يبدو أن بعض صنّاع الدراما السورية وجدوا أساليب جديدة للتحايل على الرقيب الداخلي في البلاد، فالأزمة التي قسّمت البلاد بين “مع” و”ضد”، أفرزت منذ بدايتها في عام 2011، لوائح “شرف” لدى طرف، هي ذاتها لوائح “عار” لدى الطرف الآخر، ما جعل شريحة واسعة من الأسماء البارزة في عالم الفن السوري، مقبولة لدى جهة دون الأخرى، حتى الساعة.
في هذا الإطار، كشفت معلومات لـ”لها” أن مسلسل “كسر عضم” الذي يُعرض في الموسم الرمضاني الحالي، من تأليف وسيناريو وحوار علي معين صالح، وإخراج رشا شربتجي، هو في الحقيقة النص المعدَّل لمسلسل “حياة مالحة” للكاتب السوري المُعارض فؤاد حميرة الذي أخفت “شركة كلاكيت للإنتاج الفني” (إياد النجار) اسمه خوفاً من عدم الحصول على إذن بالتصوير داخل سورية، وتمت الاستعانة باسم آخر وتقديمه على أنه “كاتب يخوض مجال الدراما التلفزيونية للمرّة الأولى”، في سلوك يُشبه “المافيوية” عينها التي يعالجها المسلسل في أحد جوانبه.
وفي التفاصيل، كان من المفترض تصوير “حياة مالحة” منذ عقد من الزمن من إنتاج “كلاكيت” وبطولة جمال سليمان وتيم حسن، إلاّ أن اندلاع الأزمة عرقل الأمر. في تاريخ 23 حزيران (يونيو) من عام 2011، تحدّثت مادة صحافية في جريدة “الأخبار” اللبنانية عن العمل: “يعود حميرة إلى التعاون مع شربتجي فيقدّمان مسلسلاً جديداً يروي فساد الأنظمة العربية، وسيطرتها على كل مفاصل السلطة. يروي المسلسل قصة أحد كبار المسؤولين الفاسدين ويُدعى “أبو جرير” (جمال سليمان). يكتشف هذا الأخير فجأة أنه مصاب بفيروس الإيدز، فتبدأ محاولاته الدؤوبة لطمس الحقيقة، والاستفادة من كل يوم يعيشه”. ويتابع مقال الصحافي وسام كنعان قائلاً: ” وفي وقت تتطوّر فيه هذه الأحداث، يكتشف “جرير” (تيم حسن) هذا السرّ، ونراه يتخلّص من صورته المثالية (…) ويبدأ عملية القمع والبطش (…) هكذا تسير الأحداث وفق تشعّبات عدة وتكشف الخطوط الدرامية المختلفة عن الشخصيات المعقّدة، والصدام الحتمي بين السلطة والشعب الفقير الأعزل. كما يضيء المسلسل بصراحة على رضوخ المواطنين في أحيان كثيرة لرغبات السلطة، وغض النظر عن كل الجرائم والسرقات التي تُرتكب في الدوائر الرسمية خوفاً من الانتقام”.
وبعد توقّف التصوير، حاولت “كلاكيت” إعادة إنعاش العمل، مستبدلةً بعض أبطاله، بحيث انضم إليه الممثل السوري المُعارض “لاحقاً” فارس الحلو الذي صرّح في الرابع من تموز (يونيو) من عام 2012، لموقع “بوسطة” المحلي: “أجسد شخصية (أبو جرير)، وهو الشخصية التي يدور حولها العمل، رجل متنفّذ في السلطة مصاب بمرض خطير، يسعى دائماً إلى إخفاء حقيقة مرضه عن الناس، لكن الخبر يتسّرب وينتشر، وكلما ازداد انتشاره، يزداد خوف (أبو جرير) وشراسته، فيحاول وقف انتشار الخبر باستخدام وسائل القمع الفكرية والمادية من سلطة ومال ووسائل إعلام في سبيل إخفاء الحقيقة”. من المؤكد أن أي متابع لمسلسل “كسر عضم” سيظنّ أن تصريحات الحلو تدور حوله، لا عن مسلسل آخر، لكن الحقيقة عكس ذلك، فـ”أبو جرير” في “حياة مالحة” ليس إلاّ شخصية “الحكم” في “كسر عضم” التي جسّدها الممثل السوري فايز قزق، بعد ان اعتذر عن عدم تقديمها عدد من الأسماء الكبيرة بسبب توّجه العمل ضد النظام السوري، على غرار أيمن زيدان ورشيد عساف وبسّام كوسا.
وفي مرحلة لاحقة، صرّح جمال سليمان لـ”الأخبار” بتاريخ 10 تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2013، أن العمل قيد التحضير مجدداً، على أن يتولى إخراجه الراحل حاتم علي، بعد أن يخضع النص لتعديلات تواكب الزمن الذي مرّ بين مرحلة الكتابة الأولى والتصوير. يبدو أن التعديلات تمّت أخيراً، وأبرزها تعديل اسم الكاتب نفسه!
اقرأ أيضا: بعد 40 عاماً.. الدراما السورية تستعيد نجمها “أسامة الروماني”