الجمعة , نوفمبر 22 2024

رايات “قسد” تُرفع في دمشق… وحضورٌ أميركي في الحسكة

رايات “قسد” تُرفع في دمشق… وحضورٌ أميركي في الحسكة

أيهم مرعي

حمل احتفال أكراد سوريا بعيد “النوروز” هذا العام، أبعاداً سياسية واضحة، عبر إتاحة الفصائل المسلّحة التي تسيطر على عفرين وأريافها، أمام الأهالي الأكراد، إقامة الاحتفالات وتأمين الحماية لهم. كذلك، شهد “نوروز” دمشق حشوداً غير مسبوقة، وسط استمرار الانفتاح الحكومي على الحوار مع “قسد”، وبقية الأكراد، ومحاولات أميركية مستجدّة لتحقيق تقارب بين “قسد” وقوى “المعارضة”

على بعد مسافة قصيرة من القصر الرئاسي في دمشق، احتشد المئات من الأكراد السوريين، في منتجع ملاصق لوادي المشاريع، والمسمّى كردياً “زور آفا”، لإحياء طقوس عيد “النوروز”. وقد تخلّل الحدث رفع العلم الوطني السوري، ورايات لـ”قسد”، ورايات ترمز لمختلف التيارات الكردية، بما فيها رايات حكومة كردستان العراق، والتي تُعرف بدعمها لأحزاب “المجلس الوطني” الكردي، بحضور لافت لقيادات في حزب “الاتحاد الديموقراطي”، الذي يسيطر على “الإدارة الذاتية”، وسياسيين أكراد.

وقد جاء هذا الاحتفال في وقت كان القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، يضيء شعلة “النوروز” في مدينة الحسكة، بحضور ممثّل وزارة الخارجية الأميركية في شمال وشرق سوريا، ماثيو بيرل، وبمشاركة جنود من القوات الأميركية في احتفالات العيد في مدينتي المالكية والقامشلي.
وفي مقابل ذلك، احتفل الأكراد في مدينة عفرين، التي تحتلّها تركيا والفصائل الموالية لها، رافعين رايات “الجيش الحر” وإقليم كردستان العراق، الذي يرمز للفصائل الكردية المتحالفة مع “الائتلاف الوطني”، في ظلّ أنباء عن ضغط أميركي لإحداث تقاربٍ بين “قسد” والفصائل المسلّحة.
وتعكس هذه المشاهد المتناقضة، الحال التي وصلت إليها أكراد سوريا، منذ بدء الأزمة في البلاد، وتقلّبهم بين التأييد لدمشق، ولاحقاً التحالف مع الأميركيين، والمحاباة لموسكو، طمَعاً بقدرتها على تثبيت الواقع الذي وصلوا إليه في منطقة “شرق الفرات”، أو انجرار قسم آخر للتحالف مع تركيا والفصائل المسلّحة. ويُجمع غالبية الأكراد المناصرين لـ”قسد”، والمعروفين محلّياً بـ”الأبوجية”، نسبة لزعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبدالله أوجلان، على ضرورة تعزيز العلاقة مع واشنطن، لأنّها القوة الدولية الوحيدة القادرة على تثبيت “الإدارة الذاتية” و”قسد”. أمّا المعارضة المسلّحة التابعة لتركيا، فلا تحظى بتأييدٍ يُذكر بين الأكراد، إلّا لبعض أحزاب “المجلس الوطني الكردي”، التي لا تزال تعاني من خلافات وانقسامات مع مختلف القوى المعارضة. وفي المقابل، تحظى فكرة الاتفاق مع الحكومة السورية، بتأييد شعبي بين غالبية الأكراد، غير المنضوين في تيارات سياسية محدّدة، مع رفضٍ مطلق لأيّ اتفاق مع المعارضة وفصائلها، انطلاقاً من انتهاكات الأخيرة لحق الأكراد في أكثر من منطقة، وتوجّهات قوى المعارضة “الراديكالية”، المناقضة للعلمانية التي تتّسم بها غالبية الأكراد.

طالب الأميركيون قيادات “قسد” بضرورة إبداء ليونة في منح المكوّن العربي دوراً أكبر في قيادة المنطقة

احتفال أكراد دمشق بـ”النوروز”، لم يكن حدثاً غريباً، إذ كان معتاداً في سنوات ما قبل الحرب، لكن ما هو غير اعتيادي اليوم، هو رفع رايات لـ”قسد” وفصائلها في العاصمة، إلى جانب العلم السوري، الأمر الذي يحمل دلالات سياسية، خصوصاً في ظلّ بروز مؤشّرات على فترة جفاء بين الطرفَين، وتعثّر أيّ محاولة للحوار بينهما. إلّا أنّ هناك من يرى أنّ دمشق، ربّما أرادت أن تردَّ على محاولات الأميركيين جرّ الأكراد بشكل أكبر للعداء معها، في ظلّ الأنباء عن وعود من واشنطن باستثناء مناطق سيطرة “قسد” من بعض بنود قانون “قيصر”. وبهذا “التسامح” الحكومي، تُرسل الحكومة السورية تأكيداً على أنّ الحقوق الثقافية محفوظة للأكراد، مع إمكانية تطوير الحوار معهم. ومن هذا المنطلق، جاء إقرار مسؤول العلاقات العامة في “حزب الاتحاد الديموقراطي” (PYD) في دمشق، محمد إيبش، بأنّ “الحكومة وفّرت الحماية الأمنية للمحتفلين”، لافتاً إلى “وجود مساعٍ لأن يكون نوروز 2022 نقطة انطلاق حوار سوري – سوري”، ومناشداً “القوى والأحزاب والدولة السورية، الجلوس إلى طاولة واحدة لحلّ كل الخلافات”.
بناء على كلّ ما تقدّم، يمكن الإشارة إلى أنّ الحركة السياسية الكردية في سوريا مشتّتة إلى حدّ بعيد، ولا رأي وازناً فيها إلّا لـ”الإدارة الذاتية”، بسبب هيمنتها على حوالى ربع مساحة البلاد. وتمضي هذه الأخيرة بأحلامها وثقتها المطلقة بالأميركيين، بعيداً من دمشق وموسكو، في ظلّ مساعي واشنطن لإحداث تقارب بين المعارضة والائتلاف، بدليل زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، إلى الحسكة ولقائه القوى الكردية، ثم لقائه الرئيس المشترك لـ”اللجنة الدستورية” السورية، الممثّل للمعارضة فيها. وفي هذا السياق تماماً، سعت فصائل المعارضة، إلى تظهير الاحتفال بـ”النوروز”، على أنّه “انفتاح” على الأكراد، في محاولة تبدو ناقصة، إلى الآن، في ظلّ عدم وجود أيّ مؤشرات تدلّ على موافقة تركية على هذا الانفتاح المزعوم.
وفي السياق، يؤكّد مصدر مطلع على اللقاءات التي أجرتها وفود أميركية في مناطق سيطرة “قسد”، في تصريح لـ”الأخبار”، أنّ “النقاشات تركّزت على ضرورة إبداء ليونة في منح المكوّن العربي دوراً أكبر في قيادة المنطقة، وتخفيف هيمنة الأكراد على كلّ المفاصل المدنية والعسكرية، مع فتح قنوات اتصال مع قوى المعارضة، والتأكيد على قرب صدور قرار باستثناء مناطق عدة من قانون قيصر، أهمّها مناطق سيطرة قسد”. وتلفت المصادر إلى أنّ “قسد استجابت لذلك، من خلال رفع أعلام المعارضة في احتفاليات ذكرى الثورة في مناطق في دير الزور والرقة، مع بيانات تدعو لتصحيح مسارها”. كما كشف المصدر أنّ “محاولات واشنطن تهدف لتشكيل معارضة جديدة، وإشراك الأكراد بشكل فعّال في مختلف المحافل الدولية المتعلّقة بسوريا، خصوصاً محادثات اللجنة الدستورية”. واعتبر أنّه “قياساً بالتجارب السابقة، فإنّ الوصول لاتفاق مع المعارضة يبدو أمراً مستحيلاً، في ظلّ ارتباطها العميق بتركيا، التي تعادي القوى الكردية بشدّة”.

الأخبار