الثلاثاء , نوفمبر 26 2024
باحث آثاري: أقدم رسم لطائر الكركي المهاجر تحتضنه سوريا

باحث آثاري: أقدم رسم لطائر الكركي المهاجر تحتضنه سوريا

باحث آثاري: أقدم رسم لطائر الكركي المهاجر تحتضنه سوريا

كشف علم الآثار أن السوريين كان لديهم اهتمام بمتابعة الطيور المهاجرة منذ العصر الحجري.

فقد عثرت البعثات الأثرية على أقدم رسم في العالم مكتشف حتى الآن لطائر الكركي المهاجر يعود إلى نحو /9/ آلاف عام، في أحد المواقع الأثرية السورية على الضفة اليمنى من نهر الفرات.

في هذا السياق أوضح عالم الآثار والمؤرخ في المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية الدكتور محمود السيد، في حديث خاص لـ”سبوتنيك”، أن “دراسة البقايا الأثرية الحيوانية تمثل أهم المصادر في التعرف على بعض أنواع الحيوانات والطيور التي عاشت في عصور ما قبل التاريخ، ولكنها لا تمثل المصدر الوحيد في استقصاء المعلومات”، مضيفا أن “الطيور المهاجرة تشكل جزءاً من الإرث الثقافي السوري، ومادة حية في التراث والفن والأدب”، مبينا أن “اللقى الأثرية وبقايا عظام الطيور المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية السورية توثق اهتمام السوريين بمتابعة الطيور المهاجرة منذ العصر الحجري الحديث (النيوليت)”.

طيور الغزل الراقصة

وأردف قائلا: “في موقع (تل بقرص) الأثري الواقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات اكتشف في أرض أحد بيوت الموقع البيت رقم /17/ رسم باللون الأحمر لطيور الكركي على خلفية بيضاء ينسب إلى عصر النيوليت ما قبل الفخار الحديث 8-9 آلاف سنة، وقد صور الطائر برأس أقرع وعنق طويل ومنقار طويل وساقين طويلين ورفيعين، وقد صور في الرسم مجموعة من أربعة ومجموعة أخرى من خمسة طيور كركي تقوم بعروض الغزل الراقصة”.

تدمر موطن النعام السوري المنقرض

وأشار السيد إلى أن “الرسم لا يمثل طائر النعام كما تم تفسيره من قبل بعض الباحثين والآثاريين؛ فمن الملاحظ بشكل واضح أن الرسام تعمد التركيز في رسمته على إظهار الأصابع الأمامية الثلاث لطيور الكركي المرسومة، في حين أن طائر النعام هو الطائر الوحيد في العالم الذي له إصبعان في كل قدم، وهذا ما يؤكد بالدليل المادي أن الرسم لا يصور طائر النعام، كذلك الرسم لا يصور مطلقاً طائر الإوز الأقصر عنقاً وساقاً ومنقاراً، والعنق الطويل الممدود لطائر الكركي يساعده في التحكم بجسمه بشكل كبير عند الارتفاع في السماء، علماً أنه كانت تعيش في سوريا منذ آلاف السنين في موقع (بئر الهمل) في (حوضة) تدمر في البادية السورية أعداد كبيرة من النعامة السورية المنقرضة، والتي ينحدر من سلالتها اليوم كل النعام العربي، فقد عثر في الموقع على كميات كبيرة من عظام النعام السوري تؤرخ بالعصر الحجري”.

الطيور المهاجرة وسماء سوريا

وأوضح عالم الآثار السوري أن “الطيور المهاجرة تشكل عنصراً رئيسياً في التنوع الحيوي والتوازن البيئي وشكلاً أساسياً من أشكال الطبيعة الحية، وإثراء للحياة البرية والمنظومة البيولوجية عامة، وتشكل مراقبتها عامل جذب هام للسياحة البيئية، ويعبر سماء سوريا في الصباح والليل في كل عام ألوف لا تحصى من الطيور المهاجرة خلال فصلي الربيع والخريف”.

وقال: “ساهم تنوع البيئات الطبيعية في سوريا وغنى محمياتها الطبيعية ذات المسطحات المائية التي تتذبذب فيها مستويات المياه والملوحة بصورة متفاوتة (نبات القصب يدل على مدى عذوبة الماء في البحيرة وانعدامه يدل على ملوحتها)، أو المسطحات المالحة أو المسطحات الطينية أو المستنقعات التي تنتشر بكثافة كمحمية أبو الطيور على الساحل السوري، ومحمية الثورة بالقرب من قلعة جعبر في الرقة، ومحمية الجبول /40/ كم إلى الجنوب الشرقي من حلب، ومحمية أبو منجل في بادية تدمر، ومحمية بحيرة طبرية في الجولان السوري المحتل، والتي تحتل جزءاً من الوادي المتصدع الكبير الذي يمتد من شمال سوريا إلى وسط موزامبيق في أفريقيا، وهي قريبة من الطريق السريع لمسارات هجرة الطيور، إذ تخلق تيارات حرارية تمكن الطيور الجارحة وغيرها من أنواع الطيور على الهجرة من وسط أفريقيا إلى أوروبا وغيرها من المحميات التي أصبحت محطات سنوية في طريق هجرة هذه الطيور، وفي تأمين معابر دائمة وغنية للعديد من الطيور المهاجرة التي تأتي من شمال أوروبا وآسيا متجهة إلى الجنوب الأفريقي أو العربي، وحتى شرقاً إلى الجنوب الآسيوي”.

أقدم قواميس الطيور في سوريا والعراق

وأضاف: “إن موقع سوريا المتوسط بين قارات العالم الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا واعتدال مناخها وتنوعها البيئي والنباتي والتضاريسي من سهول وجبال وسهوب ووديان وبادية مترامية الأطراف ومفتوحة من كل الجهات، جعلها من أهم مواقع عبور الطيور وإقامتها في الشتاء والربيع ومواسم هجرتها المنظمة من أوروبا إلى أفريقيا والعكس، كذلك دفعت التبدلات المناخية في العالم أو الشعور بالخطر أنواعاً من الطيور المهاجرة على تغيير مسارها واللجوء إلى الأراضي السورية التي أصبحت اليوم موئلاً هاماً للعديد من الطيور الزائرة لاستكمال دورة التكاثر كالعقاب الذهبي وطيور الفلامينكو “النحام” وصقر العسل”، وفي سوريا في موقع تل مرديخ الأثري (مملكة إيبلا) وفي جنوب العراق اكتشفت أقدم قواميس في العالم تتضمن أسماء طيور مهاجرة ومقيمة تؤرخ بالنصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد وكانت محفوظة في متحف إدلب قبل عام 2013 ومتحف بغداد قبل الغزو الأمريكي عام 2003، وفي موقع المشرفة الأثري (مملكة قطنة) في حمص اكتشف الكثير من بقايا عظام الطيور المائية المهاجرة المؤرخة بالألف الثاني قبل الميلاد كالإوز والكركي والبط بأنواعه والإوز القزم، والتي لا تعيش إلا في المياه الضحلة مما يؤكد وجود منطقة رطبة مؤلفة من حقل واسع من المياه القليلة العمق التي تغطي المروج بارتفاع عدة سنتيمترات فقط، وتشكل بذلك وسطاً مناسباً لاستراحة الطيور المائية المهاجرة، وفي موقع رأس الشمرا الأثري (مملكة أوغاريت) اكتشفت بقايا عظمية تنسب إلى عدد من الطيور المهاجرة كالبط والوز والترغل وغيرها، كما تشير المصادر الكتابية المدونة بالمسماري الأبجدي الأوجاريتي والمؤرخة بالقرن الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد إلى اصطياد طائر الترغل وتقديمه كقرابين للآلهة”.

سوريا ثاني أهم مسار لهجرة الطيور الحوامة

وتابع: “أهم الطيور المهاجرة المارة بسوريا هي القواطع المهاجرة التي تعبر من أوروبا وآسيا الغربية متجنبة برد هذه الأقطار إلى الأقطار الحارة كشبه الجزيرة العربية وأفريقيا جنوب الصحراء سعياً وراء القوت والدفء، ومع اقتراب الموسم الدافئ في أوروبا وغرب آسيا، رجعت هذه القواطع إليها لتعشش لتمر من سوريا مرة أخرى، فسوريا تقع ضمن ثاني أهم مسار لهجرة الطيور الحوامة في العالم ضمن مسار الهجرة على طول الانهدام العربي الإفريقي الذي يبدأ من تركيا إلى البحر الأحمر وشرق أفريقيا مروراً بسوريا وأهم الطيور الحوامة: أبو منجل الأصلع الشمالي والذي لا يزال يعبر سوريا بأعداد قليلة، الرخمة المصرية، عقاب أسفع كبير، ملك العقبان وعقاب السهول والحدأة السوداء والصقر الحوام وصقر الغزال، وكذلك نشاهد في موسم الهجرة اللقالق بأنواعها والكراكي التي تمر معظم أسرابه بأطراف الساحل السوري باتجاه أفريقيا عبر مصر والسودان حيث تشكل سوريا عنق الزجاجة، والإوز وأشهرها الأغر والبط الأبيض الرأس النادر عالمياً والبط الغطاس والأسود والفرفور والبط الأحمر والخضري والقطا الذي استوطن سابقاً في سوريا، والسنونو الخطاف والورور والزرعي والسمّن والكدري والدحروج والفرّي والبيوض والترغل والمطوق والقمحي وعصفور التين وأبو الحن والزرزور وطيور الفطيفل وطائر النحام الوردي الكبير (الفلامنغو)”.

وأردف: “تقع سوريا على أهم الخطوط العالمية للطيور المهاجرة ما بين الشمال والجنوب وبالعكس، بسبب موقعها وطبيعة مناخها وتنوع تربتها وطبوغرافيتها وغناها بالموائل المناسبة للطيور، وهذا ما جعلها مقصداً لأندر الطيور في العالم، كذلك كطائر ناماغوادوف المعروف باسم اليمام طويل الذنب وطائر الزقزاق الاجتماعي والأبلق الأسود أبيض التاج وطائر الأبلق الحزين من السلالة الغامقة وطائر القبرة الصحراوية من السلالة الداكنة، وطيور دجاجة السلطان الأرجوانية وطائر النعار السوري البري النادر، لذلك يتوجب مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بالتنوع الحيوي وحماية الحياة البرية وتحديثها وفقاً للمعطيات والمعايير الدولية والظروف والمعطيات الوطنية وتسليط الضوء على اللقى الأثرية السورية التي تكشف المزيد من أسرار الحياة البيئية في سوريا في مختلف العصور التاريخية”.

تعليمات الهجرة موجودة في جينات الطيور

ولفت السيد إلى أن “هجرة الطيور مرتبطة بإيجاد حياة ملائمة لها من حيث الطعام والشراب، وتعليمات الهجرة موجودة في الجينات الوراثية للطيور، وتسمح الهجرة للطيور بتعزيز توازن الطاقة في أجسامها والطيور تتحضر للهجرة كما يتحضر الإنسان للسفر فتقوم الطيور قبل الهجرة بتبديل الريش المتقصف والمتكسر بريش جديد، وتتغذى بشكل جيد حتى تصل إلى ضعف وزنها وتخزن الكثير من الدهون التي تحولها بشكل مذهل إلى طاقة خلال رحلتها الطويلة، وخاصة خلال هجرة الخريف، وهذا ما يفسر علمياً عدم قدرة الطيور الضعيفة والنحيلة على الهجرة، وتقوم الطيور المهاجرة أثناء الطيران أثناء الطيران ببسط أجنحتها لتساعدها التيارات الهوائية على الطيران لكيلا تتعب نفسها أثناء التحليق”.

بوصلة مغناطيسية لدى الطيور

وتابع: “الأبحاث العلمية الحديثة الصادرة عن المراكز التخصصية بدراسة الطيور وخصائصها وبنيتها الفيزيولوجية في أوروبا، وخاصة في ألمانيا والسويد تؤكد أن الطيور المهاجرة تتعرف على الطريق الواجب سلوكه أثناء الهجرة في الربيع أو الخريف والتعرف على أماكن التعشيش المناسبة استكمالاً لدورة التكاثر، من خلال بروتين موجود في الدماغ والعضلات والعين يسمح للطيور المهاجرة بالاستدلال المغناطيسي لمجال الأرض، وتعتمد الطيور في هجرتها أيضاً على المعالم المرئية والروائح ثم تتبع المكان المراد الهجرة إليه في الليل أو النهار عن طريق النجوم وضوء الشمس مستخدمة بوصلة مغناطيسية تعتمد على الانحرافات البسيطة في الضوء، حيث يمتلك الطائر في عينه بروتينا حساسا للضوء الأزرق يتيح للطير رؤية المجال المغناطيسي للأرض ويحدد له مسارات الهجرة وتصحيح المسار إذا ضل الطريق، ويمنحه القدرة على التنقل أثناء الليل، فالطيور تستخدم شبكية العين لتعرف الانحراق في الضوء الناجم عن تغيّر زاوية الميل المغناطيسي طبقاً للقرب- أو البعد- من القطب الشمالي للأرض، وبالتالي تستطيع تحديد الانحراف الزاوي بين الشمال المغناطيسي والشمال الجغرافي بدقة متناهية”.

وختم عالم الآثار السوري حديثه لـ سبوتنيك بقوله: “ما سبق يؤكد أن منطقة الخلايا العصبية في قاعدة مخ الطائر ليست بدائية والطيور ذات المخ الأكبر هي الأقدر على تجنب الأخطار أثناء مواسم الهجرة، وكلما كان عدد الخلايا العصبية في القشة الدماغية أكبر إلى جانب توزعها في مراكز الدماغ المختلفة كلما تطورت وظائف الإدراك العليا عند الطائر كالتخطيط للهجرة أو التعرف على الأنماط”. مضيفاً: “الطيور المهاجرة لها دور رئيسي في حفظ التوازن الحيوي ضمن النظام البيئي المائي والبري والمحافظة على التنوع البيولوجي العالمي وتعزيز استدامة البيئة مرهون بحماية الطيور المهاجرة، وتوفير الملجأ الآمن لها خاصة”.

سبوتنيك

اقرأ ايضاً:عقاري: سعر متر البناء في ماروتا ستي بين 5 و7 ملايين ل.س