“سارمات” الرهيب… هل ينزلق الروس إلى استخدامه؟ وأين؟
ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الروس عن تجربة صاروخية باليستية أو غير باليستية، أو حتى عن تجربة سلاح نوعي آخر غير صاروخي، وأيضاً ليست المرة الأولى التي يأخذ فيها الرئيس بوتين على عاتقه شخصياً مهمة الإعلان عن الصاروخ وعن مميزاته وقدراته؛ فمؤتمره الصحافي الشهير نهاية عام 2018، والذي أعلن فيه عن الثالوث النووي الروسي (القوات النووية البرية والجوية والبحرية)، كان لافتاً، بما أظهره خلاله من قدرات روسية غير تقليدية، وبتوقيته الذي لم يكن منتظراً على الصعيد الدولي، ومواكبته الأخيرة – قبل إطلاقه العملية الخاصة في أوكرانيا مباشرة – لتجربة الصاروخ النووي الباليستي أفانغارد، ومن مركز قيادة وإدارة عمليات القوة النووية مباشرة، أيضاً كانت لافتة بحساسية توقيتها وبمميزات هذا الصاروخ.
ولكن تجربة صاروخ “سارمات ” الأخيرة، أو كما يسميه الناتو “الشيطان 2″، والإعلان عنها بطريقة مختلفة عن كل المرات السابقة، قد يكون لهما وقع مختلف وغير مسبوق، وذلك، أولاً، بسبب ما أظهرته هذه التجربة من إمكانيات متقدّمة للصاروخ سارمات، وثانياً لكون التجربة والإعلان عنها يتواكبان مع العملية العسكرية الروسية المتواصلة في أوكرانيا، ومع التكاتف الدولي – الغربي المستشرس ضد روسيا، على خلفية العملية من جهة، وعلى خلفية ملفات أخرى، أبعد كثيراً من العملية بحدّ ذاتها، من جهة ثانية.
أر أس 28 (سارمات) هو أحد أهم الأسلحة الاستراتيجية التي طوّرتها روسيا في السنوات الأخيرة، ومن أخطر أنواع الأسلحة النووية على مستوى العالم. هو صاروخ نووي باليستي عابر للقارات، ذو قدرات تدميرية عالية، ويستطيع اجتياز أي منظومة دفاعية، وتصل سرعته إلى 24 ألف كيلومتر في الساعة، أو عملياً (20 ماخ، أي 20 مرة سرعة الصوت)، ويتجاوز قطره ثلاثة أمتار، ويبلغ مداه 18 ألف كيلومتر، مع قدرة تفجيرية هائلة، بإمكانها تدمير مناطق شاسعة “.
صاروخ عابر للقارات، يعمل بالوقود السائل، وزنه يبلغ 220 طناً، وطوله يبلغ 22 متراً، وقادر على الطيران عبر القطبين الشمالي والجنوبي، مع حمل ما بين 7 و10 رؤوس حربية نووية وفرط صوتية، بوزن نحو 10 أطنان، ويستطيع الانطلاق حتى بعد ضربة نووية من قبل العدو، ويمكنه التفوّق على جميع الأنظمة الحديثة المضادة للطائرات.
القدرات التي يوفّرها الصاروخ سارمات تشكّل عملياً عناصر المواجهة أو المعركة الاستراتيجية، التي يبدو أن الروس بدأوا يقتربون من خوضها مرغمين؛ فقد أشار بوتين إلى بعض هذه القدرات أو العناصر من ضمن مناورة رفع السقف في مواجهة الناتو والأميركيين خاصة، وهذه العناصر يمكن تلخيصها بحسب التالي:
عابر للقارات وذو قدرات تدميرية عالية
هذه المميزات وحدها قادرة على أن تجعل من الصاروخ عنصراً رئيسياً من عناصر الردع النووي الاستراتيجي، التي تقوم بأساسها على فكرة إيصال أي شحنة تفجيرية، تقليدية كانت أو غير تقليدية، مناسبة وكافية لتدمير منطقة شاسعة، يمكن أن تكون دولة كبيرة المساحة كاملة، أو مجموعة دول صغرى، إلى أي منطقة في العالم مهما كانت بعيدة عن روسيا، وخاصة أنه قادر على الطيران عبر القطبين الشمالي والجنوبي.
قدرة “نهائية” على اجتياز أيّ منظومة دفاعية
حساسية هذه الميزة أنها إذا صحت بشكل كامل، فهذا الأمر يلغي أيّ إمكانية للخصم لمواجهة الصاروخ وتدميره قبل وصوله إلى هدفه، فيصبح قدَراً لا مفرّ منه. لكنّ عبارة “للصاروخ قدرة نهائية في المستقبل أيضاً على تجاوز أيّ منظومة دفاعية”، كما ذكرها بالتحديد الرئيس بوتين، تبقى حاملة لبعض الشكوك في صحتها، إذ كيف يضمن بوتين مستقبلاً عدم قدرة أيّ طرف على تصنيع منظومة دفاع جوي خارقة تواجه سارمات؟ ولكن تبقى ثقته بإمكانيات الصاروخ الحالية في ذلك، واضحة وثابتة، استناداً إلى جملة معطيات واقعية وفعلية، ومنها اعتراف من الناتو والأميركيين بتميّز الصواريخ الروسية، وخاصة فرط الصوتية، بالقدرة على الإفلات من منظوماتهم الدفاعية وبالسرعة الكبيرة (سرعة “سارمات” نحو عشرين ماخ أو عشرين مرّة سرعة الصوت).
حَمْلُ ما بين 7 و10 رؤوس حربية وفرط صوتية بوزن نحو 10 أطنان
قد تكون هذه الميزة هي الأكثر قدرة على بثّ الرعب لدى الخصوم (الناتو والأميركيين)، إذ بوصول الصاروخ بعد إطلاقه واجتيازه المرحلة الأولى إلى نقطة جوية داخل الغلاف الخارجي أو على حدوده، يصبح قادراً وجاهزاً لتوزيع ما يحمل من رؤوس نووية أو صواريخ فرط صوتية، نووية أو تقليدية، بعدة اتجاهات مختلفة حول العالم، وكأنها صواريخ باليستية مستقلة، يملك كلٌ منها جميع عناصر “سارمات”، من توجيه مضبوط وقدرة تفجيرية وسرعة وإمكان الإفلات من منظومات الدفاع الجوي.
يستطيع الانطلاق حتى بعد ضربة نووية من قبل العدو
وهنا بيت القصيد في مبدأ الردع النووي الاستراتيجي؛ فمن خلال هذه الميزة لسارمات (الانطلاق بعد ضربة نووية للعدو)، ربما بسبب وجود قاعدة إطلاقه الأساسية تحت الأرض وفي مكان آمن ضد الأخطار النووية، أو ربّما بسبب قدرته على الطيران في أجواء مستهدفة بسلاح نووي، تبقى للروس فرصة تدمير العدو، حتى لو نجح الأخير في أن يكون البادئ أو المبادر إلى تنفيذ ضربة نووية، وهذا الأمر يجعل من الحاجة الرئيسة إلى وضعية الإنذار المبكر في مجال الردع النووي، غير ضرورية للروس بشكل كامل، مع امتلاكهم لسارمات، الذي تبقى لديه القدرة على التفاعل نووياً ضد العدو الذي يسبقهم وينفّذ ضربة نووية.
من هنا، وأمام ما يمكن أن يقدّمه سارمات للروس على صعيد المعركة الاستراتيجية أو على صعيد الردع النووي، وأمام المستوى اللافت من الاهتمام الذي أظهروه في الإعلان عن هذه القدرات، وباختيارهم هذا التوقيت الحسّاس الذي يعيشونه (الروس)، حيث تزداد عليهم الضغوط بشكل جنوني، في معركتهم غير الواضحة المعالم حالياً في أوكرانيا، أو في مستوى المواجهة الشرسة التي يخوضها الغرب ضدهم، عبر تكتل واسع من الدول الغربية القادرة، والتي تُترجم هذه المواجهة بمساعدات ضخمة لأوكرانيا، من الأسلحة والأموال والدعم الدبلوماسيّ والسياسيّ غير المسبوق… فلم يعد مستبعداً بعد اليوم أن يعمد الروس إلى تنفيذ عمل غير منتظر، انطلاقاً من هذه القدرات الصاروخية التي يملكونها، والتي صحيح أنها قدرات ردعية، ولكن قد تفقد قيمتها ومصداقيتها إذا بقيت فقط ردعية.
في هذه الحالة، أين يمكن أن يكون هذا العمل؟ وهل يمكن أن يجدوا – ونظراً إلى خبرتهم العريقة في المناورات – إخراجاً مقبولاً لعمل صاروخي حاسم، يترجم جديتهم وقدرتهم، من دون أن يخلق تدحرجاً دولياً غير مضبوط؟
وباعتبار أن الرئيس بوتين أشار إلى قدرة الصاروخ “سارمات” على الطيران عبر القطبين الشماليّ والجنوبيّ، فما الذي يمنع أن يكون الإطلاق الأول لهذا الصاروخ نحو القطب الشمالي، حيث الأطراف الدوليون يتسابقون للسيطرة على هذه المنطقة الغنية، وحيث يبقى مستوى الخسائر في الأرواح متدنّياً جداً، وحيث يكون هذا الإطلاق رسالة حاسمة ومضبوطة؟
شارل أبي نادر-الميادين
اقرأ ايضاً:من خلال صفحة على “فيسبوك”.. القبض على أشخاص بحلب يحتالون على الناس بحجة تبديل دولار مجمد