الإثنين , نوفمبر 25 2024
العيش في جسد آخر! كل ما تحتاج معرفته عن تناسخ الأرواح

العيش في جسد آخر! كل ما تحتاج معرفته عن تناسخ الأرواح

سمعنا كثيرًا عن مفهوم تناسخ الأرواح، وسمعنا أحيانًا قصصًا عن أطفال في أنحاء العالم يحكون تفاصيل حياة سابقة يدعون أنهم عاشوها بكل تفاصيلها، وأن بعض ذكرياتهم عن الحياة السابقة تعود لهم من جديد.

وفكرة تناسخ الأرواح أشبه بأن تتخيل روحك مسافرة في طريق الحياة على الأرض، وفي كل محطة تترك وسيلة المواصلات التي تستخدمها، ثم تعود لتكمل رحلتها في وسيلة مواصلات أخرى، ولكن الخدعة هنا، أنها لا تختار وسيلة المواصلات بمحض إرادتها، بل يختار لها القدر وسيلة مواصلات تليق بها حسب تصرفاتها وأعمالها في وسيلة المواصلات السابقة؛ أفضل أو أسوأ، ولكن في تناسخ الأرواح، فإن الفكرة أكثر تعقيدًا من ذلك، فما تناسخ الأرواح؟ ومتى ظهر هذا المفهوم؟ ولماذا؟ هذا ما سيتحدث عنه هذا التقرير.

معنى تناسخ الأرواح.. أن تعيش من قبل في جسد آخر

في تقرير سابق لـ«ساسة بوست» جرى الحديث عن امرأة بريطانية تُدعى دورثي، ووفقًا لسيرتها الذاتية؛ فقد تعرضت لحادث لسقوط وهي في سن صغيرة، خمس سنوات تقريبًا، وهذا الحادث غيَّر حياتها للأبد، فبعد إصابتها أعلن الأطباء وفاتها ولكنها تعافت سريعًا وعادت إلى الحياة، قبل الإفاقة كانت دورثي ترى أشياء في مخيلتها أشبه بالهلوسة، ولكنها عندما رأت أول رسمة لمصر القديمة في موسوعة للأطفال؛ هتفت الطفلة أن هذا هو بيتها وأنها عاشت هناك من قبل.

واستجابة للشغف الذي حملته الفتاة الصغيرة تجاه هذا البلد البعيد المسمى مصر، اصطحبها والدها إلى المتحف البريطاني في لندن وهي في عمر السادسة، وبمجرد أن دخلت إلى قاعة الآثار المصرية القديمة، غمرتها فرحة شديدة، وأخبرت والدها في سعادة بالغة أنها في «بيتها» وبين «أهلها»، ولاحقًا جاءت تلك السيدة إلى مصر بالفعل وعاشت فيها حتى وفاتها.

دورثي ليست الوحيدة التي ادعت أنها عاشت حياة سابقة وأنها تتذكر منها أشياء، بل إن هناك العديد من القصص الأخرى التي يقتنع أصحابها تمامًا بأن هذه ليست المرة الأولى لهم على هذه الأرض، ولكن بالطبع تظل تلك مجرد «قصص» وأمرًا يصعب إثباته، ويمكنك مشاهدة الفيلم التسجيلي التالي عن مجموعة من الأطفال في أنحاء العالم لديهم حالة دورثي نفسها.

وفي دراسة نُشرت عام 2015 تحت عنوان «Evidence that suggest the reality of reincarnation» أو «الأدلة التي تشير إلى حقيقة التناسخ» درس الباحثون فيها ما يقرب من 2500 طفل ووثقوا كل المعلومات التي وردت على ألسنتهم وحُفظت تلك المعلومات في أرشيف قسم الدراسات الإدراكية بجامعة فيرجينيا، ووضحت الدراسة أن بعض هؤلاء الأطفال نشأوا في بلدان تؤمن بتناسخ الأرواح، ولكن أيضًا البعض الآخر عاشوا في بلدان ذات ثقافات وديانات مختلفة مثل حالة دورثي.

لكن الأمر الذي وجده الباحثون مثيرًا للاهتمام هو أنه في كثير من الحالات، جرى التحقق من المعلومات التي قالها الأطفال عن حياتهم السابقة، والتي توافقت بالفعل مع شخص مات من قبل، وكان لدى الكثير منهم سلوكيات تتعلق بحديثهم عن حياتهم السابقة من قبيل نوع من أنواع الرهاب كان يعاني منه الشخص المتوفى، كما استطاع بعض الأطفال المشاركين في الدراسة التعرف إلى أشخاص وأماكن من حياته السابقة المفترضة، حتى صرح الباحثون بأن «فرضية تناسخ الأرواح أمر مثير للجدل، لا يمكننا إثبات حدوثه، ولكن أيضًا من الصعب نفي إمكانية حدوثه».

وفي العام التالي (2016) نشرت دراسة بعنوان «Birthmarks and Birth Defects Corresponding to Wounds on Deceased Persons» أو «علامات الولادة والعيوب الخلقية المقابلة لجروح الموتى»، وشارك فيها إيان ستيفنسون، الطبيب النفسي وأستاذ الطب النفسي السابق في كلية الطب بجامعة فيرجينيا والرئيس السابق لقسم الطب النفسي وعلم الأعصاب، والذي سخَّر حياته المهنية في البحث عن أدلة تؤكد أن تناسخ الأرواح حقيقة.

كل ما تحتاج معرفته عن تناسخ الأرواح

وفي هذه الدراسة التي بدأها ستيفنسون وأكملها مجموعة من تلاميذه؛ جرى تناول ما يقرب من 3 آلاف حالة من تناسخ الأرواح، والتي ادعى ستيفنسون أنه عثر عليها خلال فترة أبحاثه المشتركة مع علماء آخرين.

وفي إطار الدراسة أيضًا شارك 210 أطفال أخذ الباحثون مسحًا لوجوههم ودونوا علامات الولادة الموجودة في أجسادهم (ما يُعرف في الثقافة الشعبية بالوحمة)، وقارنوها مع أجساد الموتى الذين يدعون أنهم تجسيد جديد لروحهم على الأرض، ووجد الباحثون أن ما يقرب 35% من الأطفال الذين يدعون أنهم يتذكرون حياتهم السابقة، ذكروا عيوبًا أو تشوهات خلقية تشابهت مع جروح الشخص الذين يتذكرون حياته.

ووضح ستيفنسون أن العيوب الخلقية التي ذكرها الأطفال، غالبًا ما تكون أنواعًا نادرة من التشوهات، وتبين أن لدى بعض الأطفال علامات عند الولادة، تتطابق في مكانها مع جروح في أجساد الأشخاص المتوفين، فضلًا عن تفاصيل تتعلق بالحياة السابقة لهؤلاء الأشخاص، كما ذكر كل طفل من هؤلاء الأطفال ما يتراوح بين 30 و40 كلمة تتعلق بذكريات لم يختبروها هم أنفسهم، ومن خلال التحقق وجدت النتائج أن ما يصل إلى 92% من البيانات كانت صحيحة.

الهندوسية.. أول توثيق معروف لمفهوم تناسخ الأرواح

الهندوسية، وهي ديانة منتشرة في الهند وقديمة للدرجة التي لا يعرف الهنود لها مؤسسًا محددًا ولا مصدرًا أساسيًّا يمكن الرجوع إليه، وليس لها كتاب موحد بل هي دين تطور من مجموعة من العادات والتقاليد التي ورثتها الأجيال المتتابعة، وواحدة من أهم القناعات والمفاهيم التي تأسست عليها الهندوسية هو مفهوم تناسخ الأرواح.

ويعتقد الهندوسيون أن هناك دورة تسمى «سامسرا»، وهي أن الحياة نفسها تمر بمرحلة الولادة، ثم العيش، ثم الموت، ثم الولادة من جديد، ووفقًا لهذا الاعتقاد فإن أرواح الكائنات الحية داخل الحياة تمر بالدورة نفسها، حين تولد الروح في الحياة على شكل من أشكال الكائنات الحية، ثم يموت هذا الشكل وتنتقل الروح لشكل جديد في رحلة ولادة روحية، في دورة يطلقون عليها دورة الـ«كارما».

ويمكن للروح أن تدخل في أي كائن حي مثل نبات، أو حيوان، أو إنسان، وبمجرد أن يموت الإنسان تنتقل الروح لجسم جديد، ولكن يجري اختيار هذا الجسم وفقًا للـ«كارما» الخاصة بحياته السابقة، فلو كانت حياة الشخص السابقة مليئة بالأفعال الصالحة ومساعدة الآخرين؛ ستعود روحه، وفقًا للاعتقاد الهندوسي، في جسم كائن حي جميل مثل شجرة أو طائر، ولكن إذا كانت أعمال هذا الشخص سيئة وظالمة، فغالبًا ما سيعود على شكل كائن قد يكون مكروهًا أو محتقرًا مثل الحشرات.

وكلمة «كارما» تنتمي إلى اللغة السنسكريتية وتعني حرفيًّا «الجزاء» أو العقاب الإلهي، ففي الفلسفة الهندية لا يمر أي شيء دون عاقبة أو نتيجة؛ إذ إن أعمال البشر الاختيارية، والتي بإمكانها التأثير في الآخرين لا تمر دون ثواب أو عقاب، ولأن الهندوسيين لاحظوا تأخر الكارما أحيانًا عن عملها في الحياة الواحدة، إذ من الممكن أن يموت ظالم دون أن يلقى جزاء ظلمه، فقد آمنوا بـ«تناسخ الأرواح»، والتي تتيح للفرد أن يلقى جزاء عمله في حياة قادمة.

هكذا ساهمت الطبقية في دورة تناسخ الأرواح

يؤمن الهندوس بأن «براهما» إله الهندوسية؛ خلق البشر على شكل طبقات بعضها أفضل من البعض الآخر، وأعلى طبقة هم طبقة الكهنة والذين يُطلق عليهم اسم «البراهمة»، وأدنى طبقة هم الفقراء والعامة، وهؤلاء يعرفون في الهندوسية باسم «الشودري».

ووفقًا لهذا النظام الاجتماعي الديني فالطبقة الأقل مكانة مهمتها أن تخدم الطبقة الأعلى منها، وعلى سبيل المثال تخدم طبقة الشودري طبقة العمال، وطبقة العمال مهمتها خدمة طبقة الملوك والمحاربين، وكل البشر بكل الطبقات مهمتهم خدمة البراهمة.

ومن هذه الخلفية الفلسفية جاء مفهوم التناسخ لدى الهندوس، فأي كائن حي يعود للحياة مرة أخرى بعد موته في جسد مختلف سواء من جنسه وفصيلته أو من جنس وفصيلة أخرى وفقًا لعمله، وعلى سبيل المثال إذا عاش الرجل من الطبقة الفقيرة حياة صالحة ساعد فيها الآخرين ولم يؤذ أحدًا، فله فرصة أن يعود في حياته القادمة في جسد رجل من طبقة العمال التي هي أعلى من طبقته التي مات فيها درجة، وفي الدورة القادمة ينتقل إلى طبقة أعلى، حتى يصل إلى جسد براهمي أو كاهن في حياته الرابعة.

ووقتها يواجه أحد المصيرين، لو كان صالحًا؛ فسوف يتحد مع الإله براهما ويصل للحالة التي تعرف في الهندوسية باسم «النرفانا»، ووقتها تنتهي دورة حياته على الأرض وتتحرر روحه، أما لو كان فاسدًا فمصيره هو الانتقال للدورة الأدنى وتستمر الدورة مرة أخرى.

البوذية: «نريد التخلص من الكارما»

خرجت الديانة البوذية من رحم الهندوسية بهدف أول أساسي، وهو التخلص من دورة «الكارما» التي تتعذب فيها الأرواح، والتي عدها بوذا نوعًا من أنواع المعاناة والعقاب الذي يجب أن يتخلص الإنسان منهما.

آمنت البوذية بأن الالتزام الأخلاقي هو المفتاح الأساسي للتغلب على «الكارما» السلبية أي الأفعال السيئة، ومن بعدها التخلص من كل من «الكارما» الإيجابية والسلبية معًا، والتغلب على مركزية الذات والتي تمنع البشر من فهم الآخرين وأعمالهم وتمنعنا من مساعدة الآخرين للتغلب على كارمتهم الخاصة.

ولذلك يعد الالتزام الأخلاقي في البوذية مهمًّا للتخلص من تناسخ الروح، ولكنه ليس كافيًا، فيجب أن يكون هناك يقظة من خلالها يُدرك الإنسان ما وراء أفعاله وأفعال الآخرين، وانتباه تام لدوافعه الخاصة ورغبة مخلصة في الاعتناء بالآخرين، وقتها – وفقًا للبوذية- يمكن للإنسان أن يتخلص من دورة التناسخ وتتحرر روحه من العالم المادي إلى العالم الروحاني.

فعل رمزي.. تناسخ الارواح عند أفلاطون

وصل مفهوم التناسخ للحضارة اليونانية وترك أثره في فكر الفلاسفة اليونان، ويعد على رأسهم أفلاطون الذي أضفى معنى جديدًا على تناسخ الأرواح غير معناه المادي المعروف في الهندوسية، ولكي نستوعب الفكرة الفلسفية لأفلاطون عن تناسخ الأرواح، يجب أن نذكر في البداية نظريته الفلسفية حول النفس.

إذ قسم أفلاطون النفس البشرية إلى ثلاثة أقسام: النفس الغضبية وهي النفس المسئولة عن المشاعر الايجابية الحادة مثل الشجاعة، أو المشاعر القوية مثل الصبر والكرم، والنفس الشهوانية، وهي النفس التي تسعى لإشباع الشهوات المادية مثل الطعام والجنس، وهي الشهوات التي يجتمع فيها الإنسان مع الحيوان، والنفس العاقلة وهي التي تساعد الإنسان على التفكير المنطقي وتفرق الإنسان عن الحيوان.

ووفقًا لأفلاطون؛ فالإنسان قد يختار أن يعيش بالنفس العاقلة فيكون إنسانًا بمعنى الكلمة، أو أن يطيع النفس الشهوانية وفي هذه الحالة تكون روح الإنسان قد تناسخت مجازيًّا مع الحيوان، وحل في جسد من أطاع النفس الشهوانية حيوانٌ لا يخضع إلا لشهواته المادية وغرائزه، ولذلك عند أفلاطون يعد تناسخ الأرواح أمرًا رمزيًّا وليس متجسدًا مثل الثقافة الهندوسية.

ولم يتوقف اهتمام العلماء بفهم وتحليل، وأحيانًا معارضة ظاهرة تناسخ الأرواح حتى وقتنا هذا، ففي بداية عام 2022 نشرت دراسة بعنوان «The James Leininger Case Re-Examined» أو «إعادة تحليل لحالة جيمس لينينجر»، وجيمس هو طفل أظهر منذ سن صغيرة في العام 2000 سلوكيات وادعاءات بأن حياته هي حياة طيار مقاتل في الحرب العالمية الثانية يدعى جيمس هوستن الابن.

وتعد تلك القصة من أشهر قصص تناسخ الأرواح في أمريكا، وقد أجريت دراسات سابقة تحاول فهم حالة هذا الصبي، لكن بعد مقارنة أقوال الطفل بالحقائق، توصلت الدراسة الجديدة إلى رفض كل ما نشر من قبل عن ثبوت تناسخ روح هذا الطفل مع الطيار المتوفي، وشدد الباحثون على أن قصته تفتقد «قوة السرد والمصداقية».

ساسة بوست

اقرأ أيضا: عروسين مصريين يقفزان من الطابق العاشر بعد زفافهما بساعات!