج دون أن تتكلف حتى عناء تبرير نقص المحروقات، حيث كان آخر ما صرح به في هذا السياق إعلان الحكومة في اجتماعها “الطارئ” إثر أزمة اوكرانيا “أنها ستضع خطة لتوزيع كافة المشتقات النفطية خلال الشهرين المقبلين بما يضمن انتظام التوزيع وترشيد هذه العملية للقطاعات الضرورية، ووضع خطة لخفض الكميات التي يتم تزويد السوق بها تدريجياً”، وهو ما ترجم على أرض الواقع شح ونقص وارتفاع في الأسعار، فدور الغاز مثلاً لم يتحرك منذ شهر وعشرة أيام عند الكثير من البطاقات “أي قبل شماعة أوكرانيا”، وإن توفر في “السوداء” فهو بـ125 ألف ليرة للأسطوانة.
أما المازوت الذي أصبح حلماً في هذا الصقيع، فقد غاب عن المصادر الرسمية، ورغم أنه كان يتوافر بيسر في السوق السوداء، إلا أن الشح طالها أيضاً هذه المرة، فهو إن وجد فقد قارب سعره 4500 ليرة لليتر الواحد، فيما وصل سعر ليتر البينزين إلى 3700 ليرة.
النقص الحاصل عموماً في المشتقات النفطية اعتبره الخبير الاقتصادي د.عمار يوسف تمهيداً لرفع سعر المحروقات الذي قد يكون بنسبة 50% خلال الأيام القليلة المقبلة، معتبراً أن أسلوب افتعال الأزمات ونقص المواد في الأسواق دائماً ما يكون مقدمة لرفع السعر حسب ما علمتنا السنوات الأخيرة!، واعتبر يوسف أنه حتى ولو لم ترفع الأسعار رسمياً حتى الآن إلا أن تأخر رسالة البنزين عشرة أيام، ورسالة الغاز شهرين، فهذا مؤشرات ومقدمات واضحة لرفع الأسعار قريباً، علماً أنه لا يوجد أسباب تعيق التوريدات كوننا نستورد المشتقات النفطية من إيران وروسيا، ومع ذلك فإن أي خلل في التوريد يفترض أن يظهر بعد شهرين أو ثلاثة وليس من اليوم الأول للأزمة الأوكرانية التي أصبحت الشماعة الجديدة.
كما بيّن يوسف أن التوجه دائماً يكون لرفع سعر المحروقات مع إغفال ارتفاع الأسعار الكبير الذي سيصيب كل المواد والسلع بعدها، واصفاً حال الأسواق اليوم والارتفاع اليومي بالأسعار بالكارثي لاسيما مع اقتراب شهر رمضان المبارك، ومتوقعاً أن تظهر معوقات إضافية بتأمين المواد وغلاء أسعارها.
ولم يبقَ للمواطن الذي انعدمت حيلته سوى انتظار مضي “آذار الغدار” بصقيعه، لعل نيسان يكون أخف وطأة ويزيح إحدى الأزمات المتمثلة بالتدفئة، حتى يتفرغ لمعركة الأسعار اليومية “بفضاوة بال”.!
المشهد